تبرز رواية «الحفيدة الأمريكية» للكاتبة العراقية انعام كجه جي أن الكاتبة ذات قدرة سردية غير عادية تستطيع، بادعاء البساطة او حتى التبسيط في احداثها وحبكتها، أن تجعل القارئ يعيش الفواجع والأحزان العراقية «المعتقة» طويلا. ولربما شعر القارىء بأن الرواية هي من بين ندرة من الأعمال القصصية العربية التي تستولي عليه فتجعله يحجم أو ينسى إعطاء نفسه فرصة بين مدة من القراءة وأخرى ليتحول الأمر إلى قراءة متصلة تجري بلذة وشغف. الرواية التي جاءت في 195 صفحة متوسطة القطع صدرت عن «دار الجديد» في بيروت. ولربما جاءت كلمة الإهداء التي خطتها انعام كجه جي إلى بعض مقتني كتابها تختصر كثيرا لا مما جاء فيها فحسب بل كثيرا مما جرى ويجري في بلاد الرافدين وطوفان الدم والاحزان فيهما. قالت الكاتبة في لطف بدا اقرب إلى التحدي «...اذا كنت تحتمل جرعة إضافية من الوجع العراقي.. فتلطف بمطالعة روايتي.» وقد صورت الكاتبة الوجع بطريقة مختلفة لم تقتصر على تصوير الموت والتشرد والحزن والنقمة والغضب. بدأت الكاتبة روايتها من النهاية. صور تختصر سنوات وأعمارا وفواجع وأحزانا لا تنتهي. الحفيدة الأمريكية الجنسية تعود إلى العراق موطنها وموطن أهلها وأجدادها حيث أمضت سنواتها الخمس عشرة الأولى. عودتها مختلفة كثيرا عن عودة آخرين من أبطال روايات أو ابطال حياة فعلية إليه او إلى أوطان اخرى. ومن هنا فإن انعام كجه جي الصحافية والكاتبة المقيمة في باريس لجأت في كتابها هذا الرابع بعد روايتين وسيرة روائية إلى لعبة مألوفة في عالم الكتابة القصصية وهي ذلك الصراع أو تلك الاغراءات التي تدور من جهة بين «الإنسان» الذي يكتب ومشاعره المختلفة الخبيئة والمعلنة الظاهرة وبين «المؤلف» المحض إذا صح هذا التعبير من جهة أخرى. تبدو انعام كأنها تتحدث عن المشاعر والوقائع الفعلية. تقابلها الوقائع والأحداث « الفنية» بمعنى تلك التي قد تدفع إغراءات عديدة - وطنية وغير وطنية- المؤلف إليها. وبمعنى آخر فقد يصح القول إنها تشير إلى الأمور الطبيعية الداخلية غير المزينة وإلى تلك الأمور نفسها التي ستبدو مختلفة إلى حد ما اذا تولتها «الصنعة» الفنية. الا أن الكاتبة ترفض كما يبدو -ونستعمل هنا لغة النقاد القدامى في شكل خاص- هذا الأمر خشية أن تتحول الصنعة معه إلى تصنع. كانت عوامل «وطنية» قد جعلت أمها وأباها - ونتيجة الظلم الوحشي الذي لحق بأبيها خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين- يهربان من العراق ويحملانها وشقيقها معهما. أما هي فصارت أمريكية خالصة. عادت إلى العراق في عمر الثلاثين لأسباب هي مزيج من الحاجة المادية ثم الشعور الوطني «الأمريكي» ثم الحنين إلى الوطن القديم وأهمية ما تبذله الولاياتالمتحدة لإنقاذ بلد أهلها من الظلم و«حمل» الديمقراطية إليه. الشأن المادي هو الأهم وقد جاء السببان الآخران سببين مساعدين يهونان اتخاذ القرار. اخذت الحكومة الأمريكية بعد ما أعقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 تدفع مبالغ مالية مهمة جدا بالنسبة إلى الأمريكيين المتحدرين من أصل عربي والذين يتقنون لغتي بلديهما السابق والجديد للعمل مترجمين مع القوات الأمريكية في العراق بحجة تشجيع التفاهم وإنهاض العراق. بعد بعض التدريبات والارشادات ارتدى هؤلاء الثياب العسكرية وان لم يكونوا من الجنود المقاتلين. وسرعان ما بدأت الاوهام تزول. لم يكن قد بقي من عائلة «زينة» وهي ابنة زواج مختلط كلداني اشوري سوى جدتها بعد وفاة جدها الذي كان ضابطا وطنيا عراقيا كبيرا. الجدة على شوقها وفرحتها بتحقق حلم كانت تصلي له وتضيء الشموع امام الايقونات ثارت عندما اكتشفت حقيقة عمل حفيدتها ورفضتها ثم قررت ان تعيد تربيتها وطنيا وقوميا بمساعدة شابين مسلمين وطنيين من عائلة صديقة كانا مثل ابنين لها. وكان أحد الشابين -في واقعية ورمزية محتملتين- اخا بالرضاعة للفتاة مما حال دون قصة حب بينهما. في العراق تغيرت الفتاة. عند اول عودة لها الى أمريكا التي لم تحبها امها وبقيت تحن إلى العراق حملت معها للام ليمونتين من حديقة بيت جدها « اشتهيتهما لامي التي يبدو انها اكتشفت نعمة الخذلان قبلي وتحديدا منذ ذلك اليوم الذي سيقت فيه إلى الاحتفال الكبير في ديترويت لكي تؤدي قسم الولاء لامريكا وتنال بركة جنسيتها..