شكل الخطاب الملكي بتاريخ 17 يونيو 2011، الخاص بالتعديلات الدستورية، خارطة طريق للإصلاح المؤسساتي في المغرب واستمرارية للنهج الإصلاحي للملك محمد السادس. في هذا المقال نتساءل معكم عن ثلاث قضايا رئيسية: مستجدات الدستور الجديد، صعوبات ومتطلبات الإصلاح المؤسساتي، آفاق الانتقال الديمقراطي والتغيير في المغرب خلال السنوات المقبلة I- الدستور الجديد ما بين 1996 و2011 بمقارنتنا لدستوري 1996 و2011، لا بد من التذكير بالظروف والملابسات التي أدت إلى صياغة الوثيقتين. لقد مهد دستور 1996 لتجربة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998 في ظل ما سمي بالتوافق بين القصر والمعارضة الاشتراكية لقيادة حكومة اعتبرت سابقة في العالم العربي آنذاك. الآن فرضت أحداث العالم العربي نفسها وأنتجت حركة داخلية مهدت لإصلاح دستوري يعيد ترتيب بعض الاختصاصات داخل النسق السياسي المغربي في إطار توافق بين أغلب الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والجمعويين، سواء تعلق الأمر بالأحزاب أو النقابات أو الاتحاد العام لمقاولات المغرب أو النسيج الجمعوي. لقد سعى الدستور الجديد إلى الاستجابة للمطالب التي عبر عنها الشارع بإعمال المساءلة والمحاسبة، وفصل السلط، ومحاربة الرشوة والمحسوبية، واحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وهكذا تميز دستور 2011 عن دستور 1996 بما يلي: - تقوية دور رئيس الحكومة بما يمكنه من التعيين في الوظائف المدنية وبعض المؤسسات العمومية غير الاستراتيجية، إضافة إلى الولاة والعمال وقيادته للفريق الحكومي بأكمله وفق برنامج حكومي واضح. - تقوية دور البرلمان في مجال التشريع بتوسيع اختصاصاته من 8 إلى 30 اختصاصا وفق الفصل 71 من الدستور الجديد. - تقوية دور المعارضة البرلمانية بشكل يمكنها من متابعة وتقييم العمل الحكومي، خاصة في جانبه التقني (إعداد الميزانية والمصادقة عليها وتتبع تنفيذها). - إعطاء مصداقية للعمل السياسي بمنع الترحال بين الأحزاب بنص الدستور، مما يضع حدا لحالة التسيب التي تعرفها عدة أحزاب داخل البرلمان وحصر الحصانة البرلمانية في إطار ممارسة المهام البرلمانية للحيلولة دون الإساءة إليها باستعمالها من قبل بعض ممثلي الأمة للإفلات من العقاب. دسترة الهيئة الوطنية للنزاهة ومجلس المنافسة بما يمكنهما من القيام بمهامهما في محاربة الرشوة واقتصاد الريع. ولعل الدراسات التي قام بها مجلس المنافسة حول قطاع الاتصالات والأدوية والعقار تسير في الاتجاه الصحيح. - تكريس مسألة المبادرة الحرة وممارسة جمعيات المجتمع المدني لأنشطتها بحرية، مما يدمج فاعلين جددا داخل النسق السياسي المغربي. - الإلزام الدستوري للإدارات العمومية، وفق الفصل 27، بتوفير المعلومات للمواطنين والمواطنات بشكل قد يغير بعض العادات السلبية داخل الإدارة المغربية. - مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة السياسية والجمعوية، وتقديم المساعدة إلى أولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني بشكل يمهد لاستراتيجية وطنية واضحة لقضايا الشباب. - ضمان الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. لقد تميز دستور 2011 عن دستور 1996 بحسنات مهمة تدمج البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي في وثيقة تمهد لتعاقد اجتماعي جديد بين الملكية ومختلف الفاعلين، لتحقيق تنمية شاملة تخدم مصالح جميع المواطنين، فما هي صعوبات ومتطلبات هذا الإصلاح؟ II- صعوبات ومتطلبات الإصلاح المؤسساتي إن أي وثيقة دستورية، مهما بلغت من الدقة والكمال، تحتاج إلى نخبة سياسية مؤهلة وإلى رجال دولة قادرين على تفعيلها على أرض الواقع، فمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ودعم الشباب واستقلالية القضاء ليست كلمات فضفاضة، إنها -في نظري- عمق أي إصلاح مجتمعي حقيقي يحد من الفقر والهشاشة وانعدام الآفاق بالنسبة إلى فئات واسعة من المواطنين. إن تأهيل النخب التي ستقود العمل الحكومي خلال السنوات المقبلة وتأهيل النخب المحلية على مستوى الجهات الاثنتي عشرة، التي تم تحديدها في مشروع الجهوية المتقدمة، أمر أساسي وجوهري لنجاح الدستور الجديد وتفعيله بسياسات عمومية، وقطاعية وجهوية تهم: التشغيل، والتنمية البشرية، ومحاربة الفقر والأمية، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، والارتقاء بوضع المرأة. إن الجهوية المتقدمة، في نظري، هي المحك الحقيقي لمدى قدرة المسؤولين المركزيين والمحليين على الاستجابة الفعلية لحاجيات المواطنين المتعددة في مختلف الجهات، وبالتالي فهي لا تتطلب فقط وجود مسؤولين في المكاتب بل تتطلب وجود قياديين LEADERS مؤهلين لقيادة الجهات والسير بها نحو مخططات جهوية تهم الفلاحة والصناعة والسياحة والنقل والتجارة واللوجستيك والتشغيل... إن معدل البطالة المحدد في 9 في المائة وطنيا قد يرتفع إلى 20 في المائة جهويا، فأي سياسة جهوية للتشغيل يعتزم رؤساء الجهات المقبلين تفعيلها للحد من نسبة البطالة لدى الشباب؟ إن مسؤولية رئيس الحكومة المقبل ورؤساء الجهات تبدو جسيمة لرفع التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي سيواجهها المغرب خلال السنوات المقبلة، مما يتطلب تنسيقا واضحا وفاعلا بين مختلف المتدخلين في رسم السياسات العمومية التي سيكون المواطن ملاحظا ومتابعا لها عن قرب. III- آفاق الانتقال الديمقراطي والتغيير في المغرب لقد أشادت كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة بالإصلاحات المؤسساتية التي أعلن عنها الملك محمد السادس، وأكدت عمق وشمولية الإصلاحات في المغرب، مما يتطلب من المسؤولين المغاربة استثمار هذا التحول الداخلي لرسم معالم سياسة خارجية فاعلة ومؤثرة تمكن المغرب من جلب استثمارات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، خاصة بعد تأكيد الاتحاد الأوربي دعمه للدول التي تقوم بإصلاحات ديمقراطية في العالم العربي كتونس ومصر. لذا يجب اغتنام الفرصة ونهج سياسة تواصلية فعالة تجاه شركائنا الاقتصاديين الرئيسيين الذين تربطنا بهم اتفاقات للتبادل الحر أو في إطار الاتحاد من أجل المتوسط، فنجاح الإصلاحات السياسية رهين بنجاح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تستلزم تمويلا ودعما دوليا حتى يتمكن المغرب من الاستمرار في تفعيل سياسة الأوراش الكبرى التي دشنها في قطاعات الطرق والموانئ والسكك الحديدية والمطارات... بالموازاة مع المرحلة الثانية (2011 2015) من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ستسعى إلى التخفيف من آثار السياسات الاقتصادية على الفقراء. كما أن الحكومة المقبلة مطالبة بإصلاح صندوق المقاصة ونظام الدعم باتجاه مزيد من الشفافية والعدالة لفائدة الفئات الأكثر فقرا، مع توفير سكن لائق لجميع المواطنين والحد من المضاربات وانعدام المنافسة في قطاع العقار. إن كلمة التغيير تتطلب تدبيرا حكوميا جيدا وفعالا لقضايا ومشاكل المواطنين ونهج سياسة القرب في إطارها الجهوي حتى يتم الحديث، بالفعل، عن انتقال ديمقراطي حقيقي، يبعد المغرب عن الاضطرابات والتحولات التي يعرفها العالم العربي والنظام الدولي. باحث في جامعة محمد الخامس/الرباط