المجلس الأعلى للحسابات غرم المتابعين في ملفات الفساد 3.9 مليون درهم وأمر بإرجاع 9 ملايين درهم    العدوي: لم يتم اعتماد أي استراتيجية تخص النجاعة الطاقية واقتصاد الطاقة لم يتجاوز 5,8 في المائة من أصل 20 المائة المطلوبة    إسرائيل وحماس تتوصلان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة    كأس إفريقيا للمحليين... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    قرعة شان 2024 توقع المغرب في المجموعة الأولى    في مستوى الفئات العمرية التي تفوق 15 سنة فقط.. 7 ملايين و478 ألف مغربي أمي خلال سنة 2024    شركة إسبانية تفوز بعقد دراسة انجاز نفق الربط بين المغرب وإسبانيا بقيمة 6 مليارات يورو    خدعوا الشعوب بالكفاءات التكنوقراطية لاستبعاد الأحزاب،،لا أقل ولا أكثر: (؟!!! )    الجزائر تزداد عزلة دوليا: مواقف النظام تجاه تركيا والقضية الكردية تكشف هشاشة سياسته الخارجية    استنفار وسط مدارس طنجة لتعزيز التلقيح ضد "بوحمرون"    قبيل شهر رمضان.. حماية المستهلك تدعو لتخفيض الأسعار ومواجهة الوسطاء    حاملاً رسالة إلى الملك.. مباحثات تجمع وزير خارجية غامبيا وبوريطة بالرباط    غليان في قطاع الصحة.. إضراب وطني ووقفات وتهديد بتصعيد غير مسبوق    فرق الإطفاء تنجح في إخماد حريق بغابة "أغاندرو" في الحسيمة    موجة برد وتساقطات ثلجية تهم عدة مناطق بالمغرب من الأربعاء إلى السبت    مخاطر الإرهاب تجمع المغرب وإسبانيا    أنغام زورا تانيرت تعيد الحياة لذكريات شهداء زلزال أكادير    تسجيل إصابة 79 نزيلة ونزيلا بداء "بوحمرون".. وسجن طنجة في المقدمة    الرباط .. الصناعات الثقافية والإبداعية وتحديات التحول الرقمي في صلب أشغال الدورة ال24 لمؤتمر وزراء الثقافة العرب    تخليق الحياة العامة: النيابات العامة تضبط 61 حالة رشوة عبر الخط المباشر في 2024    العدوي: يتعين الحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي    مصرع امرأة في العرائش بعد اندلاع حريق داخل منزلها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    انطلاق مهرجان آنيا تحت شعار "الناظور عاصمة الثقافة الامازيغية"    بعد أخبار مصرية حول تأجيل كأس أفريقيا للأمم.. الجامعة الملكية المغربية توضح    الرباط.. مؤتمر حول مكافحة الإرهاب والأمن البحري على طول السواحل الإفريقية الأطلسية    تسجيل نمو ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا في سنة 2024    "تضخيم أرباح" يورط مستوردين مغاربة في شبهات تبييض أموال    أشرف حكيمي يوضح حقيقة وضع أملاكه باسم والدته    "بوحمرون" يقتحم أبواب السجون المغربية وينتشر بين المساجين    العدوي تقدم عرضا أمام مجلسي البرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023/2024    أخنوش يترأس حفل بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975    الفنان ياسين احجام يروج لشخصية المعتمد بن عباد    انتشار "بوحمرون" في 13 مؤسسة سجنية: تسجيل 79 إصابة و27 حالة شفاء    3 آلاف شرطي يعتقلون رئيس كوريا الجنوبية المعزول    غياب مدرب الجيش الملكي عن مواجهة صن داونز بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    فاروق لايف: التغيير بدأ قبل حملة التنمر وسأجعله مصدر إلهام للآخرين    اختيار جامعة محمد السادس لقيادة قطب الاستدامة بمنتدى مستقبل المعادن بالرياض    استثمارات خليجية تنقذ نادي برشلونة من أزمته المالية