خلص أولمبياد بكين رئيس الرجاء من شرارات الغضب التي كان يرسلها مصطفى الناجي، محشوة بدخان سيكاره الكوبي، كلما استحضر حكاية تفويت ملعب الشهداء للفريق «الأخضر»، خلال الأولمبياد قرر الرجل وقف إطلاق النار على الرجاء، وتصويب رشاشه نحو الصين، حيث يتساقط ممثلو المغرب كأوراق الخريف، فقد كانت جلساته في مقاهي وسط المدينة مليئة بعبارات اللوم والعتاب، للسياسة والسياسيين، وللرياضة والرياضيين، بعد أن شعر بأن قلب عمدة المدينة أكثر صلابة من الصخور السوداء، حين بارك تفويت ملعب الشهداء للرجاء. وكلما جاءتنا أخبار بكين محملة بنكبات نبتلعها «على الريق» كوصفة العشابين، إلا وضرب الناجي كفا بكف وهو يردد لازمته الشهيرة، «هذا علاش الملك ما استقبلهمش»، وحين يصر أحد محاوريه على إلصاق تهمة الإخفاق بالحظ العاثر، أو التحكيم المتحيز أو سوء الأحوال الجوية أو بزحمة بكين..ينتفض مصطفى وتنتفخ أوداجه ويمسح شعلة السيكار في المرمدة بعنف ظاهر، وهو يحاول أن ينهي النقاش بأقل الأضرار تفاديا لمضاعفات حوار أقرب إلى جدل برامج الاتجاه المعاكس. قبل يومين من وفاته أرسل الناجي ل«المساء» بلاغا حول الجمع العام لفريقه، وطالب هاتفيا بنشر الخبر وتأمين التغطية الإعلامية لجمع قال إنه سينهي خلافاته مع الرجاء، تبين من نبراته الهادئة بأن الرجل اقتنع فعلا بأن النزاع مع رفاق الأمس لا يزيده إلا أوجاعا، فرمى بالسلاح في المعركة وغادر الخندق نادما على الساعات التي ضيعها في حروبه الصغيرة. بعد يومين فقط جاء الخبر الصادم، لقد مات الناجي إثر نوبة مرضية لم تمهله طويلا، بعد أن حاصره الألم وهو في جلسته المعتادة بمقهاه المعتاد. ومن المفارقات الغريبة أن يوارى جثمانه الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، التي لا تبعد إلا بأمتار قليلة عن ملعب الصخور الذي ظل يناضل من أجل استقلاله، كان الموكب الجنائزي يسير ببطء وكأنه يمكن الفقيد من فرصة إلقاء آخر نظرة على ملعب كان ملاذه الثاني بعد منزل الأسرة، وشاءت الصدف أيضا أن يلقى رئيس شباب الصخور السوداء ربه يوم الأحد، وهو اليوم الذي كان يهيم فيه على وجهه بين الملاعب المتربة. لكن بالرغم من مكانة الرجل كعضو كامل العضوية في جامعة كرة القدم، ورئيس سابق لأم العصب، فإن الكثير من المسؤولين تخلفوا عن موعد الوداع الأخير، وارتكبوا أم المعاصي حين تخلفوا عن الجنازة، ومنهم من اكتفى بعزاء بالوساطة أو رسالة نصية على هاتف محمول تختزل عبارة إنا لله وإنا إليه راجعون، ربما لهم عذرهم فالتهافت على جلب أشباه لاعبين قد ينسي الكثير من المسيرين والمدربين عنوان المقابر، خوفا من منطق الفناء الذي يقول «الرجل المناسب في القبر المناسب». رحم الله مصطفى الناجي الذي ودعنا وفي صمامات قلبه وخزة تنكر، وغادرنا ناجيا من الاعتراف.