«كلمات كالرصاص» و«مجموعة تغني الحزن».. أروع ما تم به الثاني كل سنة ويدعو إليها كل الفنانين المغاربة.. مسار قطعته على امتداد أربعة عقود مجموعة ظهرت في قلب سوس وفي أحد الأحياء الهامشية في حي الجرف في إنزكان على الضفة اليمنى من وادي س لحلقات، التي تنفرد «المساء» بنشرها، سنحكي حكاية هذه المجموعة الفنية التي تفردت بنمطها الغنائي واستطاعت أن تجمع حولها محبين بالملايين. اختلفت الروايات التي تحدثت عن مسار «إزنزارن» وتضاربت الآراء حول هذه المجموعة المثيرة للجدل لكن الجميع ظلوا مجمعين على أنها ظلت العلامة الفارقة في مسار الفن الأمازيغي بامتياز، حيث ما زالت الأجيال المتعاقبة تطرب لأغانيها وما زال المحبّون والمتتبعون يترنمون بكلمات العديد من الأغاني الخالدة في المسار الفني لهذه المجموعة، التي كانت نتاج ثورة فنية شبابية في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان الفن ملاذ الأفكار الرافضة للواقع المعيش... لقد جاءت مجموعة «إزنزارن» كامتداد للظاهرة «الغيوانية»، التي اجتاحت المغرب حينها ولقيت تجاوبا كبيرا من طرف الشباب بالخصوص، في ما يشبه نوعا من التمرد على الأنماط الغنائية السائدة، التي لم تعد تطرب الأجيال الجديدة، إلا أن «إزنزارن» في منطقة سوس التقطوا الإشارة سريعا وأسسوا لأنفسهم نمطا غنائيا متميزا، يمزج بين العمق الفني للأغنية الأمازيغية وقوة الكلمة، النابعة من مرارة المعاناة اليومية وستحضار للوعي السياسي الذي كان سائدا في سبعينيات القرن الذي ودعناه، الأمر الذي أعطى لهذه المجموعة تألقا خاصا على المستوى الفني. تشكلت ظاهرة «تازنزارت» متفردة عن جميع الظواهر الغنائية السابقة لها أو حتى اللاحقة وظلت هذه الظاهرة عصية على التقليد، مما بات يطرح مخاوف كبيرة لدى محبي هذه المجموعة، الذين يتخوفون من اندثارها بغياب أفرادها، الذين غيّب الموت، مؤخرا، واحدا من المتألقين والمبدعين بينهم، هو لحسن بوفرتل. هذه الوفاة، رغم الألم الذي خلّفته في نفوس أفراد المجموعة فإنها، على الأقل وحسب المقربين من المجموعة، أيقظت حنينا لدى بقية أفراد «إزنزارن» إلى العودة إلى جماهيرهم العريضة، التي لم تتنكر لهم في لحظة من اللحظات، بل ظلت وفية للمجموعة لعلها تنفض عنها غبار غياب شارف على العقدين من الزمن. من الخطوة الأولى وهي التأسيس، إلى الإذاعة الوطنية، إلى الغناء أمام الحسن الثاني، فالحفلات التي أقيمت خارج أرض الوطن، في كل أصقاع المعمور.. محطات مضيئة وأخرى محبطة في مسار هذه الفرقة، سنحكيها عبر هذه السلسلة من الحلقات على لسان «أهل الدار»، العارفين بتفاصيل مسارهم الذي كان محفوفا بالمخاطر. أسئلة ظلت معلقة أجاب عنها بعض الباحثين بالتخمين والرصد، إلا أننا في هذه السلسلة سنسمع إجابات أصحابها. هل كانت مجموعة «إزنزارن» تُعبّر عن آراء سياسية معينة أم إنها تعكس نبض المجتمع وتنقل هموم الملايين من المغاربة؟ ما هي حدود الإبداع والموهبة في تجربة «إزنزارن»؟ كيف جاءت فكرة تأسيس المجموعة؟ وما هي الملابسات المحيطة بمرحلة التأسيس؟ ومن هم الفاعلون الحقيقيون في هذه المرحلة؟... اقتحام عوالم هذه الفرقة جد صعب، والحديث عنها كان «مغامرة» ممتعة، لأن النبش في ذاكرة هذه المجموعة يعتبر سفرا في حقبة زمنية كان أفراد المجموعة شهودا عليها بالكلمة واللحن اللذين أطربا وما زالا يطربان من عاصروا «إزنزارن» ويطربان الأجيال اللاحقة، لأنه لا أحد من المغاربة، سواء منهم من يتكلمون الأمازيغية أو غير الناطقين بها لم يسبق له أن ترنّم بكلمات الأغنية المشهورة «إمّي حْنّا»، التي شكّلت علامة فارقة في المسار الفني للمجموعة وكانت، بحق، أغنية خالدة في ريبرطوار هذه المجموعة الأسطورية.. تطورت موضوعات أغاني المجموعة من الحالات الرومانسية إلى الواقعية الملتزمة، ومن الأغاني العاطفية البدوية والمحلية إلى الأغاني الاجتماعية والإنسانية. ليتم التأسيس لظاهرة متكاملة ومستقلة هي ظاهرة «تازنزارت» كتجربة جديدة في الغناء الأمازيغي، حيث استطاعت مجموعة «إزنزارن» كسب تعاطف جمهور عريض داخل المغرب وخارجه وكذا لدى الجاليات المغاربية في أوروبا وأمريكا. من «تابغينوست»، في الدشيرة، إلى مجموعة «إزنزارن»، التي اشتهرت بأغنية «ميدلا ركوك»، التي كتب كلماتها شاعر المجموعة محمد الحنفي، إلى المسيرة الخضراء، حيث غنت المجموعة للمتطوعين في الحدث التاريخي على أرض الصحراء، ومن برنامج «مواهب»، للأستاذ عبد النبي الجيراري في التلفزة المغربية، مرورا ببرنامج «فواكه للإهداء»، الذي كان ينشطه الفنان عبد العظيم الشناوي، قدمت مجموعة «إزنزارن» أغنيتها الشهيرة «إكيكل» (اليتيم) والمعروفة عند الجمهور المغربي ب«إمّي حْنّا»، والتي لاقت تجاوبا كبيرا من الجمهور المغربي، بكل خلفياته وتعدده اللغوي... محطات طبعت مسار المجموعة بالعديد من الأحداث التي ظلت راسخة في ذاكرة أفراد، والتي سنسعى، من خلال هذه السلسلة، إلى إماطة اللثام عنها. فمن قلب مدينة إنزكان، وبالضبط من «حي الجرف»، انطلقت أولى شرارات ميلاد مجموعة «إزنزارن»، التي احتل فيها كل فرد مكانا يصعب تعويضه، الأمر الذي انكشف بعد وفاة لحسن بوفرتال، صاحب الإيقاع المميز داخل المجموعة، والذي كان يبدع إيقاعات تستعصي على التقليد. ظلت «إزنزارن»، على امتداد عقدين من الزمن، في خصام وقطيعة تامين مع الصحافة، حيث تشكلت لدى المجموعة عقدة اسمها الصحافة، لأن كل المقالات التي كُتِبت عن المجموعة كان أصحابها بقدر ما يسعون إلى التعريف بالمجموعة، كانت نتائج عكسية تتأتى بعد ذلك، بسبب تغليب رواية على أخرى أو بسبب التركيز على بعض نقط الخلاف دون أخرى، إذ كانت الكتابات الصحافية عن المجموعة تزيد من تأزيم أجواء الخلاف الذي ينشب من حين إلى آخر وتزيد الطين بلة بين أفراد المجموعة... لم تكن مهمة إقناع المجموعة بأن تعرض تاريخها للجمهور على صفحات جريدة «المساء» بالمهمة الهيّنة، بسبب هذا التشنج الكبير الذي خلقته بعض الأقلام التي تناولت الحديث عن المجموعة وكذا بسبب النظرة السلبية إلى الصحافة، التي تشكلت لدى المجموعة... إلا أنه تم تجاوز كل ذلك بفضل مجموعة من محبي هذه المجموعة، الذين لم يذخروا جهدا في الحفاظ على إرث المجموعة وفي محاصرة كل أسباب الخلاف بين أفرادها، في محاولة لإعادة «بعث» المجموعة من جديد لكي تعود إلى تألقها القديم، لأن الكلمة الصادقة والفن الأصيل لا يموتان بل يبقيان حيين في قلوب عشاقهما، يتوارثونهما من جيل إلى جيل.