على مر التاريخ شكلت لقاءات كرة القدم مناسبة لرفع شعارات غير الشعارات الرياضية، فحسب المؤرخ ألفريد وال، تشكل الجمعية الرياضية حقلا للمواجهة بين الأعيان والعمال في المستوى الأقل درجة وهو مستوى البلدة، فكرة القدم رياضة اختلط فيها العامل السياسي بالرياضي والديني، وقد أججت كرة القدم في مرات عديدة عبر التاريخ عدة أحداث سياسية خطيرة سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول، كما أججت حروبا طائفية ودينية. الحادث الأبرز الذي أطلق حرب المائة يوم يعود إلى سنة 1969 حين خاض منتخبا هندوراس والسلفادور مقابلة فاصلة للتأهل لكأس العالم 1970، انتهت المقابلة بانتصار السلفادور، في خضم هذه الفرحة استغلت السلفادور الانشغال الشعبي بالمباراة وقامت بغزو الهندوراس لتصفية مشكل حدودي قديم، الحرب خلفت 2000 قتيل ولم تحل المشكل بين البلدين الجارين. حادثة أخرى من نفس النوع حدثت حين فازت الأوروغواي بكأس العالم سنة 1930 بعد تفوقها على الأرجنتين بالنهائي، حيث شهد البلدان حوادث حدودية متفرقة أدت إلى وفاة العديد من الأشخاص. وإذا كانت كرة القدم قد عرفت صدامات سياسية، فإنها شكلت في ذات الوقت آلة دعائية لبعض القضايا الوطنية كما هو الشأن بالنسبة لفريق جبهة التحرير الوطني الجزائري، الذي كان بمثابة سفير للثورة الجزائرية على الرغم من منعه من طرف ال«فيفا». كرة القدم مارست الوساطة الديبلوماسية أيضا كما حدث سنة 1998 بمناسبة لقاء الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيران، حيث شهد اللقاء تبادل باقات الورود وروحا رياضية عالية، وفي نفس الإطار شكل لقاء تركيا وأرمينيا برسم إقصائيات كأس العالم 2010 مناسبة للتقارب الدبلوماسي بين البلدين، حيث وقعت اتفاقية تاريخية بين البلدين أربعة أيام قبل انطلاق المقابلة. نظرا لتغطيتها الإعلامية الواسعة، تستغل كرة القدم لتمرير خطابات عنصرية ومتعصبة، لم يهمل أي نظام سلطوي هذا الأمر لاستغلاله في الآلة الدعائية، بينيتو موسوليني كان يسمي اللاعبين الايطاليين ب«جنود القضية الوطنية» على الرغم من كون الفاشيين الايطاليين كانوا يعتبرون أن كرة القدم لعبة إنجليزية، ودعوا للرجوع إلى لعبة كرة القدم الايطالية المسماة Volata ولكن دون جدوى. الاتحاد السوفياتي بدوره أحكم قبضة الجيش والمخابرات على الأندية في جميع أنحاء البلاد وسعى إلى توظيف الكرة كبوق دعائي للأفكار الشيوعية، وعلى الرغم من ذلك فقد كان ملعب كرة القدم من الفضاءات القليلة التي يمكن فيها التعبير عن السخط من النظام، فالانتماء لفريق معين يمكن أن يعني انتماء سياسيا معينا عبر ترديد شعارات تساند أو تعارض الحزب الشيوعي، بعض اللاعبين رفضوا الالتحاق بفرق أخرى كما هي حالة ادوارد ستيرلستوف «بيليه روسيا» الذي رفض الانتقال لفريق سيسكا موسكو، نتيجة لذلك سيقضي اللاعب سبع سنوات في السجن، وعند خروجه سيحرز لقب الدوري مع فريقه الأصلي توربيدو موسكو رغما عن أنف النظام. في يوغوسلافيا، كانت ملاعب كرة القدم منبرا لنشر الأفكار القومية وحمل الشعارات القومية، وشهدت إحدى المقابلات في الدوري اليوغوسلافي صداما ما بين اللاعب بوبان وأحد رجال الشرطة، حيث قام بوبان بحماية أحد المشجعين وهاجم رجل الشرطة، هذا الحادث اعتبر شرارة لأحداث ما بين الكروات واليوغوسلافيين انتهت باستقلال كرواتيا عن السيادة اليوغوسلافية وإلى يومنا هذا يعتبر بوبان بطلا قوميا في كرواتيا ورمزا وطنيا. وإذا كانت كرة القدم قد شهدت حوادث سياسية مختلفة، فقد ساهمت إلى حد كبير في تغيير العقليات وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، المساواة بين المرأة والرجل، محاربة العنصرية، التسامح وحرية التعبير على الرغم من صعوبة الأمر في بادئ الأمر. إشراك الدول الأوروبية للاعبين ذوي بشرات سمراء كان حدث بارزا في غالب الأحيان، فيف أندرسون أول لاعب دي بشرة سمراء يحمل ألوان المنتخب الانجليزي سنة 1978 قوبل بموجة من الاستهجان في الملاعب، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى التهديد بتصفيته جسديا، غير أنه مهد الطريق لجيل من اللاعبين الذين التحقوا فيما بعد بالمنتخب الانجليزي، الأمر كان صعبا أيضا على العربي بن مبارك وراوول ديان اللذين التحقا بالمنتخب الفرنسي في بداية القرن الماضي حيث شنت الصحافة الفرنسية هجوما لاذعا عليهما، على الرغم من المستوى المتميز الذي كانا يقدمانه. الآن أصبح الأمر متجاوزا، بل إن التجنيس أضحى جزءا رئيسيا من اللعبة وغالبية الدول تلجأ للاستعانة بخدمات لاعبين من دول أخرى. الوازع الديني يحضر بقوة في ايرلندا الشمالية، فنادي لينفلد يتكون أساسا من اللاعبين البروتستانت، فيما يتكون نادي كليفتونفيل من اللاعبين الكاثوليك، لأسباب أمنية تلعب المقابلات بينهما في ملعب محايد، الوضعية في اسكتلندا مشابهة تماما لما يقع في ايرلندا، حيث يعد نادي غلاسكو رينجرز ناديا للبروتستانت وسيليتك غلاسكو نادي الكاثوليك وغالبا ما تشهد لقاءاتهما صدامات بين المشجعين. وعلى العكس من ذلك قد تشكل كرة القدم رمزا للتوحد الوطني، كما كان الشأن في فرنسا سنة 1998 حين قاد زين الدين زيدان ذو الأصول الجزائرية فرنسا للفوز بكأس العالم لأول مرة في تاريخها موحدا بذلك الفرنسيين بمختلف أعراقهم وأصولهم، الأمر ذاته حدث حين فازت العراق بكأس أسيا سنة 2007 وعلى الرغم من المشاكل المذهبية التي كانت تعيشها العراق، فقد خرج الجميع للشارع فرحا بالإنجاز العراقي.