فتحت مدارس الرباط أبوابها، بعدما كانت قد أغلقت في وقت سابق بعد انتهاء الموسم الدراسي، لكنها، هذه المرة، فتحت في وجه عموم سكان الرباط، الذين توجهوا إليها منذ ساعات صباح أمس الأولى من أجل الإدلاء بأصواتهم في إطار التصويت على الدستور الجديد، كل حسب قناعاته. فتباينت نسب الإقبال من مكتب تصويت إلى آخر ومن فترة من اليوم إلى أخرى. «أنت باقة مسجلة في القصر لكبير».. كان هذا جواب شخص يجلس خلف حاسوبه ل»سامية»، التي حضرت إلى مكتب التصويت المتواجد ب»مدرسة المنظر الجميل» في حي «أكدال» في الرباط من أجل الإدلاء بصوتها في إطار التصويت على مشروع دستور 2011. لم تحتج هذه السيدة، التي تشتغل في مؤسسة الحسن الثاني للجالية المقيمة في الخارج (قريبا من مكتب التصويت الذي سيدلي فيه عبد الواحد الراضي بصوته) سوى لبضعة ثوان حتى يتأكد ذلك الشخص من أنها غير مسجلة في «أكدال» وما زالت مسجلة في مدينتها الأصلية القصر الكبير، رغم أنها غيّرت محلها سكناها... في مكتب التصويت، التابع لمقاطعة أكدال -الرياض، تم وضع حاسوب رهن الإشارة لتسهيل معرفة رقم مكاتب التصويت بالنسبة إلى الأشخاص الذين لم يتسنَّ لهم سحب بطاقة الناخب. «متى ستنتهي عملية التصويت؟». سألت سامية اللبيدي ذلك الرجل، حتى تتمكن من الانتقال إلى مدينة القصر الكبير من أجل التصويت على مشروع الدستور. «كنت سأسافر إلى المدينة حتى دون وجود الاستفتاء»، قالت «سامية»، لكن حرصها على التصويت على أول دستور للملك محمد السادس جعلها تحاول برمجة وقت سفرها بطريقة تُمكّنها من الإدلاء بصوتها. «سأصوت ب«عم»، تقول «سامية»، بحماس، قبل أن تضيف «إن مشروع الدستور المطروح للتصويت سيقوم بتخليق الحياة العامة». القوات العمومية تسهر على السير العادي للاستفتاء «سامية» متشبثة برغبتها في التصويت ب»نعم» لأن هذا الدستور، حسب هذه السيدة، «هو وسيلة المغرب من أجل تجاوز ما يحدث حاليا من قلاقل في مجموعة من الدول العربي.. ب»نعم» سنقطع الطريق عن الأشخاص الذين يريدون زرع الفتنة في هذا الوطن»... توجهت «سامية» إلى مكتب التصويت، المحاذي لمقر عملها في الساعات الأولى لانطلاق عملية التصويت على دستور يأتي في ظرفية خاصة. وليست «سامية» الوحيدةَ التي توجهت إلى ذلك المكتب، حوالي 20 شخصا من المسجلين في مكتب «مدرسة المنظر الجميل» حجوا إلى المكان حتى قبل انطلاق عملية التصويت بدقائق. وقفوا في طابور أمام مكتب التصويت، قبل أن يفتح الباب في وجههم على الساعة الثامنة صباحا. فبدأ توجيههم إلى المكاتب المحددة، فقسم التصويت في «المنظر الجميل» يضم أربعة مكاتب، بينما تضم مقاطعة «أكدال -الرياض» أربع ملحقات، فيها 101 مكتب للتصويت. كان باشا المنطقة، رفقة القائدة، يسهران على السير العادي للتصويت ويقومان بتوجيه المواطنين نحو المكاتب التي سيصوتون فيها، حرصا منهما على أن يسير أول استفتاء في عهد الملك الحالي بطريقة عادية. لكن الأمر يختلف في مكتب التصويت في مدرسة «علال بن عبد الله»: الناس يحاولون البحث عن المكاتب التي سيصوتون فيها. «أنا يلاه جاو عندي جوجْ»، قال أحد أعضاء أحد مكاتب التصويت، ففي كل مكتب هناك رئيس المكتب، رفقة 3 أعضاء. احتاج «مصطفى» (بائع سمك) إلى بضعة دقائق من أجل إيجاد المكان الذي سيدلي فيه بصوته. أخذ ورقة «نعم» أمام المتواجدين في القاعة ووضعها في الصندوق: «قدامهومْ لْحت نعم».. يقول