هذا عصر القناصة، قناصة سوريون وقناصة إسرائيليون. فالقناصة السوريون على أسطح البيوت يطلقون النار على متظاهرين سوريين من معارضي النظام، وفي مقابلهم قناصة إسرائيليون على الحدود في هضبة الجولان يطلقون النار على متظاهرين سوريين يرسلهم النظام. هذا عصر يضيق فيه المنظار السياسي ليصبح عدسة تلسكوب البندقية المتطورة. ما الذي يجول في خاطر القناص وهو ينظر عبر عدسة التلسكوب وهو يضغط الزناد؟ كيف يقرر إلى مَن يسدد؟ وإلى أي عضو في الجسم؟ هذه المعادلة، بين قناص وقناص، هي معادلة أنتجتها سورية. يسهل أن نلاحظ هنا معركة بقاء النظام السوري الذي يريد أن يستبدل بصور المجزرة في حماة وفي مدن أخرى صور عنف إسرائيلي وإن يكن أكثر اعتدالا، قرب مجدل شمس والقنيطرة. يسهل أن نلاحظ هنا محاولة صرف الانتباه عن فقدان نظام الأقلية العلوية في سورية شرعيته إلى ضعضعة شرعية إسرائيل في الذكرى السنوية لحرب الأيام الستة. السؤال المقلق هو: لماذا تتعاون إسرائيل مع المعادلة السورية بهذه الصورة شديدة الطاعة والتي لا خيال فيها إلى درجة بعيدة؟ النتيجة الحالية وهي نحو عشرين قتيلا سوريا ومئات الجرحى بإطلاق نار القناصة الإسرائيليين، تثير علامات تساؤل كبيرة عن تقدير قيادتنا السياسية والعسكرية وعن استخلاص الدروس الإسرائيلية منذ وقعت أحداث يوم النكبة. فيوم النكسة لم تكن فيه أي مفاجأة وكان ما يكفي من الوقت للاستعداد ربما حتى للتفكير قليلا من أجل التغيير. كانت الاحتجاجات الفلسطينية يوم النكبة في 15 مايو ويوم النكسة في 5 يونيو ترمي إلى تذكر الصدمتين الفلسطينيتين في 1948 و1967 وحل المشكلات التي أحدثتاها. لكن الأمر في حياة الفرد كما هو في حياة الشعوب، فليس الهدف الخفي غير المعلوم لسلوك ما بعد الصدمة في أكثر الحالات هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه (عودة اللاجئين إلى بيوتهم مثلا) بل العودة المراسمية إلى الصدمة (قتل وطرد جديدان، مثلا). من هذه الجهة عمل الرد الإسرائيلي الذي اشتمل على إطلاق نار حية على متظاهرين حاولوا اجتياز الحدود، لا على الأقدام فقط كما يبدو، لمصلحة الفلسطينيين وبث في العالم الصور المأمولة من القتل والطرد. كان التوقع أن تستطيع قوات إسرائيلية أكبر وأحسن استعدادا هذه المرة وقف المتظاهرين بوسائل أقل عنفا وبلا قتل. ليس واضحا لماذا تنتهي أسابيع استعداد إلى هذا وما هو معنى الرضى الإسرائيلي عن هذه النتائج. صحيح، في يوم النكسة، بخلاف يوم النكبة الذي حدث فيه اجتياز جماعي للحدود في الجولان، نجح أفراد فقط في الوصول إلى الأسلاك وأوقفوا فورا. في امتحان النتيجة هذا يستطيع وزير الدفاع ورئيس الحكومة أن يكونا راضيين: فمراسيم العودة فشلت والحدود لم تُجتز، لكن اختُرقت حدود أخرى. إنها حدود أخلاقية لا تُرى. في مساء يوم النكسة وكان القناصة ما يزالون يطلقون النار وسيارات الإسعاف تصفر، مدح متحدث الجيش الإسرائيلي وقال إن الجيش استخلص دروسا من يوم النكبة. إذا كان هذا نوع استخلاص الدروس الإسرائيلي، فيجب علينا جميعا أن نكون قلقين. ماذا يقول هذا عن الاستعدادات الإسرائيلية للقافلة البحرية الجديدة إلى غزة المخطط أن تخرج من تركيا في نهاية يونيو؟ أين التفكير الأصيل والخلاق وغير المتوقع؟ هل سنسقط في الشرك دائما حتى عندما يكون معلوما مسبقا؟ هل الرسالة الوحيدة لقادتنا ذوي الأدمغة التحليلية هي أن الدماغ عضو أكل عليه الدهر وشرب، وأن ما لا يجوز بالقوة يجوز بقوة أكبر؟ عن ال«هآرتس»