الملكية التنفيذية تعني مركزة جميع السلط في يد المؤسسة الملكية، وهو ما يسمح بوجود وسائط تمارس سلطات حقيقية باسم الملك خارج المؤسسات، وتستغل قربها من الملك لخدمة أجندات خاصة، دون أن تخضع للمراقبة والمحاسبة... القريبون من ملف الصحافي رشيد نيني يؤكدون أن محاكمته ومتابعته بموجب القانون الجنائي وإدانته والحكم عليه بسنة حبسا نافذا تندرج في هذا السياق.. ذلك أن بعض الجهات أضحت تنزعج من التحليلات الأخيرة لرشيد نيني والتي ركزت على أداء بعض الأجهزة الأمنية وكيف تعاطت مع موضوع «الإرهاب»... إن المغاربة الذين يتابعون النشاط الملكي، الذي يحتل حيزا كبيرا في نشرات الأخبار اليومية، لا يشاهدون الأنشطة الخطيرة التي يقوم بها المستفيدون من فائض السلطة المتبقي من الملكية التنفيذية... إن من يدافعون عن التفسيرات التي تضفي طابعا تنفيذيا على القرارات الملكية إنما يدفعون بها إلى الممارسة اليومية المحفوفة بالأخطاء والمخاطر أيضا، ويعرضون هيبتها و«قداستها» يوميا للتقييم والمحاسبة التي تتم علنيا بواسطة الصحافة الوطنية والدولية، وتتم ضمنيا في أذهان المواطنين الذين حتى ولو لم يفصحوا عن آرائهم بكل حرية، فإنه يمكنهم أن يعبروا عن ذلك بطرق غير عقلانية لا يمكن التنبؤ دائما بتفاصيلها... أما الذين طالبوا بالملكية البرلمانية قبل يوم 20 فبراير وبعده فهم يريدون أن يحافظوا على هيبة المؤسسة الملكية بشكل حقيقي ويريدون أن يصونوا موقعها الاعتباري من كل امتهان، وهم يدافعون عن السمو بها عن المحاسبة والتقييم، ويناضلون من أجل جعل السلطة في يد من يمكن مراقبته ومحاسبته، بل وإيقاع العقوبة والجزاء به أيضا... إن الملك لا يخطئ في النظام الديمقراطي لأنه، بكل بساطة، لا ينبغي أن يمارس السلطة... وممارسة السلطة في التصور الديمقراطي لا يمكن إلا أن تقترن بالمراقبة والمحاسبة والجزاء، أما السلطة التي تمارس بعيدا عن الرقابة المؤسساتية والشعبية فلا يمكن أن تكون إلا شكلا من أشكال الاستبداد والسلطوية... الرسالة كانت واضحة والجواب جاء بشكل فوري في زمن الموجة الديمقراطية العربية التي انطلقت... والمغرب لا يشكل استثناء... جاء خطاب 9 مارس في هذا السياق ليبرهن على التفاعل السريع مع مطالب شباب 20 فبراير التي هي مطالب قديمة، لكنها طرحت اليوم في سياق جديد. خطاب 9 مارس كان يمكن أن يمثل مدخلا لتأسيس ملكية برلمانية متناسبة مع البيئة المغربية، لكن الصياغة النهائية لمشروع الدستور الجديد لم تكن محبوكة لترجمة فلسفة النظام البرلماني كما هو متعارف عليه في الأنظمة الدستورية، فالحكومة منبثقة من الإرادة الشعبية ورئيس الحكومة يعين من الحزب الذي يتصدر الانتخابات، وهو رئيس السلطة التنفيذية، والسلطة مقرونة بالمساءلة والمحاسبة، والقضاء سلطة مستقلة... لكن المفارقة أن رئيس الحكومة لا يملك سلطة إعفاء الوزراء بشكل تلقائي، بينما احتفظ الملك بسلطة إعفاء وزير أو أكثر بمبادرة منه، وبعد استشارة غير ملزمة لرئيس الحكومة، وهو ما سيجعل الوزراء يعتقدون «عمليا» أن رئيسهم الفعلي هو من يملك سلطة إعفائهم وليس من امتلك سلطة اقتراحهم قبل التعيين الملكي.. يكرس الفصل 47 في المشروع المقترح بقايا الملكية التنفيذية في الدستور المغربي، خاصة إذا تم اللجوء إليه في الممارسة... تتضمن دساتير بعض الملكيات البرلمانية الأوربية سلطات ذات طبيعة تنفيذية للملك. لكن الممارسة الديمقراطية تطورت في الاتجاه الذي يقوي من مكانة رئيس الحكومة ويجعل منه المسؤول الأول عن مؤسسة الحكومة في الوقت الذي اختارت فيه الملكيات الأوربية عدم ممارسة العديد من الاختصاصات ذات الطابع التنفيذي، ومنها سلطة إقالة الوزراء من طرف الملك. إن تضخم مظاهر الفساد في الحياة العامة، وخاصة منه الفساد الذي يتحصن بالمؤسسة الملكية التي يكن لها المغاربة كل الاحترام والتقدير، هو الذي دفع بالعديدين إلى رفع شعار الملكية البرلمانية الآن... الملكية البرلمانية هي النظام الذي يسمح بمساءلة ومحاسبة كل من يملك السلطة أو يتحمل مسؤولية عمومية، وهو النظام الذي لا يسمح بإمكانية استغلالِ البعضِ قربَهم من الملك لممارسة التعليمات ومباشرة اختصاصات من خارج المؤسسات التي تشتغل في النور لتصفية حسابات مع المخالفين... وهو النظام الذي يسمح بتدبير عادل لثروات البلاد بواسطة المؤسسات المنتخبة، وهو النظام الذي يسمح بانتخابات لها معنى... مشروع الدستور الجديد قطع نصف الطريق وأسس لملكية شبه برلمانية.. ولذلك فإن التعامل بإيجابية مع الدستور الجديد لا يعني نهاية الطريق، وإنما يدل على أن ورش الإصلاح الدستوري لا زال مفتوحا..