وسط أشجار مدخل مستشفى الرازي فضل محمد (اسم مستعار) الحديث بعيدا عن أعين المارة، وبعيدا عن الجدران التي سئم من رؤيتها يسرد لنا تفاصيل حياته وأسباب تواجده بالرازي، عاش محمد حياة ميؤوس منها بعد الصراعات والخصومات التي أدت إلى انفصال الأبوين عن بعضهما ولم تجد الأم أمامها سوى مواجهة الحياة الصعبة من أجل أبنائها، بعد أن غادرت قفص الزوجية وتكفلت بأبنائها وهم لا زالوا صغارا، ولكثرة تخوف الأم من أن تفشل في مواجهة الحياة، أو أن تعصف الأقدار بأبنائها بعيدا، وكدا تخوفها من تشرد وتسكع أبنائها في الشارع وتعاطي الإدمان، وغيرها من السلوكيات بدافع الحاجة والفقر، لم تجد الأم أمامها سوى الانغلاق على نفسها، وتضييق الخناق على أبنائها في غياب أصدقاء أو أي عنصر أجنبي قد يساهم في اختلال التوازن الأسري، وتفككه .بدأت العقدة تنمو معه إلى أن وصل سن الرشد كان يحتل المراتب الأولى في الدراسة وبالموازاة مع ذلك كان يشتغل في مجموعة من الحرف لإعالة الأسرة والإخوة حيث لا يتوفرون على مدخول قار يضمن لهم الاستقرار، وتحدى محمد كل الظروف التي قد تعرقل مشواره الدراسي رغم الفقر والحاجة، وناضل إلى أن حصل على معدل عالي في الباكالوريا، دخل المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، بعد نجاحه في المباراة لكن لقصر ذات اليد لم يستطع محمد التأقلم مع الفئات البورجوازية التي تلج مثل هذه المدارس والمعاهد العليا ولم تكن لديه الإمكانيات المادية لشراء المراجع ومواكبة متطلبات المدرسة اضطر الانقطاع عن الدراسة فاختار إجراء مباراة الأساتذة واجتازها بتفوق وحصل على دبلوم أستاذ الرياضيات في المستوى الإعدادي. من هنا بدأت الحكاية حيث لا ينفع الندم، بعد انكسار الحلم الذي رسمه محمد في حياته ولعنة الفقر التي حرمته من إتمام دراسته في المدرسة العليا للتدبير والتسيير اكتفى بمهنة مدرس في الرياضيات. كثيرة هي الأمور التي ساهمت بشكل كبير في تحطيم أمال محمد لإتمام دراسته وتبوئ مناصب عليا طالما حلم بها، وبحسرة نبس قائلا» كنت أحلم أن أتحدى الفقر، لكن الأقدار حطمت آمالي عصفت بي في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية». عمري 35 سنة وأمي تعاملني كمراهق مختل منذ 1999 ومحمد يعاني من الاكتئاب الذي تطور إلى مرض نفسي مزمن لم يستطع مقاومته، والتغلب عليه، وزاد الوضع تعقيدا في ظل غياب الأصدقاء وتحث ضغط الأم وقسوتها « هي من تتخذ القرارات وتتعامل معي كمراهق رغم أنني أبلغ من العمر 35 سنة». واعتبر الدكتور المعالج لحالة الأستاذ أن الأم سيطرت بشكل كبير في حياة الأستاذ ما دفع به إلى كبث وقمع كل ردات الفعل التي لم يكن يقوى على تصريفها. « عزيزة عليا الوالدة ولكن كنحس بها خانقاني..» لم يتردد الدكتور المعالج في توضيح الأم في إحدى الجلسات الثنائية بين عائلات المرضى عقليا ونفسيا أن الضغط يولد الانفجار، وطلب منها عدم الإكثار من زيارة الابن في هذه الفترة الحرجة التي يعالج فيها، حيث تولد لديه شعور بالخوف من أمه، هكذا عبر محمد عن الشعور الذي ينتابه تجاه أمه لكن عدم وعي الأم بخطورة الوضع جعلها تتصرف بتلقائية دون أخذ نصائح المعالج بعين الاعتبار. يضيف «هلكنا الدوا بلا فايدة» هكذا لخص محمد كلامه بكون الأدوية التي يصفها الأطباء المعالجين عادة ما تكون فعاليتها مؤقتة، تجعل المريض يرحل إلى عالم «الخيال»، واعتبر هذه الأدوية غير كافية، لتجاوز الأزمة، نظرا لكون المجتمع لا يعترف بالمريض نفسيا وعقليا، ولا يساهم في العلاج الذي من المفروض أن تساهم فيه الأسرة والفرد والمجتمع. وإلا فإن المريض سيضل على حاله إلى الأبد.
