يبقي القلق حالة طبيعية وردة فعل يعيشها كل إنسان، لكن هناك القلق المرضي والذي يستدعي متابعة وعناية طبية، وهناك القلق الطبيعي، الذي نجده، مثلا، في أيام الامتحانات والعمل اليومي، فهو جزء من الحياة اليومية، لكن الأهم هو ألا يكون بشكل دائم وأن نحسن التصرف معه، من حيث المعاملة والسلوكات ومن حيث الجانب المهم، وهو التغذية، لأن ما لا يعلمه الكثيرون هو أن للتغذية دورا مهما في تحسين المزاج. وللمعدة تأثير مباشر على المزاج، ففي المواقف المسبّبة للتوتر، قد يحتاج المخ إلى إمداد فوري بالطاقة, مما سيساعد على التفكير والتصرّف السريع، فيقوم الجسم بإصدار مجموعة من الإشارات الكيميائية وبإنتاج مجموعة من الهرمونات التي تعمل بشكل سريع على ضخ الأوكسجين في المخ وإمداده بالطاقة اللازمة له، بالإضافة إلى حصول العضلات والخلايا على كميات هائلة من الدم والهرمونات، لهذا تبقى للتغذية أهمية، حيث تحُدّ من الشعور بالقلق والانفعال الزائد وتحسن من الحالة المزاجية للفرد. لا يتناول أغلب الناس غذاءهم بالشكل السليم، ويؤدي هذا الأمر إلى امتناع خلايا الجسم عن أداء وظائفها في إنتاج الطاقة بفاعلية، ما يزيد احتياج الجسم إلى المنبّهات، كالشاي والقهوة، أو إلى السكريات، التي تمنح النشاط المؤقت، كالكيكة والبسكويت والشوكولاتة. وتؤدي هذه المنبهات إلى رفع مستوى الطاقة، من خلال تحفيز الغدتين الكظريتين اللتين تتواجدان أعلى كل كلية وتتركز وظيفتهما في إفراز هرمونات تعمل على إيصال الغلوكوز إلى خلايا الجسم، لبعث الطاقة اللازمة فيه. كما أن الإسراف في تناول المنبّهات، بهدف القضاء على التوتر والإجهاد، ما هو إلا حلقة مفرغة تؤدي إلى النقص في العناصر الغذائية الرئيسية وإلى التغيّرات المفاجئة التي قد تحدث في سكر الدم، مؤديةً إلى اختلال مستويات الطاقة واضطرابها، ما يفسر الإصابة بضعف التركيز وانخفاض الطاقة بعد بضع ساعات من تناول تلك المنبهات. ويؤدي الاستعمال العرضي للمنبهات والسكريات إلى تحويل استهلاكها إلى عادة بشكل منتظم في المستقبل، وقد يتطور الأمر إلى استهلاك كميات أكبر من تلك المنبهات للحصول على المزيد من الطاقة. وبما أن قدرة الجسم على التخلص من سموم العناصر الضارة الناتجة عن الإفراط في تناول السكر والمنبهات تكون محدودة، فإن قدرة الفرد على مواجهة التوتر ستكون ضعيفةً، ما يصيب الجسم بالإعياء المزمن ويؤدي إلى انخفاض القدرة على التكيّف والإحساس بفقدان السيطرة على الأمور وتقلّب المزاج والاكتئاب، ولهذا لا بد من التوقف عند أهمية الجانب الغذائي ومعرفة الأغذية والعناصر التي تُحسّن الحالة النفسية للفرد، لأن ثمة أطعمة غذائية تحتوي على عناصر تهدف إلى تحسين الحالة النفسية وبعث الراحة والهدوء النفسي، كعنصر البوتاسيوم، مثلا، فالنقص في عنصر البوتاسيوم في الدم قد يؤدي إلى ظهور عصبية الجسم في صورة الغضب السريع والانفعال الزائد، وبالتالي إلى ارتفاع ضغط الدم. ومن أهم مصادر البوتاسيوم الغذائية الأسماك ومنتجات الألبان والبقول واللحوم الحمراء والمكسرات والبلح والعسل، بأنواعه، والموز والمشمش والتين و»الأفوكاتو» والبطاطس والجزر والثوم. كما أن التدخين وتناول الكافيين في المواد المنبّهة، كالقهوة والشاي، يقللان من امتصاص البوتاسيوم واستفادة الجسم منه في إفراز الهرمونات. وتجدر الإشارة إلى أن إفراز هرمونات التوتر (الأدرينالين) يؤدي إلى اختلال التوازن بين نسبة البوتاسيوم والصوديوم داخل وخارج خلايا الجسم، ما يزيد احتياج الجسم إلى عنصر البوتاسيوم، دافعاً الفرد إلى الشعور بالقلق وسوء المزاج، بالإضافة إلى «التربتوفان»، وهو حمض أميني أساسي وضروري لإنتاج فيتامين «ب3»، الذي يستخدمه المخ في إنتاج هرمون «السيروتونين»، المسؤول عن