عكس كل الإذاعات الخاصة التي واصلت برمجتَها المعتادة بعد الحادث الإرهابي، الذي شهدته مراكش يوم الخميس، 26 أبريل الأخير، خصّت إذاعة «راديو بْليس» الاعتداء الشنيعَ بتغطية صحافية مهنية استطاعت من خلالها طاقم الإذاعة، الذي انتقل بأجود صحافييه، يتقدمهم لحسن عواد وأديب السليكي، من مدينتي أكادير والدار البيضاء إلى مراكش، التي شهدتْ فيها مقهى «أركانة»، المطلة على ساحة «جامع الفنا» الشهيرة اعتداء مأساويا أودى بحياة الكثيرين (استطاعت) أن يغطي الحادث الإرهابيَّ من مختلف جوانبه. وتكريسا لنهج «راديو بْليس» في تغطيتها المهنية لكافة الجوانب المحيطة بحادث الاعتداء الرهيب، قدّم برنامج «بصراحة»، من مراكش، واستثناء، حلقة مباشرة في نفس الليلة عن الفاجعة، بُثت من أكادير. وخلال هذه الحلقة، روى شاهد عيان (وهو أحد الناجين القلائل الذين ظلوا أحياء ويشتغل نادلا في «أركانة» منذ أزيد من 20 سنة) تفاصيل «الخميس الدامي» واللحظات التي سبقت الاعتداء الإرهابي، الذي هزّ نفوس سكان المدينة الحمراء ونفوس كل المغاربة وأعاد إلى الأذهان فواجعَ سابقة كانت المملكة قد عرفتْها، حيث قال: «حضرتُ إلى المقهى حوالي ال11 و35 دقيقة... كان هناك حوالي 30 من الزبناء... تناولتُ بعض الكؤوس لأبدأ عملي، ارتأيتُ أن أغسلها في الداخل عوض «الكونطوار»، لأسمع، بعد ذلك مباشرة، انفجارا دمّر كل واجهة المقهى... نسف الانفجار الطابق الأول بأكمله وجزءا من الطابق الأرضي.. ذُهِلتُ مما وقع وشققتُ طريقا بين الجثث وأشلاء الكراسي والطاولات للإفلات بجلدي.. كانت هناك أشلاء بشرية متناثرة في كل الأرجاء.. بعد أن استرجعتُ أنفاسي، عدت لأباشر عملية إنقاذ مَن يمكن إنقاذه، بمساعدة مجموعة من المواطنين الذين تطوعوا لتقديم يد المساعدة، رغم الدمار الكبير الذي عمّ المقهى.. ورغم المَشاهد المرعبة لبقايا الأشلاء البشرية ومنظر احتراق الجثث، فقد تناولتُ مطفأة الحريق وأطفأتُ النيران التي كانت مشتعلة في أزيد من 6 جثث.. ثم شرعت في إزالة الموائد، بعد سماعي أنين بعض ممن بقوا على قيد الحياة وأنقذتُهم، وكانت بينهم طفلة تبلغ من العمر بالكاد 13 أو 14 سنة»... وقد كان النادل جد متأثر وهو يروي تفاصيل وفاة زميله ياسين البوزيدي.. (لم يكن لديه عمل في يوم الخميس ذاك، كما روت أمه في نفس الليلة)... انتقل البرنامج، بعد ذلك، لاستضافة أم الضحية، الذي كانت آخر مرة رأته فيها في ال11 ليلا هي ووالده، حيث لم يغادر منزلهما إلا في وقت متأخ من الليل ليلتحق ببيته (أب لطفلة في ال6 من عمرها وزوجته حامل في شهرها الرابع): «طلب مني أن «أدعو الله» أن يرزقه طفلا»، قالت الأم المكلومة، مسترجعة، بقلب الأم المفجوعة في فلذة كبدها، طيف «ياسين»، غير مصدقة أن أيادي الإثم استطاعت أن تغصب حياته في لحظة إرهاب غادرة... وفي لقاء آخرَ على نفس المحطة، قالت أرملة ياسين البوزيدي إنها تبادلت معه حديثا مقتضبا في ليلة الفاجعة، قبل أن يستسلم للنوم.. «على غير عادته، لم يُقبّل ابنتنا، التي أسرّت لي بهذه الملاحظة».. في خضم ذلك، لم تتوقف الوالدة عن ترديد «الله ياخذْ فيهومْ الحق»... «لم يكن ذلك يومَ عمله.. اتصلوا به في منزل والديه وأخبروه أن عليه أن يأتي إلى العمل في الغد. استشار والديه، ليخبره والده أن واجب العمل يقتضي منه أن يلتحق بالعمل، وإنْ لم يكن ذلك اليوم يومَ عمله»... وهو يغادر بيتَه في اتجاه مقهى «أركانة» في ذلك الخميس «الأسود»، الذي كان من المفترض أن يكون يومَ عطلة بالنسبة إليه، لم يكن «ياسين» يدرك أن قدَره المحتوم يتربص به في هذه المقهى التي أمضى فيها أكثر من 20 سنة لتختطفه أيادي الغدر وترزأ عائلته فيه، هو النادل البسيط، الذي كان يعيل عائلة صغيرة من ثلاثة أفراد في انتظار مولود ثانٍ لم تُرِدْ له الأيادي الآثمة أن يرى النور في حضن والديه، بل حكمت على والده بأن يموت بتلك الطريق الهمجية... وقد واصلت «راديو بْليسْ» تغطية الحدث يومي الجمعة والسبت. وفي هذا الإطار، خصّت الإذاعة المذكورة جنازة المرحوم ياسين البوزيدي بتغطية شاملة لمختلف مراحلها، عبر تخصيص تقارير ومراسلات غطّت كل مراحل العملية، بدءاً من إخراج جثمانه من مستودع الأموات، حيث أوفدت الإذاعة صحافيا وافاها بكل ما يتعلق بذلك الجانب، إلى تشييع جثمان الراحل إلى مثواه الأخير، بعد جنازة مهيبة شارك فيها أصدقاء وجيران «المغدور» ياسين البوزيدي...