«المريض نفسيا يُعامل كأحمق بحسرة يحكي لنا محمد أن المجتمع المغربي بما فيه الأسرة والمقربين لا يفرقون بين المريض نفسيا والمختل عقليا، فالمصطلحان يعطونه المعنى ذاته، إذ بدل أن تساعدك الأسرة تقيدك وتراقب كل تحركاتك، « الوالدة فين ما نمشي كاتبعني» «أحس بأن الوضع يتأزم أكثر فأكثر، كل الأعين تراقبك»، تنفس الصعداء ولم يستطع مواصلة الكلام، وبعد أن استرجع أنفاسه واصل حديثه بهدوء دون أن يظهر وهنه أمام الكثير من المشاكل التي تراكمت عليه حتى امتلأت كل صفحات حياته وأكد محمد على أن كل العلاجات التي يتلقاها المريض داخل المستشفى، تذوب في اليوم الأول من عودة المريض إلى حضن عائلته التي «غالبا ما تكون سببا مباشرا في ما يصل إليه المريض»، لم ينس محمد اتصال زميل له في العمل عندما علم هذا الأخير بخبر مرضه وظن محمد أن اتصاله كان بهدف مواساته والتخفيف عليه قائلا: « قالوا ليا احماقيتي، ياك ما المرة سطاتك»، لم يفهم محمد جدوى هذا الكلام كأن المرض «عيب»، والحمق «عيب أكبر» في مجتمع لا يفرق بين المصطلحين. «عجزت عن محاربة الشيطان الأسود» بعد النجاة من محاولات الانتحار المتكررة شنقا في المنزل، وجد «محمد» نفسه أمام واقعين أحلاهما مر، لولا تدخل أحد زملائه كان يرافقه، لأنه يتفهم وضعه المتأزم. يقول «محمد» إن فكرة الانتحار تلاحقه إلى اليوم، كما تسكنه الرغبة في الانتقام الذاتي ووضع حد لحياته، كما تلاحقه الرغبة في ضرب أحد ما أو قتله بشكل لا شعوري، إذ يشعر أنه خرج من شخصية الإنسان المسالم والهادئ، كما يبدو خلال مجالستنا له. من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية والسوية، فكر «محمد» في الزواج كخطوة ظن أنها قد تساعده في تخطي المرض، الذي هزمه أمام كل طموح يرغب في تحقيقه ويأمل في الوصول إليه. وجدها في بادئ الأمر فكرة صائبة. ساعدته عائلته في ذلك، لكنْ مع مرور الوقت، اكتشف «محمد» أن الأمور تسير في الاتجاه غير الصحيح. تأزم وضعه، الذي قال عنه: «حتى الزواج كان من اختيار أمي»، لكنْ رغم أن زوجته تتسم بكل المواصفات التي تؤهلها لأن تكون زوجة وأمّا، فإنه «أحس أنه يخونها داخليا، «لأنني لم أخبرها بأنني مريض نفسيا.. كتمت معاناتي لأنني لم أكن أريدها أن تصدم». مرت الأيام في نفس الدوامة، رزق «محمد» بطفل. عاوده المرض وبدأت تراوده أفكار ووساوس شيطانية، مخافةَ أن تتحول حياة ابنه إلى الحياة نفسها التي يعيشها والده. لم يجد أمامه من حل سوى العودة إلى المستشفى بعد مغادرته وتحدث عن سبب عدم إخبار زوجته بمرضه، مخافة أن تظن أنها تزوجت ب«أحمق» وتحرمه من ابنه. تغيرت ملامح «محمد» وبدت طريقة كلامه غير عادية: «كانت صغيرة في السن.. وبررت لها