بعد قطاع الاتصالات وقروض الاستهلاك، انصب اهتمام مجلس المنافسة على المتاجر الكبرى، حيث انتهت الدراسة التي أنجزها مكتب «مازار» إلى أن المتاجر الكبرى ما زالت تجد صعوبة في منافسة التجارة التقليدية والتجارة غير المهيكلة. غير أن الدراسة التي سجلت غياب أي إطار قانوني خاص بالقطاع، ركزت على أنه بسبب العدد المحدود للفاعلين فيها، تتسم المساحات التجارية الكبرى (Hypermarchés) بضعف المنافسة بين العلامات العاملة فيها، فيما بدأت الأسواق الممتازة (Supermarchés) تعرف نوعا من المنافسة. وعموما، خلصت الدراسة إلى أن القطاع ما زال لم يبلغ بعدُ «مرحلة النضج» وأمامه متسع للتطور بالنظر إلى انتظارات المستهلكين وبالنظر إلى الديمغرافيا. خارج التغطية القانونية شددت الدراسة، التي قدمت أول أمس الثلاثاء في الرباط، على غياب إطار قانوني خاص بالمتاجر الكبرى في المغرب، وبالتالي، خلافا لما هو عليه الوضع في بعض الدول التي انخرطت في هذا المنحى، لا تتوفر العديد من المعايير والمرجعيات القانونية التي يمكن الاستناد عليها من أجل الإحاطة بالقطاع في المغرب، حيث إن ذلك الإطار القانوني يمكنه أن يخول تحقيق التوازن الاقتصادي بين مختلف الجهات الاقتصادية ويساعد على تفادي تركيز تلك المتاجر في مناطق دون أخرى ويتيح تفادي البيع بالخسارة.. ورغم إقرار الدراسة بأن مخطط «رواج»، الذي يسعى إلى تنظيم القطاع التجاري في المغرب، يؤسس لمجموعة من الإجراءات التي ترمي إلى إعادة هيكلة القطاع ووضع خطاطات جهوية من أجل تنمية التجارة وخلق مناطق النشاط، ناهيك عن قانون حماية المستهلك، فإن الدراسة تسجل، مع ذلك، غياب أي مقتضيات تنظم العلاقة بين المتاجر الكبرى والمزودين وتحدد شروط البيع.
منافسة التجارة التقليدية لا تمثل المتاجر الكبرى في المغرب سوى 13 في المائة من النشاط التجاري في البلد، والذي ما زال يعرف حضورا قويا للنشاط التجاري التقليدي والقطاع التجاري غير المهيكل، مما يعني أن ثمة إمكانيات كبيرة أمام المتاجر الكبرى كي تنتشر في المغرب، خاصة في ظل تغير أنماط الاستهلاك والشراء في السنوات الأخيرة وبروز انتظارات جديدة لدى المستهلكين على مستوى تنوع المنتوجات في بعض المناطق، خاصة الحضرية منها.. وقد أحصت الدراسة 107 متاجر كبيرة في المغرب، بدأت تظهر منذ تسعينيات القرن الماضي، ويتجلى أن تلك المتاجر انتشرت، في مرحلة أولى، في المراكز الحضرية الكبرى، خاصة الدارالبيضاءوالرباط وفاس ومراكش، قبل أن تنحو، في مرحلة ثانية، نحو دعم حضورها في تلك المراكز والشروع في الانفتاح على المدن متوسطة الحجم، لتنتقل، في مرحلة ثالثة، إلى تطوير استراتيجيات تقوم على تغطية مختلف المناطق، مع التطوير السريع للأسواق الممتازة. عدد محدود للفاعلين تعمل في هذا القطاع في المغرب أربع مجموعات اقتصادية، تتوفر على سبع علامات، حيث تأتي في مقدمة تلك المجموعات الشركة الوطنية للاستثمار، التي تملك «مرجان» و«أسيما» و مجموعة «لابيل في»، التي تشرف على «لابيل في» و«ميترو» و«كارفور» ومجموعة «يينا هولدينغ»، التي تملك «أسواق السلام»، بالإضافة إلى العلامة التركية «بيم»، التي ولجت، بالكاد، السوق المغربي. وتحقق تلك المتاجر 95 في المائة من رقم معاملات من بيع المنتوجات ذات الاستهلاك الواسع، بينما تأتي النسبة الباقية من الخدمات التي توفرها للمزودين، من قبيل التسويق واللوجستيك، بالإضافة إلى كراء بعض الفضاءات داخل تلك المتاجر. وقد صل رقم معاملات قطاع المتاجر الكبرى في المغرب في سنة 2009 إلى 15.1 مليار درهم، حيث يتجلى أنه، حسب العلامات، استحوذت «مرجان» على 53 في المائة من رقم المعاملات، وتحقق الشركة الوطنية للاستثمار، عبر «مرجان» و«أسيما»، 64 في المائة من رقم معاملات القطاع، فيما تستحوذ «لابيل في» على 28 في المائة و«يينا هولدينغ» على أقل من 8 في المائة.
