وجد الشباب في أغاني «الراب» ضالَّتَهم التي تعبر عن همومهم ومشاكلهم بشكل متحرر، دون قيود وبلغة الشارع المتداولة، حتى بات تأثيرها على هذه الشريحة من المجتمع المغربي قويا وصار من السهل إثارة عواطفه وثورته «الخفية». «الثوري» هو الاسم الذي ارتضاه «الرابّور» المغربي يونس حوضر، الملقب ب«شحتْ مان» لألبومه الغنائي الأخير، الذي يضمّ مجموعة من الأغاني الثورية، والتي أصدرها قبل قيام ثورات الشعوب العربية بسنة، إلا أنها جاءت متماشية مع ما يشهده العالم العربي الآن من حراك اجتماعي وسياسي. أطلق «شحت مان»، الذي بات يُعرَف أيضا بلقب «الثوري»، أغنيته هذه، التي يتحدث فيها عن أسباب ثورته، معتبرا أن الثورة موروث من الأجداد ومن مناضلين مغاربة وأن الثورة، التي تجري في عروقه مجرى الدم، ليست وليدة اللحظة، كانت خامدة إلى أن ضاقت به الدنيا، بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ما أدى إلى انفجارها: «ولّيتْ ثوري حيتْ شفت القمع في كل مكانْ.. ولّيت ثوري حيت شفت الظلم في هاد الزمانْ.. ولّيتْ ثوري حيت دراري تموت فوق جبال.. وليتْ ثوري حيت السبيطارات عندنا بالمالْ!»... واستنكر «شحت مان» غلاء المعيشة وتوسُّعَ الهوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة وتفاقم البطالة وما ينجم عنها من مشاكل، كما انتقد الحكومة وعمل البرلمانيين والسياسيين، عامة، ممن نسوا هموم المواطنين الذين انتخبوهم من أجل خدمة مصالحهم. « قول لّا وزيدْ.. لا نحن الشعب الواعي قول لا وزيد.. لّا، مازال تزيدو تسمعو صداعي».. هكذا يخاطب «الشحت مان»، الذي اشتهر مع مجموعة «كازا كْرو»، الشباب المغاربة، الذين فضّلوا الهروب من الواقع باستهلاك المخدرات والمشروبات الكحولية وغيرها وعزوفهم عن الانشغال بواقع المغرب وكذا عزوفهم عن العمل السياسي، مضيفا أنها سياسة نهجتها الدولة منذ أيام البصري من أجل «تكلاخ» الشعب المغربي: «ما أنا من اليمينْ، ما أنا من اليسارْ ما أنا من الخايْنين، أنا مع الثوار».. ما أنا من اللي سْكت وجيت مع الرجال الأحرار»... لقيت أغنية «الثوري» نجاحا في أوساط الشباب المغاربة الذين تداولوها في ما بينهم خلال الأيام الأولى لقيام الثورات في البلدان العربية، ولم تكن هذه الأغنية الوحيدة التي لاقت إقبالا كبيرا، بل كذلك أغنية «فين حقنا؟»، التي غناها رفقة «الرابّور» الطنجاوي «مسلم». وقد تطلبت هذه الأغنية من «شحت مان» و«مسلم» الملقبين في هذا «التراك» ب«الثوري» و«المتمرد»، جهدا خاصا من حيث البحث عن الكلمات المناسبة التي لها وقع قوي على النفوس، عبْر تتبع الأحداث الراهنة وقراءة الجرائد وغيرها، من أجل تفادي المعلومات الخاطئة. كما حاولا تكسير الطابوهات بطريقة أكثر حدة واستثمار كل ما يدور بين الناس من أحاديث، بالهمس وفي خفاء، ولا يجرؤون على قوله جهارا: «أنا والثوري اليوم في برلمانْ الشارعْ.. قلنا غير الحق، والحق هو الواقعْ، بلادي تبقا بلادي واخا حقي فيها ضايعْ، والتمرد ثورة على اللي في حقنا يتبايعْ»... طرحت الأغنية تساؤلات عدة عن ثروات البلاد وعن مآلها، وكيف أن أصحاب الأيادي الطويلة ينهبونها مقابل تفقير الشعب، وتساءلت عن الثروة السمكية المغربية التي تباع في أسواق أجنبية، بينما لا يعرف منها المغاربة سوى السردين، الذي كان، في ما مضى، يلقب ب»سمك الفقراء». كما تساءل الفنانان في أغنيتهما عن الاستيلاء على الأراضي الفلاحية وغلاء أسعار الخضر، خاصة والمعيشة عموما، وإضرارها بجيوب المواطن البسيط: «فين حقنا في الذهبْ؟ فين قنا في النقرة؟ حقنا غير في الضربْ والقبيح في الهدرة»... كما شكلت الأغنية مناسبة لانتقاد سياسة الصمت: «اللهْ يلعن اللّي قال سكتو.. ماشي سوقنا واليوم عْلاتْ أصوات حتى يبان اللي غادرنا.. ما نخاف من حد، نخاف اللي خالقنا».. وهي (سياسة الصمت) شائعة في المجتمع المغربي. كما انتقدت الأغنية تفشي الفساد المالي ونهب المال العام وضياع الحق والعدالة وخرق القانون ونهج سياسة «تكليخ الشعب» وقمع حريات التعبير: «دولة الحق والقانونْ والشعب فوق الكانونْ وباش ما يسمعو صداعو عطاوه كمنجة وقانونْ... وبدأت ثورة التمرد وبان العربونْ.. عطيتوني جناحين وقلتو لي ما تحلمش تطير أش غاندير بحرية التعبير بلا تغييرْ؟». ويبقى بحر فن «الراب» المغربي «فياضا» بالكثير والكثير من الأغاني التي تصبّ في منحى الثورة ضد الفساد والتمرد من أجل التغيير وإصلاح حال البلاد والعباد... وللصوت النسائي نصيب... يبدو أن الجنس اللطيف أبى إلا أن يضع بصمته الخاصة في ما يعيشه المغرب حاليا من حراك اجتماعي وسياسي شبابي، قصد إسقاط الاستبداد ومحاربة الفساد، سواء بالمشاركة في المسيرات أو بإصدار أغان حماسية تُحفّز الشباب على الاستمرار في النضال وتواكب المستجدات. ويبقى أبرز هذه الأغاني «سياسة السراب»، وهو عنوان الأغنية التي صدرت، مؤخرا، عن الشابة «وداد»، الملقبة ب«ملكة العصابة» (Queen Thug)، عبّرت فيها، رفقة «الرابّور» وليد ،عن موقفها من الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011، حيث تعهد الملك بإجراء إصلاحات دستورية شاملة. تبدأ الأغنية بمقطع من نشرة الأخبار على القناة الثانية، يعلن فيه مقدم النشرة إجماع المتتبعين للشأن الداخلي على اعتبار الخطاب الملكي بمثابة منعطف تاريخي في مسيرة بناء المغرب الديمقراطي الحديث، قبل أن تقاطعه «وداد» بكلمات مضادة تُعبّر عن امتعاضها من المشهد السياسي «المائع» في البلاد وعن فقدانها، هي وأمثالها من الشباب، الأمل في السياسة والمؤسسات التشريعية والحزبية والأمنية. كما اعتبرت أن سياسة الصمت وغض الطرف عن الفساد، هي ما جعل حجم قمع العباد و«الحكرة» يزيدان يوما بعد يوم. وتواصل «وداد» توجيه انتقاداتها لتصريحات السياسيين حول الخطاب بأسلوب أشبهَ بحوار يدور بينها وبينهم وترُدّ، بين الفينة والأخرى، بقولها «سياسة السراب هادي.. غْمامة ماشي سحاب». وتعد «وداد» واحدة من أولى الفنانات في عالم «الراب» المغربي، التي استطاعت أن تصنع لنفسها مكانا في الميدان منذ تسعينيات القرن الماضي. وقد ارتبط اسم «وداد»، وهي واحدة من أبناء المهاجرين المغاربة في فرنسا، بفرقة «THUG GANG CREW»، التي ظهرت في مدينة الدارالبيضاء منذ عام 1999، حيث حصلت على لقب «ملكة العصابة». الصحراء وأحداث العيون كانت ل«الراب» المغربي ردة فعل واضحة تجاه الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة العيون. يقول «الرّابور» المغربي «العربي»، في أغنية بعنوان «الصفحة السوداء»: «شنو ذنب الناس اللّي ماتو في العيونْ؟.. عْسكر بلادي وعليهم بكات العيونْ.. واللّي ارتكبو هدا الغلط ما عرفناهم مسلمين أو ماسونْ.. الصحراء أرض مغربية.. سالْ عنها جميع المدنْ». وتوالت أغاني «الراب» في أخذ وردّ بين المغنين المغاربة وأمثالهم من الجزائر، ولم يتوان «الرابور» المغربي في التأكيد على مغربية الصحراء واستنكار أحداث العيون الأليمة. ورغم اختلاف طريقة تناول الحدث، فإنها كانت تصب في منحى واحد، وهو حب الوطن -المغرب واستنكار أي أحداث عنف أو تدخلات أجنبية من شأنها أن تهز استقرار الأمن والأمان في البلد: «الصحراء مغربية ميّة فالميّة.. نموت على بلادي الدولة المغربيّة.. كل