"الإرهاب والشغب هو كل ما يؤدي إليهما،فالتفقير إرهاب وشغب،والنهب إرهاب وشغب،و الاستبداد والظلم إرهاب وشغب،والكذب على الشعب إرهاب وشغب..." مصطفى ملو. " لا تنتظر ممن يخافون على مصالحهم أو مناصبهم قول الحقيقة" مصطفى ملو. " الصمت مرادف الموت،فإذا تكلمت تموت وإذا سكتت تموت،إذن تكلم ومت" الصحافي الجزائري الطاهر جاعوط. " علمتني الحقيقة أن أكرهها فما استطعت" كرم ملحم كرم. " إذا لم نعبر عن هموم الناس وعن الحقيقة فلماذا نغني أصلا؟...لقد قررنا أن نقول الحقيقة وليكن ما يكن" إيكوت ع الهادي قائد مجموعة إزنزارن لبرنامج "مغامرو سوس" الذي بث على قناة الجزيرة الوثائقية. أطلت علينا في الأيام القليلة الماضية تصريحات لمجموعة من الأشخاص،عبروا من خلالها على ما سموه ثورة تحدث بالمغرب،كما طلعت علينا كتابات لصحافيين ومواقف لمحللين تحدثت عما اعتبره هؤلاء النموذج المغربي الديمقراطي،ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد،بل وصلت الجرأة و"تفضولييت" بهؤلاء إلى حد تنصيب أنفسهم أوصياء و متحدثين باسم الشعب التونسي،وذلك من خلال مطالبتهم لتونس بضرورة الالتحاق بما يحسبونه نموذجا ديمقراطيا مغربيا،وما يعتبرونه "ثورة ياسمين مغربية"،فتعال معي عزيزي القاريء نجيب على السؤال التالي:هل هناك ثورة فعلا تحدث بالمغرب؟؟ *الثورة التي يكذبون بها علينا: يبدو من خلال تعليقات الأغلبية الساحقة للقراء وتفاعلاتهم مع تلك التصريحات الكاذبة والمنافقة،أن الأكاذيب والمساحيق التجميلية لم تعد تخدع أحدا،ولم يعد يصدقها إلا أصحابها،كما يتضح كذلك أن الواقع المغربي على مختلف الأصعدة كاف لفضح تلك الأكاذيب والمزاعم،فالفساد والرشوة والمحسوبية والنهب والإفلات من العقاب والمحاسبة هي العملة الرائجة في كل المؤسسات،وما على من يقول العكس إلا أن يزور أي مستشفى أو أية إدارة في المغرب ليرى بنفسه،هذه المستشفيات الأقرب من المقابر منها إلى المستشفيات،حيث يفترض أن تسود الإنسانية والشفقة لحال المرضى والرأفة بهم،لكن العكس تماما هو الحاصل،مافيات لا ترحم ولا تشفق،فأسلوبها هو المحسوبية والرشوة "بالعلالي" إلا القلة القليلة جدا جدا،وابتزاز المرضى وتحقير المواطنين وتخلف"الأطباء" عن العمل،للعمل و"التسميسر في عباد الله" في المصحات الخاصة التي تتم فيها المتاجرة بالمواطنين و"استنزافهم"،في الوقت الذي يتكدس فيه مواطنون آخرون في المستشفيات العمومية في طابور طويل ينتظرون وينتظرون لساعات،ولا شيء غير الانتظار دون حسيب أو رقيب يحاسب "السي الدكتور"،كيف يحاسب الدكتور والوزيرة الضاحكة تتهكم و تستهزيء بالمواطنين في قبة "بر لمان" ولا أحد يحاسبها وهي المسؤولة الأولى عن صحة الناس؟! والأدوية المخصصة للتوزيع مجانا يتم بيعها،أو أنها لا تمنح إلا "لفلان وفلان"،هذا هو الوضع الحقيقي لكل مستشفيات المغرب، أما عند رغبة مواطن في إنجاز بطاقة التعريف الوطنية أو شهادة السكنى أو عقد ازدياد فالأمر يحتاج إلى الانتظار ولا شيء غير الانتظار والجواب يكون "سير حتى تجي دابا مكاينش اللي يسني". حال النقل لا يسر صديقا ولا عدوا؛فأغلب الحافلات أشب ما تكون بالشاحنات المخصصة لنقل اللحوم على حد تعبير بعض المواطنين،وسيارات الأجرة الرابطة بين المدن يتكدس فيها سبعة أشخاص كعلبة سردين،وفوضى عارمة وسمسرة في جميع المحطات الطرقية في غياب تام للمراقبة ولمفتشي النقل الذين لا يعرف المغاربة ما هو دورهم،وتلاعب بأثمنة التذاكر خاصة في الأعياد،وقد كان أول شيء وجب أن تؤكد عليه مدونة السير هو؛إجبار أصحاب شركات النقل على تغيير أغلب الحافلات المتهالكة التي لا تستجيب بتاتا لظروف الراحة ولا تقيم وزنا لكرامة المواطن المغربي،وتنظيم ومراقبة المحطات الطرقية التي أصبحت مرتعا للصوص والمحتالين ومنع بيع التذاكر خارج الشبابيك المخصصة لذلك، يضاف إلى هذا أن أغلب "طرقنا" و"شوارعنا"،هي طرق متآكلة أغلبها من عهد فرنسا،وفي هذا تحضرني نكتة رائجة مفادها أن أحد السياح الفرنسيين الطاعنين في السن ممن كانوا في المغرب أيام فرنسا قال"تتهمون الاستعمار الفرنسي بأنه سبب تخلفكم،في حين أنكم لا زلتم تستعملون العديد من الطرقات التي شيدتها فرنسا،وتتخذون من بنايتها التي بنتها إبان الاستعمار مقرات للعديد من المؤسسات والإدارات والثكنات العسكرية،لقد تركت فرنسا قبل رحيلها خط السكة الحديدية في مراكش ولم يضف لها المغرب مترا واحدا"،يضاف إلى كل هذا بنية تحتية ضعيفة،أسعار ملتهبة؛فالسمك مثلا لا ينزل عن ستة دراهم والموز عن ثمانية دراهم والتفاح عن عشرة دراهم وأكثر،أما الأدوية فحدث ولا حرج،حتى أن أحد المواطنين قال معلقا"الحمد لله منين مكنمرضوش أما لوكان كنمرضو أو كنشريو دوا،كان الله أو باقي الله أو خليفتنا على مولانا"،يحدث هذا في بلد يتحدث عن "صيدنا،سمكنا،بحرنا،فلاحتنا،فوسفاطنا..."،بينما البطالة ضاربة أطنابها في صفوف الشباب، و مخطيء هنا من يعتقد أن الشغل من حق الحاملين للشواهد فقط،الشغل بكرامة وبأجور مناسبة من حق كل المواطنين مهما كان مستواهم الثقافي،فالمواطن ليس مواطنا ببطاقة التعريف أو شهادة السكنى فقط،بل بكامل حقوقه وباحترام إنسانيته قبل مواطنته ،فبالله عليك عزيزي القاريء ما محل مساعد بناء يعمل من السابعة صباحا إلى الخامسة مساء"حالتو حالة" بستين أو سبعين درهما في اليوم ويعيل أسرة تتكون من سبعة أفراد تضاف إليها مصاريف الكراء والماء والضوء والملابس... من هذه الثورة التي لا وجود لها إلا في متخيلاتهم ؟؟نفس الشيء يقال بالنسبة للآلاف الجنود ذوي الأجور الزهيدة والمعول عليهم في الدفاع عن الوطن،في حين نجد مجموعة من الممثلين في مسرح يسمونه زورا وبهتانا بالبرلمان من وزراء وبرلمانيين يتقاضون ألاف الدراهم ولا دور لهم سوى الضحك والتصفيق،"اللهم إن هذا عين المنكر"! اعذرني عزيزي القاريء فأنا لم أعد أعرف ما أقدم وما أؤخر،ولا بأي مجال أبدأ وبأي ميدان أختم،أنظر إلى حال مدارسنا حيث يكتظ القسم بأكثر من أربعين تلميذا،وانظر إلى حال الحجرات المدرسية حيث التلاميذ والمعلم مهددون في أية لحظة بسقوط سقف الحجرة،وكثيرا ما حصل هذا في العديد من المناطق وإلى حال الطاولات والسبورات،هذا من حيث التجهيزات،أما من حيث البرامج والمناهج فهي فاشلة تماما، ضف إلى ذلك كله الأوضاع المادية لرجال