أمي غيابي المتكرر عن البيت بأنني أعاني من مرض الأعصاب على مستوى المعدة وأتلقى العلاجات الضرورية في إحدى المستشفيات». بارتباك «محمد» وتخوفه مما ستحمله له الأيام. أضحت كل الأمور في نظره لا تحمل إلا الأسوأ. كرر هذه العبارة لأكثر من مرة. «لم أخبر زوجتي بحقيقة مرضي، كي لا تظن أنني أحمق وسأقتل ابننا يوما»، قال وقد اغرورقت عيناه بالدموع. يتذكر «محمد» إحدى اللحظات التي يقول عنها إنها زادت من تفاقم وضعه، والتي جرت أحداثها في مستشفى الرازي، عندما أقدم مريض على ضرب ممرض إلى أن سالت دماؤه. جعله المشهد يعود إلى حالته المرضية وحالة اكتئاب وانهيار عصبي. بين الجملة والجملة، يصمت «محمد» طويلا. يعاود الحديث وعيناه تنظران إلى اللا شيء: «لم أنس المشهد إلا بعد مرور عدة شهور، رغم كل المسكنات الطبية التي استهلكتُها». تستحضر ذاكرته كل اللحظات التي عاشها مع المرضى عقليا ومع المختلين، وبحركات لا إرادية متشنجة، يصف المشهد بكونه لم يكن يخلو من الضرب والصراع والصراخ والكلام النابي.. يقول «محمد» إن كل هذا يستحضره «كالأرواح الشريرة»، تطارده في المنام، كما في اليقظة. يتأسف «محمد» قائلا إنه رغم بلوغه ال35 سنة إلا أنه يشعر بضعف كبير أمام أبسط الأمور ويتخوف من المستقبل ومما يحمله من أنباء قد تواجه أي شخص في حياته. لم يكن يتصور أن يتواجد يوما ما بين مرضى «الرازي»، لأن الفضاء يوحي له دائما بأنه مكان خاص ب»الحمقى والمجانين». يقول بصوت خافت: «كان تواجدي بالمستشفى نتيجة انهيار وضعف وزاد الوضع تأزما فقداني زوجتي وابني»... «روميو العاصمة» ينتهى في مستشفى الأمراض العقلية ` قبل مقابلة «حسن»، مر أحدهم وهو يتكلم عن شخص يُلقَّب ب «رميو»، خرج من مستشفى الرازي وهو يقول: «عفا عْليه اللهْ».. لم يتبادر إلى ذهن «حسن» أنه هو المقصود بهذا اللقب «الأسطوري» إلا بعد أن استفسر ذلك الشخص، وفي الوقت الذي كنا ننتظر خروج «حسن» من حصة العلاج الأخيرة، أشار الشخص بعينيه إلى «حسن»، في إيحاء إلى أنه المقصود. إلا أن «حسن» لم يعلم شيئا عن سبب ذلك الكلام، فأجاب ضاحكا: «إن كنتُ، فعلا، أنا المقصود فهم على صواب، لأنني عندما أحب، أحب بصدق»، يقول «حسن» عن ماضيه الذي لم يخلُ من المغامرة، حيث عاش تجارب لم ينل منها حظا، يقول «حسن» بعفوية: «أن يُخفق الإنسان في حياته الشخصية أربع مرات ليس مسألة سهلة، خاصة في الأمور العاطفية والحميمية». كما أن الفشل في العمل زاد الوضع حدة، حيث كان «حسن» موظفا في المكتب الوطني للسكك الحديدية. اعتبر أن الفشل في العمل لم يأت من فراغ، له أسبابه ودواعيه. أمور كثيرة دفعت «حسن» إلى الانغلاق على نفسه، بعد أن فقد عمله وتحطمت آماله. فكرت الأسرة في أن تنقذه من البطالة والشارع. بدأ يشتغل في تجارة السمك في إحدى المدن المغربية، لكن ثقل الضرائب الذي يقابله ضعف المدخول المادي، من جهة، والمنافسة القوية التي يعرفها المجال، من جهة أخرى، دفعته إلى تغيير المهنة، حيث لاحظ أن الكثير من الباعة يتاجرون، خفية، في المخدرات، لكي يحسّنوا مدخولهم اليومي. حاول التأقلم مع الوضع ولو لملء الفراغ. تعرف «حسن» على فتاة عشقها وعاش معها لحظات