زكية داوود .. سيدة لا تبرح خاطر الصحافة المغربية، حاضرة في الذاكرة حتى عندما تختار الغياب، حين تبحث عن المشرق في الإعلام المغربي. هي واحدة من أكثر الشخصيات رمزية في الصحافة المغربية، أسست بالاشتراك مع زوجها محمد لوغلام سنة 1966 جريدة «لاماليف» التي استقطبت طيلة فترة صدورها التي دامت 22 عاما مفكرين وأكاديميين بارزين.. لم ينل التشكيك في انتمائها والمضايقات في سنوات الرصاص، وإعدام مولودها «لاماليف» من تفاؤل وعزيمة وألق هاته السيدة، الصحافية والكاتبة، فاستحقت احترام من ناصبوها العداء، قبل الأصدقاء. - بعد إغلاق «لاماليف» سافرت إلى فرنسا، وتعرضت مذكراتك الشخصية للسرقة لدى وصولك إلى باريس، مالذي حصل بالضبط؟ < بدأت بتحرير تلك المذكرات في بداية الثمانينات في فترة سياسية مضطربة ومتوترة. انكببت بنهم على الكتابة وأفرجت عن أفكاري التي اختزلت الحياة اليومية وتفاصيل رحلاتي.. قراءاتي للأحداث التي كنت أعيشها وحاولت إيجاد تماسك الوقائع والأشياء، لأجد نفسي ذات يوم قد حررت 2000 صفحة من الخواطر الفلسفية الداخلية التي حاولت إيقاف الزمن والانسلال عبره دون ترك أثر. بعد توقف المجلة، قررت السفر إلى باريس وأخذ قسط من الراحة دون أن تكون لي النية في البقاء. أعددت حقيبتي ووضعت فيها الملابس التي تكفيني للسفر ومذكراتي التي لم أكن أفكر في تركها. لدى وصولي، تبين لي أن حقيبتي أصبحت خفيفة الوزن، وبعد أن فتحتها اكتشفت اختفاء المذكرات وبعض النصوص والوثائق التي حملتها معي لأطالعها خلال الثلاثة أشهر التي قررت قضاءها بفرنسا. عشت أياما بعدها أحس بفراغ كبير، ولم يعد للنوم أي طعم بالنسبة إلي وقضيت أشهرا من التوتر والألم والمواجهات. - هل تعرفت على المسؤول عن اختفائها؟ < أجريت عشرات الاتصالات لفهم حيثيات هذه السرقة، دون جدوى لأن لا أحد كان يملك الجواب. لقد محوت من حياتي كل أولئك الأشخاص الذين أحسوا بالخوف من ذكر أسمائهم في مذكراتي وقررت ألا أراهم مرة أخرى.. وصنفت هيئة الإنصاف والمصالحة ماضاع مني ضمن ما أسمته «الأرشيف» إلى جانب ضحايا مثلي آخرين، ولم تعط الهيئة الجواب عن مصير المذكرات إلى اليوم. - ماهي المنعطفات التاريخية التي عرفها المغرب والتي أثرت فيك؟ < مازلت أتذكر الدارالبيضاء في بداية شهر مارس 1965 حيث ساد المدينة جو غريب كان ينذر بوقوع شيء ما كان من السهل التنبؤ بها من خلال الوجوه الساخطة والعابسة للبيضاويين، وهو ما حدث في 23 مارس بعد إصدار دورية وزارة التعليم التي خفضت سن ولوج الامتحانات الثانوية ومنعت التكرار، مما دفع تلاميذ الثانويات إلى خوض إضراب غير محدود وانطلقت الاحتجاجات في الشوارع، وتدخلت الشرطة بعنف لتفريقهم باستخدام القنابل المطاطية وخراطيم المياه وإلقاء القبض على المتظاهرين، لتتطور الأمور إلى أعمال عنف وشغب شملت العديد من الأحياء بالعاصمة الاقتصادية وأعلنت حالة الاستثناء بالمدينة. ما لن أنساه كذلك إلى جانب تلك الأحداث الدامية هو اختفاء بنبركة بباريس والذي خلف صدمة وغضبا في صفوف أصدقائه ومناضلي اليسار وسط صمت سياسي مريب. قرر الاتحاد المغربي للشغل تنظيم ندوة صحفية حول حادث اختفاء المهدي بنبركة، وأشرفت على استدعاء الصحفيين لأتعرض بعدها لاستجواب مطول من طرف عناصر الأمن حول هويتي وعملي الصحفي، حيث تم استدعائي بشكل مستمر إلى الكوميسارية لمدة سنة كاملة، ظلوا يسألونني خلالها عن لماذا وكيف حصلت على الجنسية المغربية. سنوات الستينات والسبعينات عرفت محطات سجلها التاريخ عمقت فهمي للمغرب وقوت ارتباطي به.. - طيلة مسارك المهني، التقيت بالعديد من الشخصيات المغربية في مختلف المجالات، ما هي الشخصية المغربية التي أثارت إعجابك أكثر؟ < من الصعب حصرالجواب في شخصية لأنه لطالما اعتقدت أن للزعماء دورا كبيرا في التغيير. أعجبت بكاريزما علال الفاسي رغم أنني لا أتفق مع توجهاته وأفكاره، واحترمت المسار النضالي لعبد الله ابراهيم إلى جانب المحجوب بن الصديق الذي دافع باستماتة عن الطبقة العاملة.