التعليم والتي تسبب إضرابات تجعل التعليم في المغرب عبارة عن "عطل وإضرابات تتخللها أيام دراسية"، و الزبونية في التعيينات والانتقالات والترقيات،هذا إذن هو حال قطاع التعليم الذي يعتبر قاطرة للتنمية والتقدم،أما القضاء فليس هو الأخر بخير فكل المغاربة يعرفون الرشوة المستفحلة في هذا القطاع،وعدم نزاهته واستقلاله مما ينجم عنه أحكام جائرة ومجحفة،خاصة في القضايا التي تكون فيها الدولة هي الخصم وهي القاضي،فكيف يمكن أن يحكم الخصم لصالح خصمه؟! الحديث عن القضاء يقودنا إلى الحديث عما يعتبر بحق السلطة الرابعة في الدول الديمقراطية أو صاحبة الجلالة؛إنه الإعلام والصحافة وحرية التعبير والرأي،فهل يا من يدعي أننا نعيش في ثورة؛تمارس الصحافة فعلا في بلدنا سلطة رابعة ومؤثرة؟ وهل يتمتع المواطن بحرية تعبير تمكنه من الإدلاء برأيه في كل القضايا،ويعطي موقفه اتجاه مجموعة من الأحداث التي تحدث أمام عينيه؟ ولنفترض- وهذا مجرد افتراض- أن المواطن له حرية تعبير عن رأيه فهل يحترم هذا الرأي؟ أكيد أن قضية شكيب الخياري ومعه مجموعة من سجناء الرأي والممنوعون من التعبير عن آرائهم تضحد كل أكاذيب أصحاب "نظرية الثورة المغربية"،بل إن القوانين والقرارات تقرر وتطبق من أعلى دون أدنى اعتبار للموطنين وآرائهم،ولعل أهمها وأخيرها كان مدونة السير الملعونة التي زادت الوضع تأزما بارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضر، ولكم أن تقارنوا بين "ثورتنا" وديمقراطيتنا وديمقراطية سويسرا وحرية الرأي فيها،حيث يتم استفتاء الشعب في كل صغيرة وكبيرة،فبينما طبق (مسؤولونا) مدونة السير دون استشارة أحد من المواطنين،طرح قانون للاستفتاء بسويسرا يقضي بطرد الأجانب ممن لا يتوفرون على أوراق الإقامة في حال تورطهم في جرائم،سويسرا تستفي شعبها إذا كان يتفق على ترحيل المجرمين أم لا-يا للديمقراطية-،بينما نحن يفرضون علينا آراءهم دون اعتبار لآرائنا،مع العلم أن ما استفتي عليه الشعب السويسري لا مجال لمقارنته مع ما يطبقونه علينا،جماجم وضلوع المعطلين تكسر أمام مجلس (نواب الأمة) لا لشيء سوى لأنهم يطالبون بحقهم في الشغل ولقمة العيش ويعبرون عن رأيهم،وهم حينما يفعلون ذلك يجدون أنفسهم بين مطارق ونيران عدة؛نار البطالة،نار وعصى قوى القمع،ونار الكذب والوعود الكاذبة، ومئات منهم يفضلون الغرق في البحر ولا انتظار المحال،وملايين المغاربة والمغربيات مشتتون في جميع بقاع العالم طلبا للقمة العيش،حتى أنه يتخيل أن هناك مغربا آخر يعيش في الخارج كما يقول أحد المواطنين،"و لوكان دخل هاد المغرب لاخر لوكان كلا شي شي"،وهنا لا أجد أفضل ما يعبر عن هذا الوضع المتأزم إلا قول إحدى المجموعات الغنائية في مقطع غنائي" العاطل يتمنا أو الخدام ما تهنا" وأضيف "اللي فالمغرب ما مهني أو اللي برا ما مهني"،كل هذا وأكثر ثم يأتي منافقون،مجاملون ويتحدثون عن ثورة و نموذج ديمقراطي وانفتاح،وغيره من الكلام المزوق حتى يخال المرء أن المغرب أفضل من سويسرا،لكن هيهات هيهات وشتان شتان!! قنوات عالمية تحدثت عن قرى بدائية بالمغرب لم تصلها الكهرباء بعد ولا التلفاز ولا المياه الصالحة للشرب،حيث يشربون في برك وأبار لا تصلح حتى لشرب البهائم،وعن الفقر المدقع بها،حيث تنعدم أدنى شروط الحياة الكريمة، والأدهى أن هذا لا يوجد في القرى فقط، بل في المدن أيضا حيث يضطر بعض الناس لجلب الماء من الساقيات الخاصة بسقي الحدائق،ثم تطل علينا وجوه مغبرة منافقة ترهقها ذلة وكأنها لا تعيش في هذا الوطن للتحدث عن الثورة والتقدم و...