اعتبرها من أجمل اللحظات، لكنْ سرعان ما بدأت العلاقة في التأزم، بعد أن حبلت منه عشيقته. قال إنه لم يكن يرغب في التخلي عن الجنين وأخبرها أنه لا مانع لديه من تحمل مسؤوليته وأنه على استعداد تام لإخبار أسرته بالموضوع على أساس أن يتزوج بها ويحتفظ بالابن، إلا أنها أصرت على أن تجري الإجهاض، فاستسلم للأمر الواقع، بعد أن أقنعته بأنها لا ترغب في الاحتفاظ بابن غير شرعي. تكرر «الخطأ»، مرة أخرى، وكان «حسن» يظن أن الفتاة كانت تتناول أقراص منع الحمل بانتظام، فرفض أن يتخلص للمرة الثانية من الجنين. لكن الفتاة اتخذت قرارها النهائي بإنهاء علاقتها ب»حسن»، الشيء الذي جعله ينهار، بعد أن أحب الفتاة إلى درجة لم يستطع معها التخلي عنها في لحظة كان بإمكانه أن يتخلى عنها، ببساطة، عندما حبلت منه. انهارت نفسية «حسن» ولاحظت الأسرة أن ابنها ليس في حالة جيدة. فكرت في أن تأخذه في رحلة ويسترجع «أنفاسه». لكنْ ولعدم قدرته على نسيان الوضع، دخل عالم الإدمان، ليعيش في عالم خارج عن الذات والواقع «المنحط»، كما وصفه. تزامنت عودته إلى المدينة التي يعيش فيها ذلك مع مناسبة عائلية حضرها. لفتت انتباهَه فتاة من العائلة. تقدم لطلب يدها إلا أن أسرته رفضت ذلك، أصر على الزواج منها، فتحدى الكل، وكان له ما أراد... في لقائنا مع «أم حسن»، أثناء زيارتنا مستشفى الرازي، قالت إنها أخبرت الفتاة أن ابنها «سكير، حْشايشي وبزناس»، لكي تقنعها بأن تتراجع عن الزواج منه، بعد فشل ابنها في كثير من العلاقات، لكن الأمور كانت، في البداية، لصالح «حسن». الزواج فترة نقاهة تحولت إلى بركان أحس «حسن»، في بداية تجربة الزواج، أن الأمور على ما يرام وشعُر أنه بدأ يبتعد عن المخدرات والخمر اللذين أدمن عليهما، بعد فشله المتكرر في العلاقات العاطفية... رزق بطفلة من زوجته، وفي الفترة التي كانت الزوجة حاملا، أخذها «حسن» بعيدا عن العائلة والأسرة، لتفادي أي صراع أو مشاداة بين الأسرتين، حيث إن النساء في هذه الفترة الحرجة اعتدن إرجاع التُّهَم إلى «الوحم».. اكترى بيتا صغيرا إلى أن أنجبت زوجته. ونظرا إلى الوضع المادي المريح لأسرة «حسن»، فقد ارتأت الأم أن تقتني له منزلا خاصا. وتركت أم حسن لزوجة ابنها صلاحية اختيار البيت المناسب، حسب ذوقها. يقول «حسن» إن تصرفات زوجته تغيرت تجاهه وتساءل عن أسباب تراجع اهتمام زوجته به وتراجع حرصها على أداء واجباتها الزوجية، إلى أن فوجئ بجوابها يوما عندما حاول أن يناقش معها الموضوع بشكل جدي، حيث قالت له :»إن أردت أن تستمتع بحقوقك الزوجية، عليك أن تدفع ثمنها!»... فكر «حسن» في الطلاق لكنه تردد كثيرا وتخوف من مصير ابنته البالغة من العمر 8 سنوات. أكد أن أفراد أسرته ضبطوا زوجته وهي تخونه، لكنهم لم يخبروه، مراعاة لحالته الصحية والنفسية. لم يعلم بذلك إلا بعد مدة طويلة، مما اعتبره «حسن» عاملا أساسيا دفعه إلى تعاطي الكحول والمخدرات، من جديد، خاصة الأنواع الرخيصة منها. أضحت كل سلوكاته عنيفة وعدوانية، انتقاما من زوجته التي أحبها وخانت «الرباط المقدس»، فلم يكن من حل أمام أسرة «حسن» سوى إدخاله مستشفى «الرازي»، بعدما ساءت حالته النفسية.. بعد