تنطلق غدا الخميس (يقصد أمس) في القاهرة ندوة ينظمها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بعنوان «مسارات التحولات الديمقراطية، خبرات دولية ودروس مستفادة» تهدف إلى بحث إمكانية استفادة ثورتي تونس ومصر وجهود الإصلاح في المغرب والأردن من تجارب كل من أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا في الانتقال من أنظمة دكتاتورية إلى أخرى تحترم الحريات وتعيد صياغة البلاد لتصبح دولة قانون ومؤسسات. الندوة تحضرها شخصيات بارزة من أمثال ميشيل باشليت، رئيس تشيلي السابق، وسيلسو أموريم، وزير الخارجية البرازيلي السابق، وماك مهراج، كبير مفاوضي المؤتمر الوطني لجنوب إفريقيا أثناء فترة التحول من نظام الفصل العنصري. مناسبة تأتي في وقت ما زالت فيه ثورتا تونس ومصر تبحثان عن التوازن المطلوب وسرعة التجاوب مع تطلعات الجماهير دون أن تتمكن من ذلك بالكامل ودون أن تفلح في إبعاد شبح بعض الأسئلة المحيرة أو حتى المخيفة حول احتمال إجهاض الثورتين أو الالتفاف عليهما. ربما تكون مصر وتونس الأحوج من غيرهما على الإطلاق للاستفادة من تجارب دول أخرى، ولاسيما من الجنوب، في عمليات الانتقال الديمقراطي، ففيهما ورشات عمل لا تتوقف، ومع ذلك فحجم التوقعات أعلى بكثير من قدرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر والحكومة المؤقتة في تونس على الاستجابة الكاملة لها. الطريف هنا أن الكثير من الشباب والسياسيين في مصر لا يخفون، وهم يتذمرون من وتيرة الإصلاحات في بلادهم، إعجابهم بتلك التي تشهدها تونس. المشهد في هذه الأخيرة مختلف، فقواها السياسية في حيرة من أمرها هذه الأيام وترى أن مصر، على عكسها، تحقق خطوات إصلاح ومحاسبة أكثر جرأة وسرعة. الحقيقة أن البلدين يتشابهان في كثير من النقاط، الإيجابي منها والسلبي على حد سواء، والأصعب أنهما سويّا لم يتح لهما من قبل أن يشاهدا عمليات انتقال ديمقراطي في البلاد العربية كالتي يعيشانها هما حاليا والتي قد تتحول بدورها إلى عبر ودروس مستفادة لأكثر من دولة عربية ستسقط ديكتاتورياتها المقيتة، عاجلا أم آجلا، بكلفة ومسار يختلف من واحدة إلى أخرى. لا شيء، مثلا، يجمع بالضرورة تجارب دول مثل تشيلي أو البرازيل أو جنوب إفريقيا، لكن من المهم جدا لمصر وتونس اليوم ولغيرهما غدا معرفة كيف تمكن دعاة التغيير في هذه الدول من كسب جولة الانتقال الديمقراطي رغم كل جيوب الردة والممانعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن المهم هنا أن تجري عملية تمحيص لتجارب هذه الدول بالخصوص في أربعة مجالات استراتيجية، هي: الإدارة والأمن والقضاء والإعلام. لا بد لقوى التغيير في هذين البلدين العربيين من الوقوف عند أفضل الوسائل التي اعتمدتها الدول المشار إليها لجعل إدارة تربت لسنوات في ظل أنظمة الحزب الواحد أو المهيمن مع سيطرة العقلية البوليسية تنجح في تغيير أساليب عملها وإعطاء فرص الرقي والنجاح للكفاءات وليس للمتزلفين والمخبرين. أما الأمن فمعضلته هي كيفية تغيير عقيدته في العمل من أجهزة رقابة وقمع للمواطنين إلى أجهزة ضامنة للأمن الضروري للتنمية السياسية والاقتصادية. وبعد عقود من تطويع القضاء عبر فبركة القضايا ضد المعارضين والاستخفاف بعلوية القانون ومساواة الكل أمامه، ليس من السهل التخلص من القضاة الفاسدين وإعادة الاعتبار إلى القانون كفيصل بين الجميع دون أدنى تمييز. في هذا الوقت، يبقى الإعلام مسألة مستعصية بعد تلون الكثير ممن كانوا مع السلطة الاستبدادية السابقة وبحثهم عن عذرية جديدة عبر اعتماد نفس أسلوب المدح والتطبيل مع النخبة الحاكمة الجديدة. لا شك في أن من سيتابعون ندوة القاهرة، من مصريين وتونسيين، سيلتقطون عددا من الأفكار التي يمكنهم الشروع في ترجمتها قريبا لأن صبر الناس في البلدين محدود جدا ويزداد ضيقا، ولا بد من مراعاة ذلك بشدة.