«أستطيع أن أتعاطى مع جميع الأسواق الخارجية، باستثناء السوق المغربي الذي لا أعرف كيف أتعامل فيه»، هكذا تحدث طارق القباج، الذي نزع للحظة قبعة عمدة مدينة أكادير كي يعتمر قبعة المستثمر في القطاع الفلاحي، خلال الندوة التي نظمت بمناسبة المناظرة الوطنية للفلاحة التي شهدتها مدينة مكناس، الثلاثاء المنصرم، حيث انكب ممثلو المهنيين وممثلو الإدارة على التداول حول تحولات السوق الداخلي المغربي، الذي تبين أنه يعرف العديد من الاختلالات التي تنال من سلاسته، مما ينعكس على المنتجين والمستهلكين على حد سواء.. حديث القباج ذاك يعكس حيرة الفاعلين في القطاع الفلاحين بسبب عدد الوسطاء وعدم تطبيق القانون والإخلال بالالتزامات من قبل المتدخلين، مما يزج بالسوق الداخلي في حالة من الفوضى التي تنال من أهداف المخطط الأخضر. تأهيل ولكن تلك وضعية تظهر بشكل جلي في قطاع تربية الدواجن، الذي يؤكد المهنيون فيه أنه حقق أهداف العقد البرنامج الذي أبرمه مع السلطات العمومية كي يغطي الفترة الممتدة بين 2009 و2013 في السنة الفارطة، أي قبل التاريخ المحدد، فقد تمكن المهنيون من إحداث 22 مجزرة عصرية، غير أنها لا تشغل سوى ما بين 15 و20 في المائة من طاقتها الإنتاجية، وهو ما يرده بدر الدين السوسي، رئيس الفيدرالية المهنية لقطاع الدواجن، لسببين اثنين، يتمثل السبب الأول في عدم التزام شركات المطعمة الجماعية بمقتضيات القانون التي تفرض عليها التزود بحاجياتها من الدواجن من تلك المجازر العصرية، ويتجلى السبب الثاني في انتشار «الرياشات» في العديد من المناطق، علما أن المهنيين ما فتئوا يعتبرون في السنوات الأخيرة أن «الرياشات» الحلقة الأضعف في القطاع، وسطاء لكن نزهة السقاط، المديرة العامة لشركة «أربور»، شددت أكثر على أن السوق الوطني يعتبر كابحا أمام تثمين المنتوج، فهي تعيد إثارة مشكل ما فتئ يعاني منه السوق المغربي، ويتمثل في الوسطاء الذين يتدخلون بين المنتج والمستهلك، حيث أحصت ما بين 7 و8 من الوسطاء يتدخلون بين الطرفين، بما لذلك من تداعيات سلبية على مداخيل المنتج والأسعار عند الاستهلاك، وهي تعتبر أن أسواق الجملة للخضر والفواكه يجب أن تصبح فضاءات لتثمين المنتوج الفلاحي، عبر وحدات للتخزين والتعبئة والتلفيف، وهو ما يقتضي التفكير عند الحديث عن الأمن الغذائي في المغرب في المنتج، الذي يفترض أن يحصل على عائدات مجزية قياسا بالمجهود الذي يبذله.. ذلك يفترض بذل مجهود كبير على مستوى إعادة تأهيل أسواق الجملة للخضر والفواكه والاستثمار في اللوجستيك، بما يتيح طمأنة المنتجين على تثمين ما يوفرونه من منتوجات للسوق المغربي. اختلالات وأشارت منية بوستى، الكاتبة العامة لوزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثةّ، إلى أن 20 في المائة من نقط البيع في المغرب، التي يصل عددها إلى 700 ألف، تتعلق بالمنتوجات الطرية، حيث يصل رقم معاملات المنتوجات الطرية إلى 40 مليار درهم، ونتيجة وزن المنتوجات الطرية في قفة الأسر المغربية، حيث يمكن أن يصل إلى 50 في المائة من النفقات في ظل ارتفاع الأسعار، ويفترض، حسب بعض المنتجين، تطهير السوق من تدخل الوسطاء، خاصة أن تدخلهم، حسب ما أوضحته بوستة، قد يفضي إلى ارتفاع الأسعار إلى ما بين 20 و30 في