أطلق على هذا النوع من الفصام اسم الفصام البسيط لأنه يتميز بقلة الأعراض الإيجابية اللافتة للنظر والداعية للإسراع إلى العلاج, مثل الهلاوس السمعية والبصرية والأوهام المرضية والهياج. ولذلك فإن المرض يتميز هنا بتفكك بسيط في الشخصية. والأعراض التي تظهر على المصاب هي بالأساس ضعف التواصل الاجتماعي، والميل إلى الانعزال والانزواء، وعدم الاهتمام بالمظهر، وإهمال الواجبات الاجتماعية. ويبدأ هذا النوع من الفصام تدريجيا في سن مبكرة ما بين 15 و 25 سنة، وينتهي مع مرور الوقت إلى حالة تتميز أساسا بما يلي: - تدهور الأداء الدراسي أو المهني. - تدهور الاهتمام بالمحيط العائلي وبروز عدم الاكتراث بالمهام الحياتية. - ظهور ردود أفعال انفعالية غير منتظرة، قد تكون أحيانا عنيفة دون سياق يفسرها. ويعتبر هذا النوع من أنواع الفصام الأخطر في كثير من الأحيان نظرا لصعوبة تشخيصه بسبب غياب الأعراض اللافتة للنظر أو فقرها الشديد. كما أن المصاب كثيراً ما يبقى سنوات طويلة دون أن يكتشف أحد إصابته بالمرض. وفي الغالب لا يكتشف إلا في مراحل متأخرة يكون المرض فيها قد أصبح مزمنا وعلاجه أكثر صعوبة. والسبب في ذلك التأخر هو أن الناس يرون في المريض شابا هادئا خجولا، لا يزعج أحدا ولا يهتم إلا بشؤون نفسه، فيتحملونه، وتتحمله أسرته ما دامت الأعراض «الإيجابية» المزعجة غائبة. ولكن مع مرور الوقت يبدأ المريض في إهمال نفسه وعدم القيام بشؤونه الاعتيادية مثل النظافة الشخصية والاستحمام وتغيير الملابس المتسخة، ويفقد الاهتمام بالمجتمع وبالحياة ككل. وتبدأ قدراته الفكرية في التدهور، يظهر ذلك في عجزه المتزايد عن تحمل ضغوط العمل، وخصوصا إذا كان هذا الأخير يتطلب تركيزا ذهنيا أو إبداعا أو تفكيرا عميقا. ويعجز عن أن يثبت أي كفاءة فيما يسند إليه من أعمال. ثم يصبح تفكير المريض فقيرا غير مترابط، ضحلا لا يستطيع معه التجريد ولا استنباط المعاني الكامنة وراء الكلمات والتعابير، وتزداد صعوباته في التعبير عن أفكاره. كما تبدأ حياة المريض الوجدانية في التبلد والسلبية ويظهر لديه فقدان الإرادة والطموح والدافعية للعمل ويفقد قدرته على التجاوب والتفاعل مع الآخرين. كثير من المصابين بالفصام البسيط يمكن أن يزاولوا عملا معينا، بشرط ألا يحتاج هذا العمل إلى جهد فكري، ولا إلى علاقات اجتماعية وتواصل مع الآخرين. لكن المرض يؤدي بصاحبه أحيانا إلى الشعور بعدم القدرة على القيام حتى ببعض الأعمال البسيطة التي كان يقوم بها من قبل. وهذا يجعله غير مستقر في عمله. فنجده كثير التنقل من عمل إلى آخر ومن مهنة إلى أخرى. وفي عدد من الحالات ينتهي به المطاف إلى فقدان العمل وإلى التشرد. إن الواجب على الأسر أن تنتبه إلى ظهور مثل هذه الحالات مبكرا. فتنتبه للشاب الذي أصبح انطوائيا خجولا، ميالا إلى الانعزال، عازفا عن الاختلاط بالآخرين، وخصوصا إذا بدأ مستواه الدراسي يتدهور تدريجيا دون سبب معقول أو متفهم. فهذا الشاب قد يكون في بداية الإصابة بمرض الفصام، ويحتاج بالتالي إلى أن يعرض على طبيب نفسي ليضع التشخيص المناسب. وهو تشخيص قد يحتاج إلى شهور، وربما سنوات بسبب تشابه أعراض الفصام البسيط مع أعراض بعض الأمراض النفسية الأخرى. وبقدر ما يكون التشخيص مبكرا، ويبدأ العلاج سريعا، بقدر ما يمكن الحصول على بعض التطور الإيجابي في حالة هؤلاء المرضى، وإنقاذ بعض ما يمكن إنقاذه من حالتهم. وقبل ذلك وبعده يكون الوعي والمعرفة المدخلين الأساسيين لمقاربة أفضل لهذا النوع من الحالات. ولخلو الفصام البسيط من أعراض حادة فإن معظم حالاته توجد خارج المستشفيات.
( سعد الدين العثماني ) طبيب مختص في الأمراض النفسية [email protected]