عائشة.ماه ماه.. تعيش في غرفة يتيمة غمرتْها مياه المجاري هي فنانة مغربية من طينة الكبار، عاشت تجارب مسرحية وسينمائية عديد، واستطاعت أن تبصم على حضورها الفني منذ نهاية السبعينيات. بين خشبة المسرح وشاشات السينما، حلّقت شابة مفعمة بالحياة اسمها عائشة ماه ماه، وشهدت النجومية المبكّرة، وأضحت من الأسماء التي يعشقها الجمهور المغربي، لحسها الفكاهيّ وموهبتها الاستثنائية، قبل أن تتحول إلى «رمز» للأم المغربية على الشاشة. لكنْ بين الزمنين، اختلف الحال، ففي بداياتها الأولى، كان ما تحصل عليه، على قلته، يقيها «شر» طلب المساعدة من أحد، لكنْ حين تقدم بها السن وتراجعت فرصها في إيجاد فرص عمل تزايدت معاناتها الصحية، صارت الفنانة المغربية أمام واقع معيشي صعب. فمؤخرا، انتشر فيديو يصوّر فضاء عيشها، الذي لم يكن إلا شقة في حي شعبي، امتدت فيه مياه المجاري حتى غرفة النوم!... وظهرت عاشة ماه ماه لتتحدث عن «مأساتها، قائلة «انظروا إلى هذه المجاري (قادوس) الذي «انفجر» منذ عدة سنوات ووصل الماء إلى الغرفة التي نعيش فيها ولم أقو على إصلاحها، بسبب الاختلاف مع الجيران.. منذ سنوات وأنا أعيش على هذه الحالة التي تعطي «صورة» عن الفنان المغربي.. فهنا تزوجت وولدت وأعيش الآن». وأضافت الفنانة القديرة قائلة: «أعيش في هذه الغرفة لأنني لا أملك ما يمكّنني من أن أكتري منزلا آخر، ببساطة لأنني لا أشتغل كثيرا، فأحيانا، تمر ستة أشهر أو أكثر دون أن أجد فرصةَ عمل واحدة.. كيف يمكنني أن أكتري منزلا آخر، مع العلم أن جميع «الدراري» (تقصد الأصدقاء) يعرفون أنني لا أشتغل كثيرا ويعرفون واقع حالي»... وحول عدم استفادتها من سكن اجتماعي قالت، بحسرة بادية: «أبلغ الآن من العمر أكثر من خمسين سنة، وهذا، حسب رأيهم، لا يسمح لي بالاستفادة من قرض بنكي، ولكن السؤال الذي يفرض ذاته هو أليس من حقي أن أمتلك شقة أعيش فيها بكرامة؟... لقد بدأت أشتغل في المجال الفني وعمري لم يتجاوز 17 سنة (منذ 1979) لكنني لم أستطع أن أتوفر على كلمات...».. لم تكمل حديثها، ورغم إصرارنا عليها، فإن الفنانة رفضت إتمام الحوار وأخذت تغالب دموعها وتأثرها، قبل أن تختم: «كاع الدراري كيعرفو هاد الشي».. في تلميح إلى المنتجين والمخرجين الذين يُهمّشون الفنانين المغاربة أو يودعون ميزانيات الأعمال السينمائية والتلفزيونية في أرصدتهم الخاصة ويتركون فنانين مغاربة كثيرين عرضة لشتى أنواع الحرمان والتهميش والبؤس... الركراكية.. من عالم المعارض العالمية إلى دنيا التهميش والفقر لم يسبق في تاريخ الفن التشكيلي المغربي أن اشتهرت فنانة مغربية بالشكل الذي اشتهرت به الفنانة الراحلة الركراكية، إلى درجة أن المخرج المغربي كمال كمال خصّص لها فيلما يحكي عن مسار حياتها، أدت دور البطولة فيه الممثلة المغربية فاطمة خير. هي فنانة بمسار خاص لم يكن ليخلو من التناقضات، فبين شهرة فاقت كل الحدود، وبين عسر في العيش وعدم قدرة على العلاج، عاشت هذه الفنانة المغربية حياة «استثنائية». فبعد أن جالت العالم باحثة عن الشهرة والانتشار دوليا، وبعد أن تحقق لها ما أرادت، واجهت الراحلة