لا يمكن الحديث عن رياضة الدراجات الهوائية دون ذكر اسم أحد أسمائها الكبيرة، مصطفى النجاري، الدراج المغربي الذي عرف برياضة الدراجات الهوائية وحمل مشعلها في المحافل العالمية. ازداد مصطفى في الواحد والعشرين من شهر أكتوبر من سنة 1951، في درب السلطان، مارس رياضة الدراجات دون أن يشعر وهو يقطع مسافة طويلة بدراجته الهوائية متوجها إلى مدرسة الهدى في حي لارميطاج، كان يسكن حينها في أولاد حدو، تعود على قطع المسافة يوميا دون عناء، ويوما بعد آخر كان عشقه للدراجة يكبر وينمو.. حرص بعدها ككل أبناء جيله على متابعة طواف المغرب للدراجات الذي كان يشد إليه شريحة كبيرة من الناس، وكان محمد الكرش نجمه المفضل.. يتحدث النجاري عن المرحلة ويفضي بكثير مما علق في الذاكرة من تفاصيل: «كان يستهويني سباق الدراجات، كنت أمارس الرياضة بشغف كبير، كان درب السلطان مدرسة رياضية تخرج منها العديد من اللاعبين الموهوبين، وكان من المفروض أن أشبع رغبتي الكروية مع لاعبين كبار، من أمثال ظلمي والحداوي، كان ملعب لارميطاج يستقطب نجوما كبارا في رياضة كرة القدم، فقد كان فريق «الرجاء» يضم بين صفوفه أسماء لامعة، كنا جميعا مستعدين للتفرج على مباريات الفريق باستمرار، كانت الفرجة هي اللغة المتداولة بين أبناء درب السلطان.. ولم تكن رياضة كرة القدم وحدها التي تسرق الأضواء في هذا الحي، بل كان الفن أيضا مجالا يستقطب الاهتمام، فقد أنجب درب السلطان العديد من الفنانين. وتعرفت حينها، من جهة أخرى، على أبطال كبار من أمثال العبدي، البطل الكبير في رياضة الكاتش، وسعيد غاندي وبارام، بطل المغرب في رياضة الجمباز، والتقينا بالجوهرة السوداء العربي بنمبارك.. لقد كان ارتباطي بالرياضة وثيقا، غير أن الدراجة كانت تسرقني يوما بعد آخر من بين جميع الرياضات». بعد حصوله على شهادة الباكلوريا، ظل النجاري يمارس رياضة الدراجات، كان يتردد باستمرار على محلات بيع قطع الغيار من أجل صيانتها. وفي أواخر الستينيات من القرن الماضي، أحس الوالد بتعلق ابنه برياضة الدراجات فاشترى له دراجة هوائية.. كان فرح البطل كبيرا، وحافظ على تداريبه باستمرار، ولكن الحدث الذي سيغير مسار النجاري هو لقاؤه بالكرش.. يتذكر مصطفى اللقاء بنجم كبير، فيقول: «بعد أن منحني والدي دراجة هوائية، ركزت على التداريب. وحدث مرة أن التقيت ببعض المتسابقين، وكان معهم أيضا أبطال رياضة الدراجات.. كان هناك الكرش وعبد الله قدور ولشهب، وكان لا بد لي أن أظهر مهاراتي في ركوب الدراجات، كان الإصرار كبيرا على أن أظل مجتمعا بالكوكبة وأبرهن عن إمكانياتي في هذا النوع الرياضي، النتيجة أن البطل الكرش طلب مني حينها أن أنضم إلى النادي البلدي البيضاوي لسباق الدراجات بعد أن قال لي إن دراجتي لا تصلح للسباقات الرياضية». بعد انضمامه إلى النادي البلدي، حقق النجاري نتائج هامة، فقد فاز في العديد من السباقات، بل تفوق على أبطال كبار، كانت البداية مشجعة جدا.. التحق بعدها النجاري بالمنتخب المغربي للدراجات، بعد أن التقى بمحمد بهلولي الذي دعاه إلى تعزيز صفوف المنتخب الوطني، ومن ثم شارك في العديد من الملتقيات الدولية، فما بين المشاركة في أولمبياد لوس أنجليس وأولمبياد سيول، كان النجاري قد وقع اسمه بالخط العريض في تاريخ رياضة الدراجات الهوائية في المغرب.. فاز ببطولة المغرب ست مرات، وعبر اسمه سريعا إلى ذاكرة الجمهور المغربي الذي كان يقف على هامشي الشارع ليتفرج على طواف المغرب للدراجات، وكانت الألسن تتداول اسم مصطفى النجاري.. وأحب الجمهور المغربي هذه الرياضة بفضل إنجازاته الكبيرة. «تحولت الدراجة من وسيلة نقل أقطع بها مسافة طويلة للوصول إلى المدرسة، إلى وسيلة للسباق قصد الصعود إلى البوديوم في الكثير من المحافل الوطنية والدولية، تعرف علي الجمهور بفضلها، وصنعت لي مجدا رياضيا كبيرا». يهوى النجاري كرة القدم بشكل كبير، وكانت تغريه أيضا رياضة ألعاب القوى، إذ شارك في مسابقات الألعاب المدرسية وحقق نتائج طيبة، ولكن تعلقه بكرة القدم قويا، فبعد مباريات الأحياء، التحق النجاري بفريق «الوداد البيضاوي»، ولكن ارتباطه بكرة القدم لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما جره الحنين إلى رياضة الدراجات.. نسج النجاري علاقات حميمية مع فنانين مغاربة، من أمثال نعيمة سميح وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي، ويستمتع بأغانيهم جميعا، وتستهويه قراءة الصحف ويتابع باهتمام نتائج المغرب في المجال الرياضي.