يرى الدكتور وناس عبد الرزاق، اختصاصي في الأمراض النفسية والعقلية بمستشفى الرازي، أن الأزمات النفسية أو الاضطرابات العقلية التي يتعرض لها بعض الأشخاص، ليست وليدة اللحظة بل لها ارتباط بعدة عوامل وتراكمات سالفة، صراعات اجتماعية، مشاكل عاطفية وغيرها- إلا أن المرضى في مجتمعنا لا يعرضون أنفسهم على الطبيب، وإن كان فإنه يأتي في مرحلة متأخرة، وهذا راجع بالأساس إلى اكتفاء الكثيرين بالعلاج التقليدي و«العقائدي»، عن طريق الأضرحة والزوايا المعروفة، أضف إلى ذلك أن المجتمع المغربي يجعل من الوضع البسيط مشهدا دراميا، الشيء الذي يفاقم حالة المصاب بمرض نفسي بسيط إلى حالة متقدمة قد تنتهي بالانتحار في بعض الأحيان. هل تعتقد أن المريض نفسيا يحس بأن الكل ينظر إليه على أنه فاشل وضعيف الشخصية؟ - بالنسبة لي أعتبر أن الأمراض العقلية والنفسية تكون آثارها لصيقة بالشخص المريض رغم أنه يتابع حالته عند الطبيب المختص، غير أن تركيبة المجتمع لا تساعد المريض في تخطي هذه المرحلة الحرجة، خاصة عندما يكون السبب وراء ما وصل إليه المريض مرتبطا بالعاطفة، فتجد مثلا الشخص الذي يستأنف عمله بعد تعرضه لانهيار عصبي نفسي، بسبب فشل في علاقة ما..يحس بنفسه غريبا، لا سيما عندما يكون المحيط الخارجي على علم بطبيعة العلاقة التي كانت تربط بين المريض، والطرف الآخر -خاصة- إذا كان من داخل نفس المؤسسة، حيث إن أي سلوك يصدر من زملائه في العمل ولو لم يكن هو المقصود يكون له تأثير قوي على نفسيته، ويظن لا إراديا أنه المقصود وهنا تزيد الأمور تعقيدا، وهذا فقط على سبيل المثال، إذ لا يمكن إسقاط نفس الشيء على جميع الحالات لأن الأمر يختلف من حالة إلى أخرى.
هل الأسرة تساعد المريض على تجاوز مرحلة المرض أم تزيد من تعقيدها؟ - بالنسبة للأسرة في مجتمعنا المغربي تجعل من الوضع دراما مأساوية، الشيء الذي يدفع المريض إلى حالة من الاكتئاب والعزلة وأحيانا أخرى إلى التفكير في الانتحار، خاصة عندما لا تكون الأسرة على علم بالمشكل لأن الطرف المعني تصيبه الخيبة منذ البداية في فتح الحوار مع الأسرة وطرح المشكل على طاولة النقاش للخروج بتسويته قبل فوات الأوان، لكن الدافع الأساسي الذي يجعل من المريض يلتزم الصمت، هو عدم اعتراف العائلة بالأخطاء خاصة العاطفية منها، أو الفشل وتحديدا عندما يتعلق الأمر بالفتاة، أضف إلى ذلك غياب الحوار في المواضيع الحساسة، ك(الجنس، علاقة حب، تجربة عاطفية..) وبالتالي ينتج عن هذا الفراغ عدة تراكمات تلازم المصاب إلى أن تتطور الحالة وتصل في بعض الأحيان إلى حالة مرضية مزمنة. وأعطي مثالا أستقيه من حياتنا اليومية، الفشل «يعالجه» المجتمع بالقمع والعنف، الفتاة التي لم تنجح في حياتها الزوجية لا تسلم من التهم والإشاعات، «لماذا لم تصبري وتكافحي مع زوجك من أجل أبنائك»، فأي شخص قد يتعرض للفشل في أي مجال والعيب هو «أن تسقط ولا تستطيع الوقوف»، هنا أقول إن المجتمع المغربي «يضخم» الأمور ويضع الضحية دائما في موقف المتهم الرئيسي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أعتقد أن السبب الرئيسي الذي ينتج عنه غياب تفهم أسري للمريض الذي نسهر على تتبع حالته الصحية، هو أن أغلب هذه الحالات يغيب في أوساطها عنصر مهم من عناصر العلاج النفسي دون الحاجة إلى اللجوء للأقراص المهدئة، هو النقاش الأخوي، لأننا كاختصاصيين في هذا المجال يضع فينا المريض الثقة الكاملة، ونحن مجبرون على كتمان السر الذي يرفض هذا الأخير أن يطلع عليه أحدا سوى الطبيب المعالج، وبالتالي تجاهل العائلة للمشكل قد يفضي إلى تأزم الوضع النفسي عند المريض، وحسب بعض الحالات التي عملت على تتبعها لاحظت أن الأسر التي تعرف المشكل الحقيقي، الذي يعاني منه المريض يسهل علاجه لأن تعامل الأسرة يسير في نفس المنحى، بمعنى أنهم يحاولون إخراج المريض من وضعه «المرضي» إلى وضعه العادي، وهنا يكملون دور الطبيب- على الأقل- بشكل نسبي.
هل الحالات الأكثر تعرضا للصدمة النفسية جراء الفشل في العلاقات العاطفية هم النساء أم الرجال؟ - في اعتقادي أن الحالات الأكثر تعرضا للصدمة جراء الفشل العاطفي أو الفشل في الحياة بشكل عام هم النساء، لماذا؟ هذا لا يعني أن الرجال الذين يتعرضون لهذا النوع من الإحباط لا يعانون من الأمراض، بل هناك حالات انتحرت أو أصيبت بخلل في الدماغ جراء الفعل، لكن الفرق بين هذين العنصرين هو أن النساء لهن القدرة على الإفصاح عن المشكل وإفراغ ما بدواخلهن، أما الرجال فهم دائما يستحضرون مسألة بديهية ترتبط بضعف الرجل أمام مشكل معين أو عجزه عن حل المشاكل وبالتالي يتهمه المجتمع بشكل لا إرادي بضعف الشخصية أو ما يطلق عليه في العامية «ماشي راجل»، وهذا التعبير يسنده هو الآخر لنفسه خاصة عندما يتعلق الأمر بالإحباط العاطفي «إلى بينت لها (المرأة) الضعف أنا ماشي راجل»، ونحن في المجال الطبي لا نربط مسألة الرجولة، بالإخفاق وإنما الرجال عادة ما يلتزمون الصمت وهم بأنفسهم من يسقطون هذا الحكم على ذواتهم.