استقرار الحالة المزاجية وزيادة الشعور بالراحة. ومن بين أفضل مصادره الغذائية الحبوب الكاملة والفول السوداني وبروتين الصويا والتمور، بأنواعها. في المقابل، هناك أطعمة قد تُشْعِر الإنسان بالتعب أو الإرهاق أو العصبية أو العدوانية، ويمكن تجنب ذلك بالتوقّف عن تناول أي لون من ألوان الطعام لا تستسيغه المعدة، فللطعام ألوان عدة وأشكال كثيرة، ما يجعل المعدة ترفض تناول صنف أو صنفين منه، على الأقل، علماً أنّه ليس بالضرورة أن تكون ألوان الطعام المستبعَدة تصيب الغير بالضرر، فمعدة كل واحد تختلف من شخص إلى آخر. وقد ينتج عن إلزام المعدة تناول صنف غير مرغوب فيه من الطعام توقفها عن العمل، ما قد يتسبب في حالات سوء الهضم. وثبت أنه عند تناول كميات كبيرة من السكر المعقّد أو الحلوى المصنعة أو الأطعمة المعالجة كيميائياً قد ينتج انخفاض في مستوى إفراز الهرمون الذكوري «التستوستيرون»، الذي يصاحبه خجل وانطواء زائد. كما أن زيادة استهلاك اللحم والجبن والبيض والدجاج قد يؤدي إلى زيادة إفراز «التستوستيرون»، ما قد يظهر السلوك العنيف للفرد ويزيد من حالة العدوانية لديه، ولذلك فتناول الطعام المتوازن، الغني بالخضر والفاكهة والنشويات المركّبة، كالحبوب الكاملة والبقول، قد يؤدي إلى ضبط واتزان هرمون «التستوستيرون» في الجسم، ما يُنتِج توازناً سلوكياً وانفعالياً جيداً. كما أن هناك فيتامينات ومعادن مضادة للقلق، كفيتامين «ب3»، والذي تمتاز بتأثير وظائفها الحيوية على تحويل المواد الكربوهيدراتية والدهون إلى طاقة، ويلعب دوراً في الحفاظ على أداء الجهاز العصبي فيتامين «ب3»، والمعروف ب»النياسين»، وهو من أفضل الفيتامينات التي تساعد الجسم في الحصول على الطاقة بواسطة التمثيل الغذائي الجيد للنشويات والسكريات. كما يعمل على تنظيم السكر والمحافظة على سلامة أداء الجهاز العصبي. ومن بين أهم مصادره الغذائية الكبد وأسماك التون والسلمون والتمر والبيض والألبان ومنتجاتها، بالإضافة إلى فيتامين «ب6»، الذي يعمل على تنشيط أنزيمات التمثيل الغذائي للبروتينات والدهون، وهو ضروري لتصنيع الموصلات العصبية ك«السيروتونين»، المهدئ، الذي يساعد على النوم وعلى الحد من الأرق ومقاومة الإحساس بالقلق، ويتوفر بكثرة في البرتقال والمكسرات والعسل، بالإضافة إلى معدن المغنزيوم، الذي يحافظ على نشاط المخ وعلى زيادة نسبة التركيز، إذ إن نقصه في الجسم قد يؤدي إلى التوتر والقلق وإلى ظهور سلوك عدواني وعنيف، وهو يساعد على الأداء الوظيفي الطبيعي للعضلات والأعصاب وإلى الحفاظ على إيقاع ضربات القلب ثابتا، ويوجد في التمر والكاكاو والمشمش المجفف وفي التين المجفف والفول والعدس واللوبياء والحمص والمكسرات والحبوب.. فلتجنب كل هذه المشاكل، يبقى النظام الغذائي المتوازن القاعدة الأساسية. كما يجب تجنب السكر والأطعمة ذات المعدل السكري المرتفع واستبدالها بتناول أنواع من الفاكهة، الحبوب الكاملة، التمر والزبيب. ويُنصَح بدمج الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات مع تلك الغنية بالبروتين، لتقليل المحتوى السكري للوجبة وكذا تناول الأطعمة الغنية بفيتامينات المجموعة «ب» وفيتامين «ج» والماغنسيوم والكالسيوم والزنك والحديد والكروم، لدورها في منح الطاقة ومقاومة عوارض القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى الامتناع عن استعمال المنبهات بشكل منتظم، كتناول الشاي والقهوة والمشروبات المحتوية على الكافيين والحرص على أخذ قسط كاف من النوم، بمعدل 8 ساعات غير متقطّعة من النوم في الليل. ويبقى القلق صفة من الصفات الإنسانية، غير أن التعامل معه هو ما يجب الانتباه إليه.. ولا تنسوا أن المرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج...