شاعر الغضب لم يسكن غضبه في أيامه الأخيرة، بل ازداد حدّة واستعاراً، شاعر الحبّ لم تخمد في قلبه المريض جذوة الحب، بل اشتدّ اشتعالها... نزار قباني الذي رحل قبل عشرة أعوام يعود الى قرائه في قصائد مجهولة وغير منشورة دأب على كتابتها في عزلته اللندنية وعلى سرير المرض في المستشفى. قصائد لم ينل منها الوهن ولا خمدت فيها روح الثورة ولا هجرها نزق الشباب. ها هو يكتب مثلما اعتاد أن يكتب طوال حياته، بحماسة ولوعة وحنين... وشاء في تلك اللحظات أن يودّع العالم العربي راثياً أحواله البائسة ومعترضاً ومحتجاً بصوته العالي والجريء طَعَنُوا العُرُوبةَ في الظلام بخنجرٍ -1- لا تَسأليني، يا صديقةُ، مَنْ أنا؟ ما عُدْتُ أعرفُ... - حينَ اكتُبُ - ما أُريدُ... رَحلتْ عباءَاتٌ غَزلتُ خُيُوطَها... وتَمَلمَلَت منّي العُيُون السُودُ... لا الياسمينُ تجيئُني أخبارُهُ... أمَّا البَريدُ... فليسَ ثَمَّ بَريدُ... لم يَبقَ في نَجدٍ... مكانٌ للهوى أو في الرَصَافَةِ... طائرٌ غِرِّيدُ... -2- (...) لا تسأليني عن مخازي أُمتي ما عدتُ أعرفُ - حين أغضبُ - ما أُريدُ... وإذا السيوفَ تكسرت أنصالُها فشجاعةُ الكلمات... ليس تُفيدُ... -3- (...) لا تسأليني... من هو المأمونُ... والمنصورُ؟ أو من كان مروانٌ؟ ومن كانَ الرشيدُ؟ أيامَ كان السيفُ مرفوعاً... وكان الرأسُ مرفوعاً... وصوتُ الله مسموعاً... وكانت تملأ الدنيا... الكتائبُ... والبنودُ... واليومَ، تختجلُ العروبةُ من عروبتنا... وتختجلُ الرجولةُ من رجولتنا... ويختجلُ التهافتُ من تهافتنا... ويلعننا هشامٌ... والوليدُ! عن جريدة الحياة