الركراكية مشاكل اجتماعية ومادية في آخر حياتها. تنكّر لها الفن وصارت تعاني من تبعات أزمة مادية استعصى عليها في ظلها الحصول على ثمن الدواء، بعدما نال منها مرض الربو. ورغم تدخل بعض النقابيين لإنقاذ «كرامة» الفن التشكيلي المغربي، في شخص الراحلة الركراكية، فإن المرض كان له «رأي آخر»، فودعت الفنانة الحياة في ظروف صعبة، تاركة للمسؤولين ذكرى أليمة اسمها الركراكية، التي منعتها عفّتها من «استجداء» المساعدة، قبل فوات الأوان. العمري.. أشهر عازف أورغ مغربي يموت عاجزا عن توفير ثمن العلاج يوم الثلاثاء، ثاني مارس 2010، أُعلِن عن رحيل الفنان المبدع عبدو العمري في أحد مستشفيات الدارالبيضاء. عرفه المغاربة عازفا ماهرا على آلة «الأورغ»، إذ اعتُبِر، في رأي المهتمين، من الفنانين القلائل الذين أبدعوا في عزفهم على هذه الآلة. وامتدّت شهرته إلى كل العالم العربي، بحكم اجتهاداته في سبيل تطوير هذه الآلة الموسيقية. اشتغل الفنان، الذي رحل في سن ال66، مع العديد من الفرق، من بينها «الجوق الملكي» وفرقة «الأيادي البيضاوية»، وساهم في صياغة الكثير من المعزوفات الموسيقية الشهيرة، كما تعامل مع كثير من الفنانين المغاربة، من بينهم فاطمة مقدادي، نعيمة سميح، ليلى غفران وعائشة الوعد... هو مسار طويل من العطاء والموهبة، سرعان ما طاله النسيان، بعد مرور الراحل بفترة تهميش، ليغيب الاسم الشهير عن الساحة الفنية أو يتم «تغييبه» عمدا ويدخل الفنان الموهوب في غياهب النسيان، قبل أن تعود صورته على القناة الثانية، حينما تحدث مقربون عن إصابته بمرض خطير استعصى معه العلاج، نظرا إلى ظروفه المادية المزرية، التي لم تحرك في المسؤولين أي إحساس بقيمة الرجل وموهبته ومكانته في التاريخ الفني المغربي. زهور المعمري.. من الشهرة إلى معاناة في سبيل الاستمرار على قيد الحياة في زمن السبعينيات، رسمت الفنانة القديرة زهور المعمري طريقها نحو التألق وبدأ المغاربة يردّدون اسمها بكثير من الحب والتعلق. كانت حيويتها تغري الكثيرين وتمنح صورتُها الجمهور المغربي شعورا بأن السيدة تنتمي إلى طينة الفنانين الذين راكموا الثروة. امتدت نجوميتها إلى حدود نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، قبل أن «تغيب» عن الواجهة ويغيب هذا الاسم الكبير عن الشاشة الصغرى والكبرى، دون أن يكشف أي أحد عن مصير هذه الفنانة القديرة، باستثناء تكريم عابر في أحد المهرجانات السينمائية الوطنية. قبل أشهر، ظهرت الفنانة المغربية زهور المعمري على شاشة «الأولى» لتكشف عن واقع مرير هي التي نذرت شبابها كله لعملها الذي تفانت فيه إلى أبعد الحدود، قبل أن ينقلب حالها إلى «حالة» إنسانية تبعث على الشفقة على مصير الفنانين في هذا البلد... وقد تحدثت إحدى المقربات من المعمّري عن الظروف المادية الصعبة التي تعاني منها، ظروف لم تنجح في ظلها حتى في تلقي العلاج بالشكل الذي يليق بفنانة مغربية ضحّت بكل شيء من أجل أداء رسالتها بصدق نادر. بين الأمس واليوم، تحول الجمال الأخّاذ إلى جسد ذابل، نالت منه مخالب الزمن وغدَر به ميدان فني لا يرحم من يعيش فيه عفيفا...