«ثمة خطأ ما...» ذلك ما كنت أردده طيلة الأشهر التسعة التي اشتغلت فيها إلى جانبك. «ثمة خطأ ما...» ..لازمة أكررها بيني وبين نفسي، كل مرة أغادر فيها مكتبك... «ثمة خطأ ما...». أشهر تسعة قضيتها معك، كانت كافية ليتبخر كل الحماس الذي حملته معي إلى مكتبك، متطلعا للعمل إلى جانب «العلامة» لأجدني أمام «مجنون الحكم» . طيلة هذه الأشهر التي عملت فيها معك وإلى جانبك، نَمَت داخلي مشاعر الاحتقار والاشمئزاز منك ومن طريقة عملك وتفكيرك المنكفئ على شخصك وذاتك، بدل أن يكون منفتحا على أسئلة الممارسة الثقافية وشؤون وقضايا منتجيها في بلادنا. احتقرتك، أول مرة، وأنت تتخبأ، مثل أي تلميذ كسول يفر من أسئلة أستاذه، من استقبال مسرحي كبير كعبد القادر البدوي وتدّعي عدم وجودك في المكتب وتطلب من كاتبتك أن تصْرفه، بل تتساءل أمامي، ببلاهة، عن سبب مجيئه إليك، ناسيا أن مسؤوليتك الوزارية تقتضي تخصيص بعض الوقت لاستقبال الفنانين والكتاب المغاربة والإصغاء لقضاياهم ومقترحاتهم، الرامية إلى تطوير الممارسة الثقافية والفنية ببلادنا. واحتقرتك، آخر مرة، وأنا أراك تستهزئ من مجيء أرملة الكاتب والمفكر المغربي الكبير محمد عزيز الحبابي إلى بابك، تطلب تدخل وزارة الثقافة لإنقاذ مكتبة زوجها المهددة بالسقوط والضياع لتجعل من طلبها موضوعا للسخرية والادعاء والفشر. وبين المرة الأولى التي احتقرتك فيها والمرة الأخيرة...احتقرتك مرات عدة: احتقرتك وأنت تحرص، من داخل منصبك الوزاري، على توصيتي، كل صباح، بعرض بضاعتك الأدبية، نثرا وشعرا، للنشر على الجرائد والمجلات المغربية والعربية، أكثر مما تحرص على توصيتي بمتابعة الملفات والرسائل الواردة على ديوان وزارتك. احتقرتك يوم 2 دجنبر2009، لما تم الإعلان رسميا عن فوز الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي بجائزة «غونكور» الفرنسية، فأسرعت إلى مكتبك لأزف إليك الخبر وأقترح توجيه برقية تهنئة إلى اللعبي، الذي مثّل فوزُه بهذه الجائزة الشعرية الرفيعة تتويجا للثقافة المغربية، غير أني اصطدمت برفضك العنيد، المبرر بأحقاد شخصية. لمْ توجّه تهنئة للعبي... والأمر قد يعنيك شخصيا لو كنت تمثل نفسك، لكنك تنسى كل مرة أنك وزير للثقافة المغربية، وأن فوز اللعبي أو سواه بجائزة ما هو فوز للمغرب وللمغاربة، وأن صفتك الوزارية تُعيّن عليك الخروج من أمراضك وحساباتك الضيقة، التي تجعلُك كل مرة تنسى فيها وضعك السياسي كوزير في حكومة بلد اسمه المغرب. لم توجه تهنئة للعبي، فيما وزير الثقافة الفرنسي، فريديريك ميتران، بعث إليه برقية تهنئة، منوها بفوزه بجائزة «غونكور» لسنة 2009 للشعر، التي رأى في فوزه بها «اعترافا منصفا وجميلا بكل ما منحتموه للأدب الفرنسي: إنها نظرة حب حول العالم، تعبير أدبي آخر ومتعدد، وشجاعة التزام سياسي، وهي أيضا تعريف بالشعراء العرب الذين تترجم لهم». سلوك، على أي، سيتكرر في مناسبات لاحقة، سترفض فيها تهنئة الشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري بفوزه بجائزة «البوكر» للرواية العربية، والناقد المغربي محمد مفتاح بفوزه بجائزة الشيخ زايد في الآداب. إذ لا أحد، سواك، يستحق جوائز الشرق والغرب. ولا أحد سواك من الكتاب والمبدعين المغاربة جدير بالتتويج والتكريم. احتقرتك في فبراير 2010 ونحن في خضم التحضير للدورة ال16 من المعرض الدولي للنشر والكتاب لما طلبتَ منّي أن أتأخر في بعث تذكرة سفر السي محمد برادة، الكاتب والناقد المغربي الألمعي، حتى نفوّت عليه فرصة المجيء إلى حفل افتتاح المعرض وتسلّمه جائزة المغرب للكتاب في فرع الرواية.. احتقرتك لما رأيتك لا تفصل بين مواقفك الشخصية وواجباتك كمسؤول عن إدارة القطاع الثقافي. لذلك كنت كلما غادرت مكتبك، أقول: «ثمة خطأ ما في هذا الوضع...». فمن له مثل هذه السلوكات الرعناء لا يليق به تدبير الحقل الثقافي والإشراف عليه. احتقرتك لما رأيتك تشحذ سكاكين حقدك على الشعر،هذا الجنس الإبداعي الهش الذي يحتاج منا جميعا، وخاصة من لدن المسؤولين الحكوميين في وزارة الثقافة والتربية الوطنية، إلى الكثير من العناية والاهتمام بما أنه حافظ للغة وخزان للمشاعر الإنسانية الرفيعة، حتى يستمر في تأدية دوره الحضاري والإنساني النبيل ، فارتأيْتَ في أكثر من مناسبة التصريح برغبتك في حذف جائزة المغرب للشعر، فيما استكثرت، في تصريحات أخرى، توفر بلادنا على مؤسسة بيت الشعر، داعيا إلى إلغائها هي واتحاد كتاب المغرب وتعويضهما ببيت الإبداع المغربي . احتقرتك وأنا أرى معاداتك للثقافة الأمازيغية، متدخلا في أكثر من مناسبة لتقزيم حضورها بفضاءات المعرض الدولي للنشر والكتاب، حيث ضننت عليها بالقاعات والمواقيت المناسبة لتجعل من كافة الأنشطة المرتبطة بها دون قيمة ولا أهمية. احتقرتك إذ رأيتك تجهز على مكتسبات الحركة الثقافية المغربية التي شهدتها مع الشاعر محمد الأشعري وتواصلت مع الفنانة ثريا جبران برصد مبلغ 8 ملايين درهم للجمعيات الثقافية الوطنية والمحلية، منها مليونا درهم لفائدة التغطية الصحية للفنانين، إذ عمدت إلى تقليصه إلى 5 ملايين وبعض الدريهمات...؟ وهو ما يهدد دينامية منظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل الثقافي المغربي ويعطل من مردوديتها. لكل ذلك أحتقرك ....