في الأيام الأخيرة قبل وفاته، كان ينظر مطولا إلى صور قديمة معلقة على حائط غرفته، بعضها يُصوِّره شارد الذهن وهو يمسك بسيجار كبير ويرتدي معطفا أصفر من طراز قديم، كان يكرر سؤاله لابنته بالتبني «كاثرين»، التي تعمل محققة خاصة عن هذه الصور، فتحكي له عن شخصيته التلفزيونية الشهيرة، المحقق البوليسي الذكي غريب الأطوار «كولومبو»، التي قدمها بنجاح كبير مدة 34 عاما بين عامي 1971 و2003. كان الممثل العجوز، الذي بلغ الثالثة والثمانين عاما، يستمع إلى ابنته بانتباه وسعادة كطفل يستمع إلى حكاية مثيرة لأول مرة، وكانت «كاثرين» تجاهد دموعها كثيرا وهي ترى أن أباها العجوز قد نسي تفاصيل من ماضيه، تفاصيل حكاها لابنته وهي صغيرة، وتكرر الابنة لأبيها حكايات سردتها كثيرا بعد أن أصاب مرض الزهايمر الأب منذ عامين، بعد أن قدم آخر أدواره كممثل في الفيلم الكوميدي «American Cowslip»، كانت إحدى الصور التي تزين حائط غرفة فولك في منزله الخاص في حي بيفرلي هيلز بهوليوود تصوره في زي المفتش كولومبو يتلقى توجيهات من مخرج شاب صغير السن قام بإخراج بعض حلقات مسلسل (كولومبو)، وهذا الشاب الذي لا يتجاوز عمره في الصورة 25 عاما هو أسطورة الإخراج الحالية «ستيفن سبيلبرج»، هناك أيضا صور من حفل قديم للأوسكار الذي رشح له مرتين عامي 1961 و1962، ورسوم واسكيتشات كان يرسمها في وقت فراغه. ويوم الجمعة، لم تكن الابنة مضطرة إلى أن تعيد حكايتها اليومية للأب عن ماضيه الناجح كممثل، ففي هدوء تنفس «بيتر فولك» أنفاسه الأخيرة وأسلم روحه بعد معاناة عامين مع النسيان والخرف اللذين دفعا عائلته إلى رعايته في المنزل، كما دفعا زوجته إلى تولي الوصاية القانونية عليه بعد منازعة قضائية مع ابنة فولك بالتبني. وبوفاة الممثل الأمريكي الشهير بيتر فولك، عن عمر يناهز 83 عاما، بعد معاناة عامين مع مرض الزهايمر، توقفت تحقيقات «المفتش كولومبو»، الذي غزا شاشات التلفزيون في العالم وأذهل جمهور الشاشة الفضية بدهائه وفطنته ومهارته في التحقيقات التي تكشف عن المجرمين مهما حاولوا إخفاء جريمتهم. وكثيرا ما كان يتعامل معه الآخرون على أنه (مغفل) أو (شارد الذهن) لا يمكن أن يكشف عن هوية المجرم. وقد اشتهر بيتر فولك بسيجارته الكبيرة ومعطفه المطري أصفر اللون القديم. ولعل غرابة أطواره أضافت مسحة إنسانية عليه، ولعل أهمية نجاح مسلسله الشهير (كولومبو) تعود إلى استمراريته نحو 34 عاما بين 1971 و2003، ولعل المفارقة المخزنة أن صاحب الذاكرة القوية والحادة والدقيقة أصيب بمرض الزهايمر وفقد ذاكرته، حيث لم يعد يصلح للعمل كمحقق بوليسي. وقبل وفاته بفترة، تطورت حالة الزهايمر لديه إلى درجة أنه لم يعد يتذكر شخصيته الشهيرة (كولومبو) التي قام بتمثيلها. واشتهر فولك بسيارته الفرنسية القديمة من نوع (بيجو 405)، يتفرج عليها آلاف الزوار يوميا. لكن تلك السيارة ليست هي كل ما يربط فولك بباريس، وقد أحب فتاة فرنسية في أوائل مراحل حياته، وزار العاصمة الفرنسية مؤخرا بمناسبة صدور كتابه (مذكرات كولومبو)، الذي يروي فيه وقائع 34 عاما أمضاها في تأدية دور المحقق الذي يرتدي معطف المطر، صيفا وشتاء، ويتنقل بسيارة فرنسية قديمة، ويتحدث عن زوجته بمناسبة وبدون مناسبة، ويتوصل في نهاية المطاف إلى حل ألغاز أكثر الجرائم تعقيدا. قام بيتر فولك ببطولة 76 حلقة من المسلسل الذي طاف شاشات العالم. قبل أن يشرع فولك في تجربته كممثل، عمل كمحاسب قانوني، وكان يأمل أن يصبح أحد أفراد قوات المشاة البحرية الأمريكية، ولكنه رُفض بسبب إصابته في إحدى عينيه في مرحلة الطفولة. ويعد (أميركان كاوسليب) في عام 2009 آخر ظهور لبيتر فولك على الساحة الفنية. وكان أحدُ العاملين في الحقل التلفزيوني حذره من أن إعاقة عينه قد تحول دون عمله في التلفزيون. لكن ما حدث هو أن إعاقته أصبحت علامة مميزة لدوره في سلسلة «كولومبو». وخلف كولومبو زوجته شيرا وابنتيه من زواج سابق، وهما كاثرين وجاكي.. حصل فولك على عدة جوائز عن شخصية (كولومبو)، كما ترشح لجائزة ال(أوسكار) في عامي 1960 و1961. وقد تزوج مرتين، ولديه ابنتان، جاكي وكاثرين، من زواجه الأول.