و...،لن أقص عليك عزيزي القاريء قصة حياتي،لكن أحكي لك قصة حدثت لي أمس وأنا أمام البقال أريد شراء بطاقة تعبئة لتعبئة "الموديم" وأنا بالكاد أتوفر على ثمنها،وكم كانت دهشتي كبيرة وأنا أسمع امرأة تطلب من البقال "باكية شمع"،ظننت حينها أنها تريدها في حفل عرس أو عيد ميلاد أو ما شابه،لكن عندما سألها البائع؛هل هناك من لا يزال يستعمل الشمع للإضاءة في هذا العصر؟ أجابته المرأة "إوا حالتنا حالة الله،اللهم الشمع ولا ظلام،ضو غالي علينا"،يحدث هذا بالمغرب في عصر التكنولوجيا و الأنترنت،وثورة بن عبد الله،والخلفي،و أوزين،ومن يسبح معهم في الأحلام الكاذبة. مهما حاولنا عزيزي القاريء جرد مكامن الفساد والإفساد والخلل فلن نستطيع،وسنحتاج في ذلك إلى مجلدات لفضح أكاذيب الكذابين الذين لا نعرف ماذا يقصدون بالثورة،هل بناء مركز صحي أو مركز نسوي أو دار للطالبة أو "تسليم" سيارة إسعاف لجماعة قروية أو حضرية تعد ساكنتها بالآلاف ثورة؟ هل تعبيد طريق بطول أربعين كيلومتر ثورة؟ هل بناء مسجد ثورة؟ هذه عزيزي القاريء من واجبات الدولة اتجاه المواطنين،وهذا يعني أن ما تقوم به ليس صدقة ولا ثورة ولا امتيازا ولا تنمية بشرية،إذا كانت هذه ثورة،فماذا تسمي فرنسا وغيرها من الدول التي لا تبتعد عنا سوى بكليومترات(إسبانيا) مشاريعها الضخمة من ميتروات الأنفاق والقطارات السريعة،والتراموي الذي لم يعرفه المغاربة إلا سنة2010 -مع وجود أغلبية لم يسبق لها وأن ركبت ولا حتى رأت القطارات العادية،اللهم في الأفلام والصور- والتكنولوجية النووية،والمطارات المنتشرة في كل مكان والمجهزة بأحداث التجهيزات،والطرق السيارة التي تخترق كامل التراب الفرنسي على شاسعته،والجسور المعلقة بين السماء والأرض،والمستشفيات الراقية حيث يحس الإنسان أنه حقا إنسان قبل أن يكون مواطنا؟! هل كان الأمر يتطلب الانتظار خمسين سنة لتعبيد طريق بطول أربعين كيلومتر،وتجهيز مناطق شاسعة بالكهرباء؟ هل هذه هي الثورة؟ *الثورة التي نريدها: إن الثورة الحقيقية التي تنتظر بلدنا هي ثورة التغيير،ثورة ضد الفساد والمفسدين،ثورة العقاب والحساب لكل الناهبين،هي ثورة لاستقلال القضاء،ثورة التعديل الدستوري الذي يعيد للشعب سلطته ورأيه،وللبرلمان والحكومة دورهما وليس تكوين حكومات عائلية تكتفي فقط بالتفرج وعندما يسأل رئيسها عن برنامجه يجيب" برنامجنا هو برنامج الملك"،وبرلمان لا حول له ولا قوة سوى التصفيق والأسئلة الشفوية،فماذا نصنع بالشفوي أي "الهضرة" عند المغاربة!!؟ثورة المغرب اليوم هي؛ العمل على إنجاز المشاريع التنموية الحقيقية بتشجيع الشباب على الاستثمار وإعفائهم من الضرائب ومنحهم العقار المخصص لانجاز مشاريعهم بأثمنة رمزية،وليس بالكذب على الناس ببرامج مثل برنامج"مقاولتي"،ثورة تلتزم فيها الدولة بخدمة المواطنين،وإنجاز المنشآت والمؤسسات التي تضمن لهم الحياة والعيش الكريم،وعلى رأسها المستشفيات التي تليق بحياة الإنسان ،ثورة ضد الرشوة والمحسوبية و الزبونية التي تعشعش في كل المؤسسات وتشديد المراقبة والضرب بقوة على أيدي المرتشين،فمن العيب والعار أن تستحدث عمالات وجامعات ويوظف موظفوها وإداريوها والساهرون على مرافقها (مكتبات الجامعات مثلا)دون أن نسمع متى وكيف تم ذلك؟ ومتى تم اجتياز مباريات لذلك؟؟،الثورة هي ضد الجهل والتضليل والظلام والكذب والضحك على ذقون المواطنين،كيف يعقل أن نطالب المواطنين أن يتبرعوا للتضامن،بل ونجبر من يقصد مكاتب البريد على شراء شارات التضامن،ثم نصف تلك المشاريع الهزيلة والضعيفة جدا التي تنجز على أنها ثورة وتنمية بشرية،ونقدمها كأنها صدقة من الدولة على المواطنين،في حين أنها يجب أن تكون من أولى أولوياتها،بل من أكبر واجباتها،لأنها مدفوعة من أموال الشعب والضرائب التي يؤديها وليست منحة من أحد؟ الثورة لن تتحقق إلى بتشجيع التعليم وتشجيع القراءة والكتابة والبحث العلمي والابتكار والإبداع،وذلك بتوزيع الكتب والمجلات والأدوات المدرسية على كل أبناء الوطن مجانا عند بداية كل موسم دراسي،والرفع من منح التعليم العالي مع تعميمها على كل الطلبة دون تمييز أو زبونية أو إقصاء،إذ من العيب حقا أن يأتي طلبة أوروبيون في أعمار لا تتجاوز الخامسة والعشرون سنة على أكثر تقدير يصولون ويجولون في المغرب للقيام بأبحاثهم،بينما الطالب المغربي لا يعرف أغلب مدن وطنه،بل ويضطر للعمل في البناء أو ماشابه أثناء العطل حتى يتمكن من استكمال دراسته،ولا أعتقد أن بن عبد الله ولا أوزين سبق لهما أن عملا بورشة بناء،أما نحن أبناء الشعب المدقعون فقد ذقنا الحنظل والمر.الثورة التعليمية تكون بتعميم المطاعم والأحياء الجامعية في كل الجامعات،والرفع من أجور الأساتذة والمعلمين وتشييد مدارس وكليات تليق بالتلميذ والطالب والأستاذ المغربي وتجهيزها بأحدث التجهيزات الضرورية،وإنشاء مستشفيات مدرسية وجامعية تسهر على صحة التلاميذ والطلبة،وإنشاء المزيد من المؤسسات التعليمية للحد من ظاهرة الاكتظاظ،والأقسام المزدوجة و الهذر المدرسي الذي يكون سببه الأول بعد المؤسسات التعليمية،إذ من المشين في "مغرب الثورة" أن نجد أطفالا يقطعون يوميا عشرات الكيلومترات سواء في المدار الحضري أو القروي للوصول إلى المؤسسات التعليمية مع ما يشوب ذلك من مخاطر على حياتهم.الثورة الثقافية تكون بإعادة الاعتبار والاهتمام بالثقافة الوطنية وإنشاء دور للثقافة في كل المناطق وتخفيض أسعار الكتب للتشجيع على القراءة،و إعادة كتابة التاريخ الوطني بأقلام وطنية نزيهة بعيدا عن التزوير والتحريف و الأسطرة،وتزور الهوية الوطنية وتسوق لمجموعة من الخرافات والأكاذيب بين الأجيال الصاعدة كأسطورة الظهير البربري،ونسب الاستقلال لأشخاص بعينهم بينما يتم تجاهل المقاومين الحقيقيين، والحد من التبعية الثقافية و الاستلاب الثقافي الذي يؤدي إلى احتقار كل ما هو وطني وتقديس كل ما هو أجنبي،الثورة تكون بالتربية على الاختلاف واحترام الرأي الأخر، والثورة الرياضية تكون بإنشاء نوادي ومعاهد وملاعب و فضاءات رياضية للتكوين في مختلف الرياضات في جميع مناطق المغرب دون تمييز،ففي فرنسا مثلا تجد مدنا صغيرة جدا و لكن لها فرق عملاقة،فهل يوجد مثل كل ما ذكرناه عندنا يا من يزعمون الثورة؟ حال التعليم والمدارس والثقافة والرياضة والجامعات والمنح الزهيدة كافية للإجابة؛فأسعار كل المواد ارتفعت بينما المنح بقيت كما كانت منذ التسعينات،بل تراجعت نسبة المستفيدين منها بشكل فظيع،والاستلاب الثقافي وتهميش الثقافة الوطنية متواصل مع إعطاء الأسبقية للفنانين والكتاب الأجانب و الذي يعتبر عنوان كل مهرجان فني و ثقافي،ونشر الجهل والأكاذيب والاتهامات في حق المخالفين في الرأي مستمر.الثورة تكون بالرفع من أجور الجنود ومحاربة الفوارق الشاسعة جدا بين كبار الضباط والجنرالات وبقية الجنود الذين تثير أحوالهم وأحوال أبنائهم الشفقة نتيجة الهزالة الكبيرة للأجور،وكذا الضرب على أيدي المقاولين الجشعين الذين لا يوفرون تأمينا للبنائين و لا أجورا تليق بهم و بالخدمة والعمل الجبار الذي يقدمه البناء لهذا الوطن،فإذا كان بن عبد الله و احجيرة ومن معهم ينعمون في فيلاتهم،فعليهم أن يعلموا أن من بنى تلك الفيلات كوخه خرب،وأن البناء في الدول التي تعرف وتقدر قيمته وخدماته تمنح له راتبا ربما أكبر من راتب الوزير،نفس الوضع يعيشه موظفو الجماعات المحلية و عمال البلديات خاصة المكلفين بالنظافة،الثورة تكون بتوزيع عائدات الثروات الوطنية بشكل عادل بين المواطنين،والتوزيع لا يعني منح النقود للمواطنين،بل يعني استثمار عائدات تلك الثروات في تنمية حقيقية ومستدامة بخلق التجهيزات والبنيات التحتية والمعامل والمصانع في إطار ثورة صناعية تمتص أفواج المعطلين في كل مناطق المغرب،وفتح لوائح لتسجيل المعطلين في كل المناطق بهدف تشغيلهم،وليس فقط الاكتفاء بتشغيل المعتصمين والمتظاهرين أمام البرلمان،فهناك آلاف المعطلين من القاطنين في مناطق بعيدة جدا عن الرباط،لا يتوفرون حتى على ثمن الركوب إليها،الثورة تكون بتشييد الطرق السيارة وخطوط وأنفاق السكك الحديدية وإنشاء المعاهد والكليات في كل المناطق مع مجانية التعليم بها،وهذه هي التنمية الحقيقية التي ستوفر مناصب شغل كبيرة وثورة تنموية حقيقية،علاوة على ذلك يجب محاربة تمركز الخدمات وفرص الشغل في مناطق بعينها،والوقوف ضد الإمتيازات الممنوحة لعدة مناطق على حساب مناطق أخرى،مما يحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف المناطق و يفند شعار الجهوية ويضعف التنافسية "الشرفة" بين مختلف الجهات،ويكرس التمييز بين مواطنين من الدرجة الأولى ومواطنين من الدرجة الثانية،وهذا أمر خطير سيهدد لا محالة وحدة البلاد والعباد،بل إن الفوارق الشاسعة بين مختلف مناطق المغرب واستمرار العمل بفكرة "المغرب النافع والمغرب غير النافع" لاشك ستجر الويلات على هذا الوطن،وما انتفاضات مجموعة من المناطق إلا مثال صغير.الثورة تكون بحماية المواطنين المستهلكين والوقوف في وجه المضاربين والسمسارة المتلاعبين بالأسعار،فالأسواق الشعبية التي هي ملاذ الأغلبية الساحقة للمغاربة لا وجود لأثمنة محددة وموحدة،فكل يبيع بالثمن الذي يريد بدون مراقبة ولا محاسبة من أحد،ولا وجود بتاتا لمن يحمي المستهلك ويراقب الجودة والأسعار،أما جشع شركات التعمير والإسكان وتراميها على أراضي الأهالي،والغش في البناء،والأجور الزهيدة للبنائين-كما أشرنا إلى ذلك سابقا- وغياب التأمين خاصة مع ما يتعرضون له من مخاطر في أوراش العمل،تقابله الأثمنة المرتفعة للشقق،فمفارقة عجيبة ينبغي الثورة عليها لتغييرها! الثورة تكون بثورة زراعية شاملة تتمثل في تقديم الدعم المالي والتقني للفلاحين ومساعدتهم على تسويق منتجاتهم،واستصلاح الأراضي الشاسعة التي لا تستثمر في شيء،في أفق تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي،وإنشاء السدود خاصة في المناطق الجافة التي تعرف فيضانات مهولة في فترات وجيزة ثم تغيب عنا التساقطات لسنوات،دون أن يتم استغلال مياه تلك الفيضانات التي تضيع سدى،وكذا بناء الخطارات خاصة في الواحات،بعد أن أضحت الخطارات القديمة التي أنشئت منذ مدة طويلة لا تصلح في شيء،فأغلبها تهدم أو غمرتها الرمال،إذ من المؤسف أن نرى مناطق كانت إلى حدود أواسط التسعينات جنات خضراء تحقق الاكتفاء المعيشي للسكان من حيث الخضر والقمح،وتدر مداخيل لا بأس بها كزراعة الحناء والكامون،تحولت اليوم إلى أراضي جرداء قاحلة،فعن أي ثورة تتحدثون؟ الأمم تسير بسرعة نحو الأمام ونحن نرجع إلى الخلف؟! الثورة يا سادة تكون بفتح المجال لحرية تعبير حقيقية كما هو الشأن في البلدان الديمقراطية دون تخويف أو ترهيب أو قمع،والتوقف عن "إعدام" الصحف والصحفيين والمعارضين السياسيين والاعتداء عليهم،والسماح بنشر وتداول الكتب الممنوعة،وتشجيع الإعلام والصحافة على أداء دورهما في النقد البناء دون تقييد ولا مصادرة،وجعل الصحفي والمثقف وكافة المواطنين هم البوصلة الموجهة لأية مبادرة،وهم الذين ينبغي العودة إليهم للتذكير بمكامن الخلل وما يرون أنه ينبغي تغييره فبالنقد الهادف تبنى الحضارات وتصلح الاختلالات.الثورة التي يريدها الشعب هي تلك التي تعيد له سلطته وصوته وقدرته على محاكمة المفسدين ومن تبث إخلاله أو تقاعسه أو فشله في أداء المهمة المنوطة به على أحسن وجه،والاستماع إلى مطالب الشعب و العمل على تحقيق آماله وأمانيه وتطلعاته. هذه هي بعض المطالب من الثورة الحقيقية التي يريدها الشعب دون تخريب ولا شغب ولا إراقة دماء،أما أن نعتبر بناء مستشفى أو بناء قنطرة أو دار للطالبة أو إصلاح حديقة عمومية إنجازا عظيما وثورة خارقة-وكأن الشعب المغربي لا يستحق أكثر من ذلك- فهذا عين الكذب،أو كأن الدولة تقوم بشيء خارج واجباتها و التزاماتها،و نتبجح ونروج لأن ما تقوم به هي ثورة وتنمية بشرية و صدقة ومنحة وعطف منها على المواطنين فمحض بهتان،لكن المشكلة في هؤلاء المواطنين أنفسهم،والذين يفرحون ويمرحون ويهللون لمجرد إنشاء حديقة عمومية أو تعبيد طريق ويتناقلون ذلك الخبر لسنوات،لكن مساكين ما بيدهم حيلة فهم مقهورون ولا يعرفون حتى حقوقهم ويجهلون أن ما تقوم به الدولة -مع ضآلته وضعفه- هو من واجباتها التي لم تقم ولو بجزء صغير منها،مواطنون يعيشون بالأمل ولا شيء غير الأمل،ففي كل عام يقولون" عل الله هاد العام تزيان القضية،عل الله هاد العام تزيان القضية،وتمر الأعوام ولا شيء يتغير،وإن تغير فببطء كما تسير السلحفاة،فمتى ستصل السلحفاة ؟!! إذا كنتم تراهنون على الكذب والضحك على الذقون والتخويف والقمع فأنتم تحلمون،واعلموا أن زمن التلفزة بدون ألوان حيث كان المرء لا يفرق بين الصحراء القاحلة والسهل الخصب،ولا بين الطريق المحفرة والطريق المستوية قد ولى،وزمن احتكار المعلومة مضى،فها هي مصر حتى في أيام عز الثورة كانت تلفزتها الرسمية تقدمها وكأنها جنة النعيم،وكانت تصف آلاف المحتجين الغاضبين بقلة وبعشرات من مثيري الشغب،متناسية أن زمن احتكار أفلامها للشاشة المصرية قد ذهب إلى غير رجعة،وأن عشرات القنوات العالمية والمواقع الإليكترونية تنقل لحظة بلحظة وبالصوت والصورة أحداث ثورة مصر العارمة وقبلها ثورة تونس الخالدة،فلم تشفع لهما بذلك أكاذيبهما ولا تضليلاتهما وتزويرتهما والتعتيم من قيام الثورة،لذا ننصحكم أنتم أيضا بتغيير الأسلوب والكف عن الكذب والنفاق والتوقف عن تقديم المغرب على أنه النموذج والقدوة وجنة الفردوس،فنحن نريد أفعالا لا أقوالا وتطبيلا و تزميرا لما تعتبرونه مشاريع كبرى صحيح هناك خطوات لكنها ضعيفة جدا،والصغير يعرف قبل الكبير هذه الحقيقة التي لا تستطيعون أنتم قولها خوفا على مصالحكم ومناصبكم،لكننا نحن سنقولها لأننا لا نملك شيئا نخاف عليه،ولأننا لسنا بأفضل ممن ضحى ومات من أجل هذا الوطن،وعندما نسرد كل هذه الحقائق فليس لأننا نحب الإكثار في الكلام والمعارضة من أجل المعارضة وليس لأننا سوداويين أو عدميين أو متآمرين كما قد يصفنا من ليس ي صالحهم أن نقول الحقيقة،لكن لأننا نحب هذا الوطن وهذه الأرض ونريد ثورة حقيقية وليست ثورتكم المتخيلة. لقد كانت تونس نموذجا في التحديث والتنمية،ولقد كانت بالفعل كذلك،فها هي إحدى السائحات الفرنسيات سبق لها أن زارت تونس تقول معلقة ومقارنة بين تونس والمغرب،وهنا وجبت الإشارة إلى من يعتقد أن السياح يأتون فقط لتمضية الوقت والاستجمام والترويح عن النفس فهو مخطيء،فالسياح يحللون ويناقشون ويستفسرون عن كل شيء،ويصورون كل ما تقع عليه أعينهم،تقول السائحة الفرنسية " في تونس الماء المعدني يمنح مجانا في الفنادق أو بأثمنة رمزية،أما في المغرب فقنينة لتر من الماء المعدني تباع بستة دراهم،وتصل في بعض المناطق إلى عشرة دراهم وهو ما يعادل ثمن لتر من البنزين،على هذا الأساس فمن المفروض أن يكون المغرب أفضل من الدول البترولية"،فأين أنتم يا من يدعي الثورة ويا من يتحدث عن "سياحتنا"،وعن تشجيع القطاع السياحي وغيرها من "الشعارات السياحة" التي تصيحون بها،وما موقفكم من تعليق هذه السائحة،أما المغاربة فأغلبهم لا يعرف للماء المعدني ذوقا،ولا يرى للثورة التي تتحدثون عنها أثرا؟!! في تقديري الخاص لازال أمامنا وقت طويل،طويل جدا للحديث عن الانتقال والتنمية والتقدم...وربما قد يراه البعض أضغاث أحلام،و أنت أيها القاريء الكريم،هل ترى أن هناك حقا ثورة حاصلة أم أني أنا فقط من بدأ بصري ينقص؟!