المائة، لتقفز تلك النسبة في بعض الأحيان إلى 100 في المائة، مما يعني أن الوسطاء في المغرب هم المستفيدون من الاختلالات التي تعرفها السوق المغربية، خاصة أن المداخيل التي تأتي من أسواق الجملة للخضر والفواكه والتي يصل عددها إلى 38 سوقا في المغرب لا تتعدى 300 مليون درهم.. وتعول وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة على معالجة إشكالية الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين في هذا القطاع، والنموذج الاقتصادي المعتمد في أسواق الجملة للخضر والفواكه، إذ انخرطت الوزارة في إعداد مخطط وطني لتوجيه إحداث أسواق الجملة، يصب في اتجاه إعادة تنظيم مسالك توزيع قطاع الخضر والفواكه وإعادة هيكلة هذه الأسواق، بالتقليل من عدد الوسطاء وتحسين النموذج الاقتصادي لأسواق الجملة. وتتطلع وزارة الصناعة والتجارة إلى إدماج أسواق الجملة ضمن رؤية شمولية لإحداث فضاءات مندمجة، ومشاريع مهيكلة منبثقة عن السياسات القطاعية الأخرى كالفضاءات الصناعية المندمجة، والفضاءات اللوجيستية والمذابح... المستهلك حضر المستهلك في النقاش حول السوق الداخلي عبر الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك، حيث ارتأى كاتبها العام، محمد أوحسين، التعبير عن وضعية المستهلك عبر أرقام دالة، فهو يقول إن 5000 شكاية توصلت بها الفيدرالية، 54 في المائة منها تتعلق بتسمم غذائي، مشيرا إلى أن 45 في المائة من تلك الشكايات تهم أطباقا معدة بواسطة اللحوم، وهو يشير إليه استقراء للرأي أنجزته لدى 314 شخصا أشاروا إلى غياب هاجس النظافة، وهذا ما يتناغم مع ما سبق أن عبر عنه العديد من المهنيين في عدة مناسبات، حيث ينتقدون وضعية المجازر البلدية وينبهون إلى سيادة الذبيحة السرية التي أصبحت لها معاقل خاصة بها، مما يجعل أرقام استهلاك اللحوم في المغرب غير دقيقة لأنها لا تدمج مساهمة الذبيحة السرية، التي تصل في مدينة مثل الدارالبيضاء إلى 80 في المائة، وتلك ممارسة شائعة في العديد من المناطق في مدينة كالدارالبيضاء، حيث يعمد المتعاطون لها إلى شراء الذبائح من الأسواق الأسبوعية أو تحت جنح الظلام، عندما يتعلق الأمر بذبائح تنخرها الأمراض. فالذبيحة السرية تباع للمشتري دون أن تخضع للمراقبة البيطرية، بما ينطوي عليه ذلك من أخطار على صحة المستهلك، غير أن معاقل الذبيحة السرية ليست الوحيدة للحوم الحمراء، بل ترد على مدينة الدارالبيضاء مثلا كميات كبيرة من الأسواق الأسبوعية ومن بعض المدن، حيث تنقل في غالب الأحيان في أكياس تفتقر للشروط الصحية الواجبة. اختصار المسافة يعتبر العديد من المهنيين أن الجهود التي تبذل في مجال تأهيل سلاسل الإنتاج وتوفير الإنتاج بكميات وافرة، سوف تبقى غير ذات معنى إذا لم يتم تنظيم السوق الداخلي، عبر اختصار المسافة بين المنتج والمستهلك، وهو ما يقتضي تطهير تلك المسافة من الوسطاء الذين يعتبرون المستفيدين الأولين من حالة الفوضى التي يعرفها السوق الداخلي. في الوقت ذاته يعتبر بعض المهنيين أن المدخل لتطهير السوق الداخلي يمر عبر معالجة مشكل أسواق الجملة للخضر والفواكه والمجازر الحضرية، التي تسير بطريقة تغيب فيها المعايير التي تراعي مطلب الشفافية والسلامة، وهو ما يعزوه الكثيرون إلى عدم تطبيق القانون..