منافسة وتمركز وحسب الانتشار الجغرافي للمتاجر الكبرى، يبدو أن ثمانية مدن تضم كل واحدة منها ثلاث علامات وأربع مدن تحتضن علامتين و13 مدينة تعرف سيادة علامة واحدة. ويتجلى أن القسط الأكبر من المنافسة يتركز في المنطقة الوسطى، في نفس الوقت هناك ثمة نوع من التوزيع الجغرافي لحضور هذه العلامات، الذي يشير منجزو الدراسة إلى أنه لا يؤشر على اتفاق مسبق، ف«أسيما» و«لا بيل في»، مثلا، تتفاديان التواجد في نفس الوقت، في بعض المدن الصغيرة أو المتوسطة، غير أن الدراسة لاحظت وجود وضعيات احتكار، تجسدها «مرجان» في الناظور والسعيدية، بل إن «مرجان» تملك حوالي 70 في المائة من حصة فضاءات البيع في خمس مدن. كما تشير الدراسة إلى وجود علامتين فقط في بعض المدن، مثل خريبكة وآسفي وبني ملال.. غير أن تلك العلامتين، المتمثلتين في «أسيما» و»مرجان»، مملوكتان لنفس المجموعة الاقتصادية، وهي الشركة الوطنية للاستثمار. وينبه معدو الدراسة إلى أن الحضور القوي لبعض العلامات، دون غيرها، في مناطق معينة لا يعني أن هناك ثمة نوعا من الاتفاق، بل يشير إلى مخاطرة تلك العلامات، مبكرا، بالتواجد في بعض المناطق. وتسجل الدراسة أن هناك نوعا من التمركز القوي على مستوى المتاجر الكبرى، بينما تعرف الأسواق الممتازة منافسة قوية نسبيا وتمركزا أقل. إستراتيجيات الفاعلين تشير الدراسة إلى أن غياب الإطار القانوني المنظم لنشاط المتاجر الكبرى يعني أنه لا توجد عوائق قانونية تحول دون ولوج السوق من قِبَل العلامات والفاعلين، غير أنها لاحظت أن الفاعلين في السوق يمكنهم أن يطوروا إستراتيجيات تغلق السوق أمام فاعلين جدد، عبر السعي إلى التغطية الجغرافية، كما هو الحال بالنسبة إلى «أسواق السلام» و«ميترو»، أو العمل على تأمين التغطية الجغرافية، مع دعم الحضور في المراكز الكبرى، كما هو الحال بالنسبة إلى «مرجان». في نفس الوقت، تحاول العلامات تبني إستراتيجية تسعى من خلالها إلى ضمان وفاء الزبناء عبر الأسعار أو إلى التواجد في بعض الأحياء الشعبية، التي تعتبر المجال الحيوي للتجارة التقليدية والتجارة غير المهيكلة. وتسجل الدراسة أن الفاعلين يتوفورن على سلطة كبيرة في المفاوضات التي تجريها العلامات مع المزودين، غير أن ذلك يبقى رهينا بحجم المزود وجنسيته، فالعلامة لا يمكنها أن ترفض عرض منتوج أجنبي ذي شهرة عالمية، لكنْ يمكنها أن تستغني عن منتوج محلي، وبالتالي يميل ميزان القوة، في غالب الأحيان، لفائدة العلامات، خاصة تلك التي تتمتع بحضور قوي في السوق.