في عز ثورة الياسمين وثورة النيل، وفي الوقت الذي كان السياح الأجانب يتزاحمون في مطار تونس والقاهرة لضمان مقعد على متن الطائرات العائدة إلى بلدانهم، طرح المكتب الوطني للسياحة على جداريات ولوحات الإشهار في الشوارع وأنفاق الميترو، في باريس وبعض المدن الفرنسية الكبرى، ملصقات إعلانية تدعو إلى اكتشاف سحر وبهاء المغرب، بمناظره الخلابة وحفاوة أهله المعهودة. خلف الكارت بوستال الوردية لبلد «الماء والخضرة»، سعى المكتب إلى تمرير رسالة ضمنية مفادها أن «العام زين. المغرب بخير وعلى خير ولا يخصه سوى النظر في وجهكم العزيز!». بلد بمنأى عن الاضطرابات والثورات التي يشهدها الإخوة الجيران. بكلمة سعت هذه الدعاية إلى التأكيد والتشديد على «الاستثناء المغربي» مع رغبة في استقطاب السياح الذين ألغوا رحلاتهم في اتجاه هذين البلدين، اللذين يعدان المنافس السياحي المباشر للمغرب. يبقى السؤال: هل «استفادت» السياحة المغربية فعلا من انتفاضات الربيع العربي التي شهدتها تونس ومصر؟ هل قصد السياح فعلا المدن التي أطنبت الملصقات الإعلانية في مديحها، مع العلم أن البعض منها تحول إلى مسرح تناسلت فيه، وإلى اليوم، المظاهرات والأحداث؟ ذلك غير مؤكد. فالسياح الذين تخلوا عن تونس، مصر، اليمن، سوريا، لم يأخذوا الطائرة إلى الدارالبيضاء ولا حتى إلى مراكش أو فاس أو أكادير وغيرها من المواقع السياحية، بل فضلوا التوجه إلى إسبانيا (المستفيد الأول)، ثم إلى اليونان، وتركيا التي جاءت في المرتبة الثالثة. وعلى الرغم من التخفيضات التي اقترحتها بعض الشركات السياحية، فإن الحجوزات قاربت الصفر!. المؤكد أن انتفاضات الربيع العربي عرّت عورة البلدان العربية التي جعلت من السياحة العمود الفقري لاقتصادها، وهو اقتصاد ريعي تستفيد منه حصريا الشركات السياحية الغربية وكمشة من الباطرونات ومن رجالات المال والأعمال. حصيلة هذا التواطؤ بادية للعيان: «قتل» للأراضي الفلاحية مع تحويلها إلى منتجعات سياحية، إلى ملاعب للغولف، ومسابح إكزوتيكية، وإلى قرى يعيش فيها السياح في حلقة مغلقة، بعيدا عما يسمونه الأهالي. فالسياحة في تونس مثلا تعتبر أول مصدر للعملة الصعبة، حيث يغطي هذا القطاع 60 بالمائة من عجز الميزان التجاري، كما يمثل 6,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ويشغل قطاع السياحة 350.000 شخص من مجموع 10 ملايين نسمة. ويزور تونس سنويا 6 ملايين سائح. لكن هذا القطاع سقط بين يدي عشيرة بنعلي وعشيرة زوجته الذين استحوذوا وبطريقة مافيوية على شركات الأسفار، وعلى شركات كراء السيارات، والفنادق والمطاعم. أما عائدات السياحة في مصر فقد بلغت 13 مليار دولار سنة 2010 ، بما يقابل 6 بالمائة من الناتج المحلي الخام. بالتواطؤ مع شركات الأسفار متعددة الجنسيات، جعل الطاغيتان بنعلي وحسني مبارك من تونس ومصر بلدين ل«التشمس الغبي»، والتي تقابلها بالفرنسية bronzage idiot Le. لكن مع ثورة الياسمين انبثقت الفقاقيع ليجد العاملون في هذا القطاع أنفسهم «على الضص» أو ليركبوا قوارب الموت في اتجاه لامبيدوسا. كما افتضح في مصر وضع السياحة التي أنتجت وغذت الرشوة، التملق، السرقة، والكذب، أي جميع «الفضائل» السلبية التي تنفر السائح إلى ما لا رجعة. ولاستقطاب 14 مليون سائح الذين يترددون سنويا على مصر، على السلطات الجديدة ابتكار سياحة بديلة، سياحة ثقافية ينصهر فيها السائح مع المواطنين، يقاسمهم الأكل، المبيت. إنها أحسن طريقة لتهذيب وتثقيف السائح ولسلخه عن الآراء المسبقة عن العرب. وفي هذا الاتجاه شرعت بعض الشركات السياحية المصرية في تأهيل السياحة الثقافية باقتراح ساحة التحرير مزارا فنيا وثقافيا للسياح الأجانب. لكن الرهان الحقيقي للدول العربية السياحية يكمن في إعادة النظر في مجموع هذه السياسة، وذلك يتوقف على قطيعة مع الصورة الفولكلورية ومع ضيافة الخمس نجوم بالمجان للشخصيات السياسية الأجنبية. كما يتوقف أيضا على رد الكرامة للعاملين بهذا القطاع وضمان رواتب إنسانية تليق بمستوياتهم. بكلمة، يتطلب ذلك دمقرطة للسياحة تتماشى والتغييرات الراهنة. حينها لن يصبح هذا القطاع مكونا من مكونات الفولكلور والتبخيس، مع تمجيد أسواق القمل، بل مكونا ثقافيا بديلا للتعريف بثراء البلد، بطموحاته وتناقضاته.