نهارْ كايحكِيوْ لينا سيناريو.. المغاربة محبوسين في البوليساريو». وصعّد بعض المغنين من لهجتهم في سب وشتم جبهة البوليساريو الانفصالية وعبّروا عن غضبهم تجاهها واتهموها بإحداث الفتنة في مخيم «أكدم إيزيك» في مدينة العيون، حتى يقتتل المغاربة في ما بينهم، كما عبّروا عن امتعاضهم من سياسة حكومة بوتفليقة: «شحالْ قلنا ليكومْ الصحراء دائما مغربية ماشي ديالكم.. بوليساريو اللِّي معكم ردوا بالكم.. عسكر مغاربة شهداء في العيون».. دون أن ينسوا التعبير عن احترامهم للشعب الجزائري الشقيق. في المقابل، انتقد مجموعة من «الرابورات» الشباب الصحافة الجزائرية وسياسة التضليل التي تمارسها في تغطيتها القضايا التي تخص المغرب واستنكروا مساندة الجزائر لجبهة البوليساريو في الوقت الذي يحترم المغرب جارته الجزائر: «ومن بعد ما شفتْ اللّي طرا.. في العيون من ناس مؤطرة.. من الجزائر اللّي بغاتْ الصحراء.. سمعيني اليوم يا جارة.. إيلا بغيتو الحرب حنا ليهْ.. نفديو الصحراء بالدم.. إيلا بغيتو السلم حنا مّاليهْ.. خلّيوْ لبلاد تتقدمْ.. يا دولة الجزائر يا بلاد مليون شهيدْ.. فيهوم لمغاربة ماتو، بغاو بلادكم باش تزيد»... «الراب» امتداد لثورات الماضي مضى زمن الستينيات الذي عُرِف شبابه بتأثرهم بأسلوب «الهيبيزم» وثورة تشي غيفارا، وتلاه جيل السبعينيات، الذي كان غارقاً في إدمان المخدرات على أنغام «الريغي» مع بوب مارلي على المستوى العالمي، و«ناس الغيوان» على المستوى الوطني، وتراجعت أحلام جيل الثمانينيات والتسعينيات في تحقيق «الحلم الأمريكي» والهجرة إلى «الفردوس» الأوربي، الممزوجة بكلمات أغاني «الراي» والأنماط الموسيقية الحديثة، ولم يتبق لشباب الألفية الثالثة سوى مزيج من كل هذه التراكمات والتجارب السابقة. ليأتي بعدها فن «الراب»، الذي ارتبط بشباب الألفية الثالثة، والذي شكّل مزيجا من كل هذه التراكمات والتجارب السابقة. «لطالما وصفت موسيقى «الراب»، هي وعشاقها، بالحمق والتهور وثورة المشاعر التي سريعا ما تخمُد نيرانها، إلا أنها أثبتت نجاعتها في التعبير عما يختلج في نفوس الشباب والتعبير «الصارخ والصريح» عن أحلامهم ومعاناتهم بفلسفة ثورية»، يقول أحد الشباب المحبين لفن الراب المغربي. ويرى المتتبعون لهذا الفن في البلاد أن «الثوار الجدد»، سواء مغني «الراب» أو «الروك» أو غيرهما من الألوان الموسيقية، هم امتداد لمجموعات غنائية مغربية ثورية سابقة، بعدما نجح البعض منهم في انتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ولو بشكل تدريجي. وهكذا نجح فنانون أمثال «الشحت مان» و«مسلم» و«باري»، إضافة إلى مجموعة «ضركة» و»هوسة» و«هوبا هوبا سبيريت»، الذين ظهروا في ظل انتقال المغرب من عهد الحسن الثاني إلى ما بات يعرف ب«العهد الجديد»، عهد الملك محمد السادس. ومكّن هذا الانتقال الديمقراطي هؤلاء الفنانين، إلى حد ما، من رفع أصواتهم والتعبير عن مواقفهم والمناداة بالحرية والعدالة والديمقراطية، وبالتالي تأسيس موسيقى عصرية احتجاجية، استطاعوا من خلالها إحياء الموسيقى الثورية والحماسية التي تميّزت بها مجموعات مثل «جيل جيلالة» و«ناس الغيوان»، ومن لا يتذكر أغانيهم المشبعة بالسياسة وانتقاد سير البلاد حتى النخاع. وهناك من فناني الراب المغاربة من يؤكدون استلامهم مشعل «الثورة» من هؤلاء ويرون في أنفسهم امتدادا لهم، فيما يرى البعض الآخر أن هناك تقاطعا بين جيل الثوار السابق وجيل الثوار الجدد، إلا أن لكل منهما أسلوبا وطابعا خاصين يميزانهما عن الآخر، وبالتالي لا يشكل فن «الراب» استمرارية لزمن «الغيوان» والآخرين...