مصطفى، ضاحكا. بدا مرتاحا من تصويته ب»نعم» وقال «راه دستور مزيان»... «صُوّتْ بنعم ولكن ذنوبنا عليهومْ» «مصطفى»، وقبل أن يتوجه إلى «مدرسة علال بن عبد الله»، التي تضم 12 مكتبا للتصويت، ذهب إلى «مدرسة النصر»، المتواجدة في مقاطعة «العكاري»، حيث أعتاد على التصويت دائما، لكنه أُخبِر أنه سيصوت في «مدرسة علال بن الله». «الحاجة رشيدة»، هي الأخرى، كانت وجهتها الأولى «مدرسة النصر». صوتت هذه السيدة الستينية ب»نعم»: «إيلا قالها سيدنا، نْديروها». وليست «الحاجة رشيدة» المغربيةَ الوحيدة التي لبّت نداء الملك بالتصويت على الدستور. «مصطفى»، «الحاجة رشيدة»، «سامية» وآخرون توجهوا، كل منهم إلى مكتب، من أجل أن يقولوا كلمتهم بخصوص دستور 2011. ركن «محمد» سيارة الأجرة التي يعمل فيها أمام مكتب التصويت: «صُوّتْ بنعم وذنوبنا عليهومْ»، يقول هذا الرجل الخمسيني، لأن وضع الورقة في صندوق الاقتراع لا يعني بالنسبة إليه ضمان حياة كريمة كما يريدها. اختار سائق سيارة الأجرة التوجه إلى مكاتب التصويت لأنه مقتنع أن هذا المشروع جيد، رغم أنه لا يثق في إمكانية تطبيقه... انتظر «زكرياء» إلى الساعة الواحدة واستقل القطار في اتجاه مدينة سلا. في مكتب التصويت، المتواجد ب»مدرسة العلامة السفاري» في سلا، اختار هذا الشاب وضع كلمة «نعم» في صندوق الاقتراع: «أنا مع الدستور الجديد»، يقول الشاب، «لو صوتت ب»لا» سأكون أنا الخاسر الأكبر»، يضيف «زكرياء». يجد هذا الشاب، الذي سبق له أن شارك في أول تصويت له في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، أن الدستور حدد صلاحيات كل مؤسسة ودورها: «يعطي الدستور الجديد صورة واضحة حول الغد»، يقول ابن مدينة سلا. لكن «فاطمة» (مهاجرة مغربية في الديار الإيطالية) سارعت، منذ الصباح الباكر، إلى مكتب التصويت في «العكاري» من أجل الإدلاء بصوتها. وجدت هذه المهاجرة، التي تقيم بإيطاليا منذ 11 سنة، في الدستور الجديد استجابة لتطلعات الجالية المغربية: «لقد أعطى هذا الدستور الجاليةَ مجموعةً من الحقوق»، تقول هذه السيدة، التي جاءت رفقة ابنها ووالدتها من أجل التصويت على أول مشروع دستور في عهد الملك محمد السادس. هؤلاء قاطعوا الدستور ارتفعت أصوات حركة 20 فبراير وبعض الفعاليات السياسية والنقابية الداعية إلى مقاطعة الاستفتاء. وقد وجدت هذه الدعوة إلى المقاطعة صدى في صفوف بعض الرباطيين. رفض «جعفر» (أستاذ) التوجه إلى مكاتب التصويت، لأنه اختار الاصطفاف في صفوف المقاطعين: «لم تقم الدولة بحملة للتصويت وإنما قامت بالدعاية»، يقول هذا الأستاذ، قبل أن يضيف: «إنها طرق الدول التي لا تثق في نفسها، لذلك لن أصوت»... لكن سخط هذا المواطن على كيفية تدبير حملة الاستفتاء لا يعني أن ذلك كان السببَ الوحيد في اتخاذه قرار المقاطعة: «لم يكن الدستور في مستوى تطلعاتي، فأغلب السلطات ما زالت ممركزة في يد الملك»، يقول هذا الأستاذ، الذي يقر بأنه لا ينتمي إلى «حركة 20 فبراير». «جعفر» ليس الوحيد الذي قاطع الاستفتاء، رغم أن المغاربة يبدون أكثر تحفظا في هذا الجانب، ف»سعيد»، سائق سيارة الأجرة، اختار، أيضا، التخندق في صفوف المقاطعين، رغم أنه لم يقم بالتسجيل في اللوائح الانتخابية «أنا مقاطع، راه ماعارفينشْ هاد الدستور واش لصالحنا ولا لا»، يقول قبل أن يردف ضاحكا: «80 في المائة من المغاربة لا يعلمون ما يتضمنه مشروع الدستور».