أن تعافى، قرر نسيان كل ما حدث والعودة إلى حضن زوجته، التي رفضت استقبال زوجها بحجة أنه «أحمق ومجنون». طلبت منه الطلاق، في نهاية المطاف، وهو ما تم، رغم أنه رفض القرار في البداية. حكمت المحكمة لصالح الأم باحتضان الطفلة وتدخل «حسن» وأخبرها أمام رئيس المحكمة: «إيلا كاتتكرفس على البنت ويلا ضبطنا شي حاجة غادي نّاخذها».. لتتنازل الأم، من تلقاء نفسها، عن حضانة الطفلة لصالح الأب، لكن هذا الأخير ما زال يعالَج في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، بعد محاولات فاشلة للانتحار.
فشل في ثلاث زيجات جعل الفشل في الزواج لمرات عديدة «محمد»، البالغ من العمر 50 سنة، يعيش حالة من الاكتئاب والتشتت الذهني حوّلت حياته إلى جحيم يومي ومعاناة مستمرة، ما دفعه إلى عرض حالته على أطباء نفسانيين في «مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية»، بعد إدمانه على المخدرات امما زاد من تفاقم الوضع.. يقول «محمد» إنه تزوج للمرة الأولى والثانية فالثالثة، وكل الزوجات اللواتي مررن في حياته لم يكُنّ من اختياره الشخصي أو بعد علاقة عاطفية، بل كنّ كلهن من اختيار والدته، لكثرة إصرارها على مقترحها بخصوص الزوجة التي تراها، من وجهة نظرها، مناسبة. إلا أن «محمد» لم يفلح إلا في تجربة الزواج الرابعة، لكنه كان قد تأخر في إيجاد الزوجة المناسبة، بعد أن تقدم به العمر وخانته حالته الصحية. «حلمتُ أن أنجب أطفالا في سن مبكرة، مثل جميع زملائي»، يقول «محمد»، متحسرا، معتبرا أن فشله في الزواج يرجع بالأساس إلى طبيعة عمله التي لم تسعفه في إيجاد المرأة المناسبة والمتفهمة، حيث كان يشتغل في عدد من القطاعات الحساسة التي تستدعي العمل الميداني فقد بدأ عمله في مجال استخراج المواد الغازية والبترولية «الخطيرة». وبعد مرور حوالي 30 سنة من العمل في هذا القطاع، طلب الاشتغال كموظف في الإدارة إلا أن هذه الأخيرة تراجعت عن التزامها بأحقية التحاق العاملين الذين قضوا أزيد من 10 سنوات في «الأعمال الشاقة» -على حد قوله- خارج الإدارة، في الالتحاق بالإدارة. كما سبق ل»محمد» أن عمل كطيار في المجال العسكري، حيث قضى في مجال الطيران حوالي سنتين. يحكي «محمد» أن طبيعة عمله ساهمت، هي الأخرى، في تغيير مسار حياته من الإخفاق في الحياة العاطفية، التي لم يدق فيها حلاوة الحب، نحو حياة الإدمان على الكحول، ل«نسيان» ماضي الفشل والانهزامات «المجانية»، على حد تعبيره. بعد الرغبة في الاستقرار، للتخلي عن الإدمان ونسيان كل المشاكل التي مر منها والتي مزجت بين العاطفة والعمل، حل «محمد» بمستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية على أمل أن يعالَج ويعود إلى الحياة العادية والطبيعية، بعيدا عن الكحول والهروب من هاجس العمل المضني. استرجاع «محمد» ماضي الفشل العاطفي الذي قاده إلى الإدمان، في مرحلة أولى، ثم إلى المستشفى، في مرحلة لاحقة، جعله يحس بنوع من الاكتئاب الحاد، الذي تحول إلى حالة مرَضية، جراء اللوم وانتقاد الذات عن أسباب فشله لأربع مرات، دون معرفة مكامن الخلل والحلم المجهَض في نيل حظه من الزواج والأبناء في الوقت المناسب.