منذ ظهور حركة 20 فبراير على الساحة السياسية والمغرب يعرف حراكا سياسيا على جميع المستويات، سواء تعلق الأمر بالدولة أو بالأحزاب السياسية. والفضل في هذا راجع إلى هذه الحركة التي هي بدورها، حسب التحليل الموضوعي أو حسب رأيها، لم تأت من فراغ بل هي ثمرة صيرورة تاريخية واسعة، وهي أيضا نتاج لتراكمات سياسية عرفها المغرب سابقا من إضرابات ومظاهرات وانتفاضات شعبية ثم صراعات بين الدولة والأحزاب الوطنية التقدمية إبان سنوات الرصاص، كما يرجع الفضل أيضا إلى هذه الحركة، وبضغطها أيضا وبالتطورات التي عرفها العالم العربي أتاحوا الفرصة لكل الأحزاب السياسية، منها الرجعية واليمينية والإدارية ومنها أيضا الأحزاب اليسارية التقدمية، كي تشارك وتدلي باقتراحاتها في ما يسمى بمراجعة وتعديل الدستور، علما بأنه لم يسبق للأحزاب أن شاركت في مثل هاته العملية منذ دستور 1962 إلى يومنا هذا، حيث إنها كانت مغيبة تماما في أي تعديل دستوري. لكن الملاحظ في هذا الحراك والمخاض السياسي الذي يعرفه المغرب وعلاقته بالمراجعة الدستورية هو غياب الجرأة السياسية لدى أغلبية الأحزاب، وذلك في اقتراحاتها وتصوراتها للدستور الجديد، وخاصة في ما يهم الفصل 19 الذي يعتبر هو المحور الرئيسي في هاته المراجعة باعتباره هو الفصل القوي والمتحكم في عدة أبواب من الدستور، حيث أتيحت لهذه الأحزاب فرصة تاريخية للنهوض بالمغرب من الأسوأ إلى الأفضل والخروج به من دولة تبعية استبدادية واستغلالية يتفشى فيها الفساد بكل أنواعه إلى دولة ديمقراطية ذات سيادة شعبية وجماهيرية يحكمها قانون ودستور يتماشى مع طموحات أغلبية الشعب المغربي. لكن الذي اتضح بالملموس هو تخاذل وتكالب أغلبية الأحزاب، إلا من رحم ربي، والالتفاف على مطالب حركة 20 فبراير والمطالب التي سبق للأحزاب الوطنية التقدمية الوطنية المناهضة للاستبداد والاستغلال أن رفعتها منذ سنوات خلت، وذلك في ما يتعلق بالاقتراحات المخجلة التي تهم الدستور. من هنا، يتأكد للمتتبع للمسار التاريخي السياسي المغربي ولكل الغيورين على هذا البلد أن النظام السياسي المغربي عندما كان يصنع أحزاب إدارية ضدا على إرادة الشعب تحت ذريعة «التعددية الحزبية»، كالأحزاب التي ظهرت فجأة سنة 1978 وسنة 1983 ثم سنة 2008 وغيرها من الأحزاب الممخزنة والمرتشية، لم يكن يصنعها عبثا وإنما كان يخلقها ويقويها بالمال العام ليستفيد منها في مثل هاته المراحل والأزمات الصعبة حتى ترد إليه الجميل وتقف سدا مانعا لأي حركة أو غليان شعبي ينادي بالتغيير. إضافة إلى هذا، ليس اللوبي المتحكم في صنع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحده الذي يقف حاجزا في وجه المناداة بالتغيير، وإنما يفعل ذلك بمشاركة الأحزاب الفاسدة آنفة الذكر.. هما معا يتكالبان ويلتفان على مطالب الشعب، لأن هذه الاحتجاجات والمظاهرات التي تطالب بالتغيير تهدد وتمس مصالحهم الشخصية ومصالح النظام السياسي السائد الذي صنعهم. لذا ومن خلال هذا الإطار العام وهذه الظروف التي يمر منها المغرب، يجب على كل الأحزاب اليسارية الوطنية والأحزاب التي تتقاسم معها الأفكار والتواقة إلى التحرر والتغيير أن تتقوى وتتحد حول القضايا المصيرية والجوهرية، وتترك ما هو إيديولوجي جانبا حتى تستطيع أن تحقق تقدما إيجابيا، لأن القصية ليست بالسهلة والصراع يفرض على هذه الأحزاب أن تقف جنبا إلى جنب وأن تضع اليد في اليد حتى لا تضيع الفرصة من أمامها، وذلك من أجل زعزعة وخلخلة هذا النظام السائد. والدفع به إلى مراجعة أساليبه في أفق تحقيق أهداف استراتيجية تخدم مصالح الشعب، لأن النظام الفاسد الذي نعيش فيه وبنمط إنتاجه ازدادت فيه الأوضاع ترديا وتخلفا وأصبح البون شاسعا بين الطبقة الفقيرة والغنية، مع ارتفاع نسبة الأمية - البطالة - مشكل المعطلين - منظومة تعليمية منهارة- قضاء فاسد - إهدار المال العام - رشوة وفساد إداري عام - أحزاب منهارة ومنخورة فقدت مصداقيتها وسقطت بدخولها في لعبة مفبركة ومحبوكة مقابل كراس في الحكومة ضد مصالح البلد والشعب. كل هذه العوامل الموضوعية والذاتية، التي أفرزها نظام سياسي متعفن، يجب أن تستغلها القوى الحية الداعية إلى التغيير منذ سنين لصالحها. وليتحقق ذلك، لا بد من الوحدة والتضامن في ما بينهما أولا وأخيرا حتى نستطيع أن نضع دستورا ينبثق من إرادة الشعب.