أحداد محمد (صحافي متدرب) مرة أخرى عادت قضية دسترة الأمازيغية إلى واجهة النقاش السياسي والقانوني بعد الخطاب الملكي الأخير، الذي كرّسها كلغة رسمية للبلاد، سيحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيلها وكيفيات إدماجها في الحياة العامة. بيد أن الصيغة التي وردت بها في الدستور المقترح طرحت أكثر من علامة استفهام حول المنزلة التي ستحظى بها الأمازيغية في الحياة العامة. الأمر الذي حذا بالمرصد الأمازيغي للحقوق والحريات إلى إصدار بيان يثمن فيه دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، لكن في الوقت ذاته يحذر من عدم وضع اللغتين العربية والأمازيغية في نفس المنزلة، الأمر الذي من شأنه أن «يثير التباسات وتأويلات كثيرة بتخصيص فقرة منفردة لكل لغة من اللغتين الرسميتين على حدة عوض جمعهما في فقرة واحدة باعتبارهما لغتين رسميتين للدولة». وأبرز نفس البيان، الذي توصلت «المساء» بنسخة منه، أن وجود مثل هذه التراتبية «يبعث على الاعتقاد بوجود تراتبية بين لغة رسمية أولى هي العربية ولغة رسمية ثانوية هي الأمازيغية». وقد أفرد الدستور المقترح على الاستفتاء الفصل الخامس للحديث عن دسترة الأمازيغية، «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء»، فضلا عن تخصيص الديباجة للحديث عن الروافد الثقافية للمغرب، ومن بينها الأمازيغية. وبالرغم من قرار الترسيم هذا، فإن أصواتا من داخل الحركة الأمازيغية أبدت تخوفها من صيغة القانون التنظيمي. وفي هذا الصدد، سجل أحمد عصيد، عضو الحركة الأمازيغية ورئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، في تصريح لجريدة «المساء»، تثمينه لمكسب ترسيم الأمازيغية، معتبرا إياه لحظة تاريخية في مسار نضالات الحركة الأمازيغية، غير أنه أوضح أن ثمة «تخوفات تساور مناضلي الحركة الأمازيغية من أن يكون القانون التنظيمي ذريعة لتجميد قرار ترسيم الأمازيغية عبر عدم إصدار هذا القانون والمماطلة والتسويف وجعل القرار موقوف التنفيذ»، مبرزا في موضع حديثه عن موقع الأمازيغية ضمن الدستور المقترح بأن «ما ورد في مشروع الدستور المقترح في موضوع الهوية واللغة الأمازيغيتين يأتي في إطار استمرار النسق الاستبدادي العام، الذي تتركز فيه كل السلطات في يد الملك، رغم التعديلات الطفيفة». إذ أن الملك، بتعبير أحمد عصيد، «احتفظ بالمفاتيح الأصلية وسلم الوزير والحكومة والبرلمان نسخا من تلك المفاتيح». ومن جهة أخرى، يثير قرار ترسيم الأمازيغية نقاشا من نوع آخر يرتبط في المقام الأول بمشكل مَعْيَرة اللغة الأمازيغية. وعلى هذا الأساس يتساءل علي بلمزيان، الفاعل الحقوقي ورئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة، في اتصال هاتفي أجرته معه جريدة «المساء»، قائلا: «هل الأمر يتعلق بلغة أمازيغية واحدة أم بثلاث لغات أمازيغية؟ نعتقد أن الطرح الأخير هو الأقرب إلى المنطق العلمي، فالذين يقيمون فرقا بين اللغة واللهجة لا يستندون في تحليلاتهم إلى منهج علمي يؤكد هذه الفرضية». ويظل الرهان الأساسي، كما يشير إلى ذلك بلمزيان، هو تدريس الأمازيغية وإدراجها في التعليم وأضاف بلمزيان أنه «بالرغم من دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، فإن إلحاقها بقانون تنظيمي سيحيلها على الزمن والمجهول». وفي أولى ردود الفعل الحزبية على قرار ترسيم الأمازيغية، قال عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، أثناء حديثه في المجلس الوطني الاستثنائي، إن «حزب الاستقلال لم يكن يوما ضد ترسيم الأمازيغية كما يحاول أن يروج لذلك البعض، إذ أذكى الحزب نقاشا داخليا بنّاء فُهم بأنه معارضة للدسترة». واعتبر الفاسي، الذي كان مرفوقا بكل قياديي حزبه، أن «إدماج الأمازيغية في الحياة العمومية يتطلب ميزانيات ضخمة وكذا يستلزم وقتا طويلا، وبالتالي لابد من العمل بمبدأ التدرج، في حين شن المحجوبي أحرضان، الأمين العام السابق للحركة الشعبية، هجوما لاذعا على اللغة العربية، معتبرا إياها «لغة الاستعمار»، ومشيدا بقرار دسترة الأمازيغية، بينما اكتفت باقي الأحزاب الأخرى بالترحيب بالقرار دون أن تخوض في تفاصيله.