الكبرى    نادي مولنبيك البلجيكي يتعاقد مع بنجديدة على سبيل الإعارة    اليوبي: الوضعية الوبائية "عادية" وفيروسات الموسم مألوفة لدى المغاربة    تسجيل 25 إصابة بداء بوحمرون في السجن المحلي طنجة    الاتحاد العام للصحفيين العرب يجدد دعمه للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل ترابه    بلقصيري تحتفي بالكتاب الأمازيغي والغرباوي في "آيض يناير"    إيض يناير 2975: الدار البيضاء تحتفي بالتقاليد والموسيقى الأمازيغيين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    للمرة الثانية.. تأجيل إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار بسبب حرائق لوس أنجلس    مؤتمر إسلام آباد يدعم تعليم المرأة    العاهل الإسباني يؤكد على الطابع الخاص للعلاقات مع المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    أرسنال يفتقد خدمات مهاجمه البرازيلي خيسوس بسبب الاصابة    لجنة الأوراق المالية الأمريكية ترفع دعوى ضد إيلون ماسك بسبب "تويتر"    العيون تحتفل بحلول "إيض إيناير"    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا أقاطع الاستفتاء حول مشروع الدستور؟
نشر في المساء يوم 01 - 07 - 2011

عندما انخرط الشعب المغربي في معركة التغيير الشامل والعميق في سياق التحولات الجارية في المنطقة العربية، وانطلقت حركة 20 فبراير التي دعا إليها وأطرها الشباب المغربي
بطريقة سلمية وحضارية، والتي عرفت دعما ومشاركة واسعة عبر مختلف المناطق المغربية ومن طرف أغلب المكونات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، ومن شخصيات وازنة من مختلف المشارب والمذاهب، طرحت في الساحة الوطنية شعارات واضحة كأساس لأي تغيير حقيقي، من بينها إسقاط الفساد وإسقاط الاستبداد وتغيير دستوري عميق وفصل المال عن السياسة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإنهاء مظاهر القمع ضد الحق في التظاهر، ومحاسبة ومحاكمة من ثبت تورطه فيها، والكشف عن كافة المعتقلات السرية وإغلاقها، كما الكشف عن المتورطين في انتهاك القانون والاعتداء على الحريات، في الماضي والحاضر، ومحاسبتهم ومحاكمتهم، ومحاسبة ومحاكمة الفاسدين والمفسدين، سياسيا واقتصاديا، وإبعادهم عن مراكز القرار، وإلغاء كافة المراسيم والطقوس المخزنية المهينة والحاطة بالكرامة، وإنهاء الاعتداء على الصحافة والصحفيين، واعتماد آليات مستقلة في الإشراف على الاستفتاء والانتخابات، وحل الحكومة والبرلمان، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني لإدارة المرحلة الانتقالية.
هذه المطالب، وغيرها من المطالب والإجراءات السياسية، اعتبرت من طرف شرائح واسعة إجراءاتٍ ضروريةً ومستعجلة لبناء الثقة بين المواطن والدولة، ولإعطاء إشارة واضحة إلى توفر إرادة التغيير.
ورغم الاختلاف حول عنوان التغيير الدستوري، بين شعار «دستور شعبي ديمقراطي» وشعار الملكية البرلمانية، فإن الجميع طالب بقوة بضرورة التغيير العميق والجوهري والشامل للدستور، واعتبرت فئة واسعة من مكونات الحراك السياسي المغربي، داخل وخارج حركة 20 فبراير أن هذا التغيير يجب أن ينقل المغرب من ملكية تنفيذية مخزنية إلى ملكية برلمانية.
وجاء الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 متضمنا لبعض العناوين الكبرى للتغيير الدستوري، إلا أنه تضمن في الآن نفسه تحديد آلية صياغة مشروع الدستور وإطار عملها، وهو ما اعتبر مؤشرا سلبيا منذ المنطلق.
وفي إطار الديناميكية التي خلقت بالمناسبة، طرحت العديد من المبادرات، كان من بينها «بيان حول التغيير الذي نريد» الذي حمل توقيع المئات من الشخصيات الوطنية من مشارب مختلفة ومن شريحة واسعة من السياسيين والنقابيين والحقوقيين والجمعويين والشخصيات المستقلة، والذي اعتبر أن هناك أهمية بالغة «لخوض بلادنا غمار تغيير عميق وشامل ينقلها من النظام المخزني التقليدي إلى النظام الديمقراطي ويكفل لها شروط الاستقرار والوحدة والنماء والتقدم»، واعتبر أن ذلك يتطلب، من جهة، «إجراءات سياسية مستعجلة تبني الثقة لدى المواطن المغربي وتجسد الدليل على توفر إرادة التغيير المنشود» مع تحديد أهم هذه التغييرات السياسية التي لا يمكن أن تقبل الانتظار. ومن جهة أخرى، اعتبر البيان أن التغيير الدستوري المطلوب «هو التغيير العميق والجوهري، وليس تحسين ما هو قائم، إذ المطلوب هو الانتقال من الملكية التنفيذية إلى ملكية برلمانية «يسود» فيها الملك ولا يحكم وتكون فيها السيادة للأمة، والشعب مصدرا للسلطات»، وحدد البيان أهم مضامين التغيير الدستوري المطلوب.
لكن ما حصل على المستوى السياسي هو أنه باستثناء الاستجابة الجزئية جدا لمطلب الإفراج عن المعتقلين السياسيين، فإن حليمة ظلت على عاداتها القديمة، واستمرت مظاهر المخزنة وتواصل القمع في الساحات والشوارع، والذي لم يعد من نصيب المعطلين وحركة 20 فبراير فقط، بل لم يسلم منه لا أطباء ولا أساتذة ولا صحفيون ولا محامون ولا خطباء مساجد... إلخ، وكان اعتقال ومحاكمة رشيد نيني رسالة واضحة في اتجاهين: في اتجاه الصحفيين، من جهة، والذين تعرضوا لمختلف أنواع المضايقة والاعتداء، بما في ذلك العمل الدنيء على قطع أرزاق بعضهم. ومن جهة أخرى، في اتجاه الحلم بعدالة مستقلة نزيهة وقوية. وظل كل من أشارت إليه الأصابع بالفساد السياسي أو المالي في مكانه، واستمر التمادي في إنكار وجود المعتقلات السرية، بما فيها معتقل تمارة ذائع الصيت وسيئ الذكر، مع إخراج المسرحية الهزيلة والبئيسة بتنظيم «زيارات» مخدومة لا يمكن أن تنطلي على أحد، وتواصل العمل بالمراسيم والطقوس المخزنية المهينة والحاطة من الكرامة وظلت الحكومة والبرلمان في
مكانيهما.
أما على مستوى تغيير الدستور، فقد شكلت اللجنة المكلفة بعناية ودقة في الاتجاه الأوحد، رغم بعض التباينات الطفيفة وعوض خلق حوار وطني حقيقي حول مضامين الدستور الذي يريده المغاربة، فقد نظمت جلسات استماع وتلقي المذكرات، وهيأت اللجنة مسودتها، وحرصت على ألا تطرح المسودة للنقاش، سواء داخل الأحزاب والنقابات والجمعيات أو المستوى العمومي، من أجل تنقيحها وإدخال التغييرات الضرورية عليها وخلق جو من التوافق حولها، وذلك قبل الصياغة النهائية التي تطرح على الاستفتاء، واعتمدت طريقة: «هذا دستورنا.. تأخذونه كما هو أو تتركونه»، وكأن المغاربة ليسوا أهلا لمناقشة مصيرهم، بل ومجبرين على أن يقولوا نعم أو لا. كل ذلك، بغض النظر عن القبول بمبدأ تعيين لجنة لم يستشر فيها أحد وتكليفها بإعداد مسودة الدستور، وتحديد إطار وحدود عملها.
إذن، فالنظام المخزني هو هو على المستوى السياسي، والتغيير الدستوري أو، على الأصح، مسودة الدستور وضعت بشكل فاسد وغير لائق بالمغاربة، وغير متناسب مع التحولات الجارية في المنطقة العربية ومع الحراك الشعبي الذي يعيشه المغرب.
يضاف إلى ما تقدم الإصرار على أن تكون وزارة الداخلية سيئة الصيت في موضوع الاستفتاءات والانتخابات هي المشرفة على الاستفتاء، رغم أن شبه إجماع كان قد تبلور حول ضرورة رفع يد وزارة الداخلية عن كافة الاستشارات الشعبية وتشكيل هيئة وطنية مستقلة للإشراف على هذه
الاستشارة.
وطبعا، فإن هذا القرار يشكل بدوره رسالة واضحة مفادها التشبث من طرف الحاكمين بالنظام المخزني وبآلياته، رغم كل المساحيق التي يمكن أن يأتي بها مشروع الدستور.
وقبل الانتقال إلى الحديث عن مضامين مشروع الدستور المطروح على الاستفتاء، يجب الإشارة إلى ثلاث ملاحظات أساسية:
أولا: أننا يجب أن ننتبه إلى مغالطة كبرى يعمل البعض على إسقاطنا فيها، وهي المقارنة بين الدستور الحالي دستور 1996 ومشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، إذ السؤال المطروح لا يتعلق ب«أي الدستورين أحسن؟»، ولا بما إذا كان المشروع الجديد يتضمن بعض التعديلات الإيجابية على الدستور الحالي. السؤال المطروح هو: هل سينقلنا الدستور الجديد إلى الدولة الديمقراطية أم لا؟ وهل وصل وقت الانتقال إلى الديمقراطية في المغرب أم إننا سنبقى لعقود أخرى في قاعة الانتظار؟
وإذا كان الشعب المغربي قد أصبح راشدا ويستحق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كما ينادي بذلك شباب 20 فبراير، وإذا كانت هناك إرادة حقيقية للانتقال إلى الدولة الديمقراطية، فإن ذلك لا يمكن إلا عبر إقرار ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ويكون فيها الشعب مصدرا للسلطات، وتقترن فيها المسؤولية، أيا كانت، بالمحاسبة.
لماذا؟ لأن النظام الملكي، أي نظام ملكي، لا يمكن أن يكون ديمقراطيا إلا إذا كان برلمانيا، لأن الديمقراطية تقوم على مبدأ الانتخابات والمحاسبة، ومادام الملك لا ينتخب ولا يحاسب، فإن السلطة والمسؤولية يجب أن تكونا بين يدي من ينتخبون ويحاسبون، وأن يكون للملك دوره التحكيمي ودوره الرمزي، وهو ما يحتفظ للملكية بمكانتها ويبعدها عن المسؤولية عن السياسة العامة للبلاد التي يجب أن تكون بيد الحكومة في إطار البرنامج الذي يختاره الناخب المغربي، والتي على أساسها تتم محاسبتها ومساءلتها.
إذن، فالسؤال المطروح لا يتعلق بإدخال تحسينات على دستور 1996 ولا بوجود إيجابيات في مشروع الدستور بالمقارنة مع الدستور الحالي. السؤال الذي يجب الجواب عنه بصراحة هو هل مشروع الدستور يؤسس لملكية برلمانية حقيقية؟ أي هل يؤسس للدولة الديمقراطية؟
ولنترك المقارنة بدستور 1996 لأنه دستور يكرس الاستبداد.



خالد السفياني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.