رفضت الدوائر الدبلوماسية المغربية بشكل قطعي الإدلاء بأية معلومات حول مصير المواطن المغربي، ضحية النزوات العدوانية لنجل القذافي، والأسباب الكامنة وراء إبقائه حتى الآن بجنيف، فيما أفاد وكيل الضحيتين، المحامي فرانسوا مونبريز، بأن والدة المغربي التي ألقي القبض عليها مع واحد من أبنائها بمطار طرابلس كرد انتقامي على اعتقال نجل القذافي، قد أطلق سراحها وتوجد حاليا بالمغرب، بينما يجهل مصير ابنها على حد قوله. وقد نفي ممثل البعثة المغربية في بيرن، لعسل، في اتصال أجرته معه «المساء»، أن يكون على علم دقيق حتى بفصول النازلة متذرعا بعدم الاختصاص، حيث الصلاحيات في مثل هذه النوازل موكولة للسفارة المغربية بجنيف التي أكدت لنا بدورها على لسان بلعباس، المساعد الأول لسفيرنا بجنيف، أنها لا تملك من معلومات حول ملابسات هذه القضية سوى ما تتناقله الصحافة السويسرية من أخبار شحيحة في الموضوع. غير أنه عاد ليشفي فضولنا بالتأكيد حول الجهود الحثيثة التي يقوم بها السفير وهو يتابع عن قرب فصول الأحداث بتنسيق وتعاون مع السلطات السويسرية المختصة.. كلام ليس له معنى سوى أنه إصرار مقصود على اغتيال حق المواطن في المعرفة وما ينطوي عليه ذلك الإصرار من سعي يائس إلى تقزيم دور الصحافة كأداة أساسية للتنوير والإطلاع. وبغض الطرف عن هذا التعتيم، فإن الأزمة السياسية بين ليبيا وسويسرا لم تتحول بعد من لون الجمر إلى لون الرماد، كما أكدت مؤخرا بعض الدوائر الدبلوماسية والإعلامية في كل من طرابلسوجنيف، حجتها في ذلك استئناف ليبيا إمداداتها النفطية لسويسرا التي كانت قد علقتها في 17 يوليوز إثر اعتقال معتصم بلال القذافي الملقب بهانيبال القذافي نجل العقيد معمر القذافي وزوجته ألين لمدة يومين في جنيف، بتهمة سوء معاملة مواطن مغربي وشغالة تونسية. فمن التداعيات الأخيرة للأزمة «الهانيبالية» التي ساد الاعتقاد في الأوساط الليبية بأن هانيبال سيخرج منها سالما كالشعرة من العجين، بفعل الضغوط السياسية الليبية، قرار الوكيل العام بمحكمة جنيف، دانييل زابيلي، بعدم طي الملف في غياب أي مبرر يدعو إلى ذلك. «إنه من غير الوارد قطعا طي الملف لأسباب سياسية أو غيرها»، يجزم الوكيل بعد التأكيد على أنه لا القسم الفدرالي للشؤون الخارجية ولا البعثة السويسرية لدى منظمة الأممالمتحدة مارستا ضغوطا تذكر على العدالة. ويضيف: «الاستثناءات الأميرية غير واردة في هذا الباب». فصول النازلة شريط الأحداث بدأ يوم أن ألقت السلطات السويسرية القبض على هانيبال القذافي وزوجته في 15 يوليوز الجاري في جنيف إثر شكوى تقدم بها خادمان في منزله، مغربي وتونسية، اتهماه وزوجته ألين بسوء المعاملة، وتم احتجازهما لمدة يومين قبل أن يتم الإفراج عنهما مقابل كفالة مالية قيمتها نصف مليون فرنك سويسري (312 ألف يورو). وردت ليبيا على هذه الواقعة بإجراءات تمثلت في وقف إمداد سويسرا بالنفط، وإغلاق مكاتب الشركات السويسرية العاملة في ليبيا، والقبض على مواطنين سويسريين قبل الإفراج عنهما بكفالة مع منعهما من مغادرة البلاد. ألقت هذه الأحداث بتداعياتها على العلاقات بين البلدين بعد التهديدات التي أطلقتها ابنة القذافي عائشة بعد ساعات قليلة من الإفراج عن شقيقها. فقد لوحت بالثأر والانتقام لما وصفته ب»المؤامرة الرخيصة والمكيدة التي تعرض لها شقيقها، وتعهدت باتخاذ السلطات الليبية الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على كرامة مواطنيها في الخارج، كما اعتبرت أن تهمة أخيها الوحيدة هي أنه ابن للعقيد معمر القذافي». وتأججت الأزمة من خلال إلغاء رحلات جوية بين ليبيا وسويسرا وإقفال مكاتب شركات سويسرية في ليبيا، وصدور تهديدات من طرف متظاهرين من اللجان الشعبية تجمعوا أمام مقر السفارة السويسرية في طرابلس. وقد رددوا شعارات مشيدة بزعيم الثورة الليبية ومنادية ب»سحب الأموال الليبية من البنوك السويسرية». كما قدم المتظاهرون بيانا للسفير السويسري يهددون فيه الكنفدرالية ب«الانتقام إذا لم تقدم اعتذارا رسميا للشعب الليبي وللزعيم الليبي». ومن نتائج ذلك أن أرسلت وزارة الخارجية السويسرية وفدا دبلوماسيا إلى طرابلس للتعبير عن تذمرها من «الإجراءات الانتقامية» التي بقدر ما تدعو إلى القلق فهي لا تراعي أبسط الأخلاق الواجب احترامها، صيانة لكرامة الشخصين المجندين لخدمة أسرة القذافي». وتتطابق جل المصادر على أن الخادم المغربي والشغالة التونسية كانا يتعرضان باستمرار لأقسى العقوبات الجسدية ناهيك عن الإهانات الأخلاقية والشتائم اليومية المخلة بالكرامة الإنسانية. سوابق مثيرة وقد اعتقل هانيبال (32 سنة) مع اثنين من حراسه بعد نزول مباغت لعناصر الأمن بفندق الرئيس ويلسون بجنيف. والرجل له سوابق مثيرة بفرنسا حيث أصدرت محكمة باريس يوم 23 ماي 2005 حكما عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر موقوفة التنفيذ بتهمة العنف والضرب الممارسين على زوجته وهي حامل، وكان أيضا موضع تحقيق مطول من طرف محكمة نيس، إثر تفكيك شبكة مختصة في المكالمات الهاتفية الوردية. وعلى خلاف فرنسا التي تعاملت بقدر كبير من الاحتراس مع نزوات نجل القذافي وجنبته في كل مرة السجن ولو مؤقتا، فإن السلطات السويسرية تعاملت معه بما يلزم من صرامة قانونية اعتبرتها ليبيا إهانة في حق رمز السلطة، التي يجسدها بقبضة من حديد الأب العقيد الذي يعزو سبب اعتقال نجله وزوجته إلى قوانين الهجرة المجحفة وإلى استهتار السلطات السويسرية بالتقاليد والأعراف التي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين الأمم. وتصر السلطات السويسرية من جهتها على أن اعتقال هانيبال، الابن الرابع للعقيد القذافي، جاء إثر شكايات عديدة توصلت بها السلطات الأمنية وكلها مرتبطة بالضرب المتعمد والعنف والتجريح والتحرش الأخلاقي. وتجمع مصادر متطابقة على أن العمال الأجانب في ليبيا يشتغلون تحت تأثير شديد وضغط نفسي كبير. وقد يشتغل العامل في ليبيا أكثر من 14 ساعة من أجل الحصول على لقمة العيش. وكثير من العمال يروون عن هذا الشاب (هانيبال) الذي يقيم بمنطقة الريكاطة ويشغل كثيرا من المغاربة القادمين في معظمهم من البوادي والأرياف، وكذلك من تونس، أنه يفضل العمال المغاربة لجديتهم وتفانيهم وأيضا استعدادهم للخدمات المنزلية. وتفيد الشهادات أيضا أن ما من عامل اشتغل عنده إلا وتعرض للضرب والشتم والإهانة والتحايل على الرواتب التي تدفع للعمال وفق ميولات وأهواء الابن الرابع للقذافي. ورجحت مصادر إعلامية سويسرية أن يكون الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد قام بوساطة في الآونة الأخيرة بين البلدين بإيفاد مبعوثه الشخصي وزير الخارجية إلى طرابلس، في محاولة لثني العقيد الليبي عن