تواترت الأنباء في الآونة الأخيرة حول احتمال إعادة فتح الحدود بين المغرب والجزائر، المغلقة منذ عام 1994 إثر حادث فندق أطلس أسني الإرهابي بمراكش، وحول حصول مباحثات بين مسؤولي البلدين في اتجاه طي تلك الصفحة وفتح الحدود من جديد. وقد عاد الموضوع إلى الواجهة على خلفية الحدث الرياضي المتمثل في مباراة كرة القدم التي ستجري بين منتخبي البلدين يوم 4 يونيو القادم بمدينة مراكش، حيث قالت مصادر مغربية رسمية إن تسهيلات كبيرة ستمنح للمشجعين الجزائريين لزيارة المغرب لحضور المباراة، معربة عن أملها في فتح الحدود قبيل هذا التاريخ. خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، أبرز استعداد المغرب التام لفتح الحدود المغلقة مع الجزائر، وأكد أن الظروف مناسبة اليوم لخلق دينامية من المفاوضات الجدية العميقة بين المغرب والجزائر، مضيفا أن هذه المفاوضات الثنائية «لم تنضج بعد بالقدر الكافي»، مقللا من أهمية اللقاءات بين مسؤولي البلدين التي وصفها بالأخوية. وقد تضاربت الأنباء عن تصريحات متباينة لمسؤولين جزائريين، ففي الوقت الذي أشارت بعض المصادر الإعلامية في الجارة الشرقية إلى أن الجزائر باشرت مع المغرب محادثات يمكن أن تتوج بفتح الحدود بين البلدين، مشيرة إلى أن «البلدين بصدد تبادل المذكرات والمشاورات حول الملفات العالقة»، قال مصدر في وزارة الخارجية الجزائرية إنه لم يتم تحديد أي تاريخ لفتح الحدود، حسبما نقلت يومية «الشروق» المقربة من بعض دوائر القرار في الجزائر، بيد أن المصدر نفسه أكد وجود مفاوضات بين البلدين حول الموضوع، كما أكدت بعض المصادر أن التطبيع في العلاقات بين الجزائر والرباط بدأ عن طريق تبادل الزيارات ومباشرة الاتصالات بين المسؤولين، موضحة أن هذه المحادثات والمشاورات يمكن أن تسمح بمعالجة المشاكل العالقة ويتمخض عنها قرار فتح الحدود بين الجانبين. وكان وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، قد دعا في وقت سابق إلى فتح الحدود بين المغرب والجزائر، وقال إن هذه الخطوة ستحقق الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي، مضيفا قوله: «لا نقبل بأن تشكل نزاعات الماضي عرقلة للمستقبل»، في إشارة إلى النزاع حول الصحراء والنزاعات الحدودية بين البلدين، في حين قال الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، إن فتح الحدود بين البلدين أمر مفروغ منه، موضحا أن بلاده ترغب في «تسوية وتطبيع العلاقة مع الجزائر». وتحدثت بعض المصادر عن وساطة أمريكية وأخرى سعودية لفتح الحدود بين البلدين، في الوقت الذي قدم فيه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في ملف الصحراء كريستوفر روس اقتراحا يقضي بحصول «تطبيع كامل» في علاقات المغرب والجزائر، مما سيساهم في تحقيق تقدم لتسوية نزاع الصحراء. وشكل موضوع فتح الحدود بين البلدين الجارين مشكلة إقليمية كبرى في منطقة المغرب العربي منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد خمس سنوات فقط على توقيع اتفاقية إنشاء اتحاد المغرب العربي بين بلدانه الخمسة، وشاءت الصدف أن تكون مدينة مراكش هي التي شهدت ميلاد هذا الاتحاد المغاربي وتجميده في نفس الوقت، إذ إن حادث فندق أطلس أسني الذي وقع غير بعيد عن المكان الذي وقعت فيه اتفاقية الاتحاد سرعان ما أبعد البلدين عن بعضهما بقرار إغلاق الحدود في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لكي يدخل الاتحاد المغاربي مرحلة البحث عن «تصفية الأجواء» بين عضوين فيه بدل أن يتقدم نحو بناء الشراكة الإقليمية. وكان من حظ إغلاق الحدود بين البلدين عام 1994 أن جاء ثلاث سنوات فقط على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو في الصحراء والدخول في مسلسل التسوية، ما فتح المجال أمام النظام الجزائري للمناورة في ملف الصحراء وبذل المحاولات لعرقلة مسيرة التسوية لنزاع الصحراء، ما زالت قائمة إلى اليوم. وقد ظهر بعد قرابة عقدين من الزمن أن هذا النزاع بين المغرب والجزائر ظل حجر عثرة أمام حل قضية الصحراء وفي نفس الوقت أمام بناء الاتحاد المغاربي، وأن قضية إعادة فتح الحدود المغلقة لا يرتبط فقط بالجانب الحدودي المتعلق بحيز ترابي مغلق في وجه مواطني البلدين، بقدر ما يرتبط بتطبيع العلاقات السياسية بالمعنى الواسع بين البلدين، وهو ما يعني ضرورة إعادة قراءة التطورات الحاصلة اليوم في المنطقة وقياس المكاسب والخسائر طيلة الفترة الماضية من أجل تقدير أوضح للمرحلة الراهنة.