اتخاذ إجراءات انتقامية مثل استخدام سلاح النفط أو سحب الأموال الليبية من الأبناك السويسرية، كما سعى بدون جدوى إلى انتزاع اعتذار رسمي من السلطات السويسرية جاهلا أو متجاهلا سلطة القضاء وقوة القانون التي تحكم الحياة السياسية بسويسرا، خلافا لقانون القوة وقضاء السلطة اللذين يميزان الحكم في بلده وفي الكثير من بلداننا المغاربية والعربية. شهاداث مخجلة الألم، التقزز، الاشمئزاز، الحسرة.. كلمات مثقلة بالمعاني لكنها لا تفي بهول الجحيم الذي عاشته الضحيتان في أحضان هانيبال وزوجته. في مكان خال إلا من البرلمانية الديمقراطية آن ماري فون أركسفيرنون، وهي مناضلة من أجل حقوق المرأة، تحكي الضحيتان وعلامات التعذيب بادية على أجسادهما.. نصيب الأول طعنات سكين.. وقدر الثانية قضبان من حديد. كلاهما عاشا في ضيافة واحدة مع الأمل الجميل في أوضاع مادية مريحة في كنف الأمير.. الأمل الذي سيتحول بالنسبة إلى المواطن المغربي إلى خمس سنوات من العبودية بعد أن كان يشتغل في فندق مغربي بمبلغ زهيد حقا ولكن بعزة نفس وكرامة، إلى أن فتح له صاحب الفندق نوافذ الرخاء بدعوته إلى العمل مع الأمير. «كنت أعمل 22 ساعة على 24 . أقوم بجميع الوظائف بدءا من ترتيب طقوس العشاء إلى غسل الملابس مرورا بتنظيف الصالونات والاهتمام بالطفل ومرافقة الكلب في نزهة وخدمة الضيوف.. هانيبال كان يحيى يومه ليلا، ولا ينام إلا بعد الثامنة صباحا، وحتى في نومه كان في حاجة إلى خدماتي حيث يستيقظ بين الفينة والأخرى ليأمرني بالقيام بمهام عسيرة. وحينما أخلد ساعتين إلى النوم، كان يوقظني وكأنه يطبق في حقي المقولة الجاهلية المأثورة «إذا رأيت العبد نائما، فأيقظه حتى لا يحلم بالحرية». طلبت الاستقالة مرتين فوجدتني في سجن خاص لا نور فيه ولا حياة». قدرها هي أنها قرأت في إحدى الجرائد التونسية إعلانا عن خدمة في كنف العائلة القذافية، المهمة: الاعتناء بزوجة هانيبال. أحست بمجرد اجتيازها الحدود بأن الحيلة انطلت عليها، فكانت البداية أن أخذ منها جواز السفر وهاتفها النقال. «وضعت لدى وصولي في مكان يعج بالماعز والكلاب، حيث قضيت أسبوعا كاملا سجينة هناك قبل أن أكتشف القصر المحاط بعدد كبير من الجنود وبداخله مجموعة من الخادمات من جنسيات مختلفة، فيلبينيات، أندونيسيات، إثيوبيات ولا واحدة ليبية. أحسست في أيامي الأولى بالرعب من ألين التي كانت طوال اليوم تشبعني لكما ورفسا لأتفه الأسباب، إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي سنمتطي فيه الطائرة باتجاه جنيف، حيث ارتأت ألين الحامل بتسعة أشهر أن تضع مولودها بجنيف. كان الزوجان في تخاصم وعراك يومي، وكانت لكل واحد منهما غرفته الخاصة. لم تكن ترافقه في لياليه الحميمية فكان الجو يخلو لها لتمارس علي شتى صنوف التعذيب وكأنها تنتقم لنفسها من الإهمال الذي يطالها من هانيبال. انتقلت ألين فجأة من طور التعذيب إلى طور الزج بي في السجن، حيث حرمت ساعات طويلة من الأكل والنوم. وكانت تهددني بأن تلقي بي من النافذة إذا نطقت بكلمة.. جاء الخلاص أخيرا بعد نزول مباغت للشرطة التي أثارت فضولها الصيحات المتعالية للخادمات الأخريات». تلك هي فصول النازلة التي يعزو سببها الأب العقيد إلى قوانين الهجرة المجحفة وإلى استهتار السلطات السويسرية بالتقاليد والأعراف التي تحكم العلاقات الدبلوماسية بين الأمم.