ارتبط عبد العزيز المسيوي طويلا بالرياضة، وشغل العديد من المناصب داخل مراكز القرار، وظل على الرغم من تقدمه في السن حريصا على متابعة تقلبات الأحوال الجوية للفعل الرياضي في المغرب، بل إنه ساهم بالعديد من الإصدارات في هذا المجال الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من معيشه اليومي. في حواره مع «المساء» قال عبد العزيز المسيوي، المدير العام السابق للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والوزير في حكومة عبد اللطيف الفيلالي وعضو المكتب المديري للرجاء البيضاوي ، إنه يجب استخلاص الدروس والعبر من إخفاقات بيكين، وطالب بعقد مناظرة وطنية ل«تشخيص الداء والبحث عن دواء»، مع ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية لترجمة التوصيات إلى عمل جاد. - ما هو تقييمك للمشاركة المغربية في أولمبياد بيكين؟ < هناك إجماع على أن الحصيلة كانت كارثية، رغم أنه ما زالت بعض الرياضات لم تدخل حلبة التباري، وأعتقد أن النتائج كانت منتظرة ولا تبعث على الاستغراب، لهذا لا يجب أن نشغل بالنا كثيرا بالهزائم والحديث عن الحكام، بل علينا أن نعترف بأن الحصيلة كانت على مقاسنا، لأننا لا نملك سياسة رياضية، ونعول على بطل بالصدفة، لأن وزيرة الشباب والرياضة هي أيضا بطلة بالصدفة، وهنا تحضرني واقعة حصلت في مجلس الشعب المصري حين كنت في زيارة لمصر، حيث قال أحد أعضاء المجلس وكان رجلا طاعنا في السن لوزير الداخلية المصري: «لولا إحراق القاهرة لما أصبحت في هذا المنصب ياوزيرا بالصدفة». - هل تابعت كل المشاركات المغربية في الأولمبياد؟ < نعم تابعت كل المسابقات أو تعرفت عليها من خلال الملخصات اليومية، لكنني في كل يوم أصاب بنكبة جديدة، وبعد كل إخفاق تتقلص الآمال التي لم تكن أصلا موجودة، خذ على سبيل المثال آخر مهازل العداء حشلاف الذي احتل الصف الأخير بسبب خلل في خيط حذائه الرياضي، علما أن هذا البطل ظل يركض لمدة 15 سنة، وفي اليوم الموعود خذله خيط، كما أن الأصداء التي تصلنا من بيكين لا تبعث إطلاقا على الارتياح وتحيلنا كل يوم على واقعة من هذا النوع، ثم إنه كلما انهزمنا إلا وتحدث البعض عن التحكيم وسوء الطالع، الغريب أن مشجب التحكيم يصلح كمبرر في كثير من الأنواع الرياضية. - لكن البطلة حسناء بنحسي أنقذت ماء الوجه ونالت ميدالية نحاسية؟ < بالنسبة إلى حسناء بنحسي فهي تراجعت في نظري، لأنها استبدلت الميدالية الفضية التي حصلت عليها في أولمبياد أثينا ببرونزية بيكين، بمعنى أنها غيرت الفضة بالنحاس، وهذا وضع لا يمكن تصنيفه في خانة النجاح. - من يتحمل مسؤولية الإخفاق في نظرك؟ < لقد كان الوفد المغربي للأسف يتكون من المسؤولين المتقاعدين، ففضول بنزروال مثلا العضو الدائم في اللجنة الأولمبية شارك في العديد من التظاهرات العالمية ورغم تقدمه في السن ما زال يهوى السفر والمسؤوليات، بل إن رئيس ديوان الوزيرة متقاعد أيضا، وعلمت أن وزيرة الشباب والرياضة استغلت الفرصة وسافر معها أبناؤها، هذا وضع لا يبعث على الاطمئنان ولا يشجع على التغيير. - رئيس اللجنة الأولمبية الجنرال بنسليمان هو أيضا كبير السن؟ < لو أراد الجنرال بنسليمان أن يصغي إلى نصيحتي، لطلبت منه الابتعاد عن الرياضة، «يعطيهم التيساع»، ويتركهم يتصرفون في شؤونها. - ما هو الحل في نظرك لتجاوز هذه النكبة؟ < يجب تنظيم مائدة مستديرة، ولابد من الجلوس لمناقشة الأوضاع الحالية، والاستعداد للاستحقاقات القادمة بتقوية الهياكل والمؤسسات قبل فوات الأوان، لأننا في حاجة لتشخيص الوضع، وتسجيل ما يشبه «الكوسطة» أي المعاينة الميدانية، وبالتالي العمل على إصلاح الخلل بعد رصده طبعا. - لكن وزارة الشباب والرياضة نظمت العديد من المناظرات حول الرياضة المغربية وظلت التوصيات مجرد حبر على ورق ألا تتخوف من تكرار هذا السيناريو؟ < لقد عقدت الوزارة سبع مناظرات جهوية حول الرياضة، كلفتنا 600 مليون منحت لمكتب الدراسات الذي اختارته الوزيرة لتحضير المناظرات، لو نظمت دراسة معمقة حول موضوع الاستثمار في الميدان الرياضي لتمكنا من جلب مبالغ أكثر من التي صرفت على مكتب الدراسات. - هل تكفي التوصيات المنبثقة عن المناظرات لإصلاح أوضاع الرياضة المغربية؟ < في افتتاحية جريدتكم «المساء» هناك حديث عن ضرورة تنظيم مناظرات وطنية حول إصلاح مجموعة من القطاعات كالتعليم والقضاء، لكن الافتتاحية لا تتحدث عن مناظرة حول الرياضة رغم أهميتها، إذن أنا أشاطركم الرأي حول أهمية هذه المحطات لكن دون إغفال الرياضة. - هل تكفي التوصيات وحدها لإصلاح حال الرياضة؟ < يجب أن تكون هناك إرادة سياسية أولا، وأن تنخرط الحكومة في الإصلاح لا أن تقف موقف المتفرج على تدهور حال الرياضة المغربية. - لكن الحكومة انخرطت من خلال تعاقدات بمسميات عديدة كالتأهيل، وذلك منذ عهد الوزير الأول جطو، ما تعليقك؟ < الآن كل الظروف مواتية للإصلاح، على الوزراء والمسؤولين وأصحاب القرار أن يجلسوا حول مائدة مستديرة لدراسة الوضع بعيدا عن لغة الخشب، أن يسموا الأشياء بمسمياتها ويعبروا عن الإرادة السياسية، أنا أقول إن البطل اليوم يحظى بامتيازات لم يحظ بها السابقون، هناك إمكانيات تحت تصرفهم، هناك استشهار وأكاديميات لتكوين النشء في مختلف المجالات، وأكثر من هذا هناك قناة رياضية تتعقب أدق تفاصيل البطل، وهذه أشياء لم تكن متاحة في السابق. - رغم ذلك تمكنت نوال وعويطة وقبلهما الراضي من حصد الميداليات؟ < كنت ضمن الوفد المغربي في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس، كنت مسؤولا وعاينت عن قرب استعدادات الأبطال المغاربة، لقد كنا نراهن فعلا على الذهب، فعويطة لم يفز فقط بالذهبية بل سيطر لسنوات على العديد من التخصصات، أما نوال فقد كانت ذهبيتها في الألعاب الأولمبية هي مسك الختام. - ما موقف البرلمان من هذا الوضع الذي يتكرر عقب كل تظاهرة قارية أو عالمية؟ < هذا برلمان للأزمات لا يستنفر قواه إلا إذا عاد الرياضيون المغاربة من تظاهرة بدون تتويج، حين فشل المنتخب المغربي في دورة غانا تحرك مجلس النواب، وتبين أن الأمر مجرد جعجعة بلا طحين، أعتقد أن هذه الحملات لا تفيد في شيء. - يتحدث البعض عن ميزانية تفوق 400 مليون سنتيم من أجل حضور باهت؟ < المال لا قيمة له في مثل هذه التظاهرات لأن صناعة البطل ليست بالأمر الهين كما يعتقد البعض، سيما ونحن في زمن الاستثمار الرياضي، لهذا فترشيد النفقات يجب أن يتم في مجالات أخرى تتعلق بتسيير الشأن الرياضي، وكما قلت لك ما الجدوى من إغداق المال العام على مكتب للدراسات دون أن تظهر نتائج ملموسة، للأسف النتائج كانت مخيبة لكن ملامح الفشل كانت بادية للعيان، لهذا أستحضر السؤال الذي وجهته «المساء» قبل التوجه إلى بيكين، لماذا لم يستقبل الملك محمد السادس الوفد الرياضي كما جرت العادة. - هل أنت مع استقالة اللجنة الأولمبية الوطنية؟ < علينا أولا أن نحدد ما نريد وأن نتوجه نحو الهدف، أنا لا أريد الحديث عن الأشخاص، إذا عرفنا احتياجاتنا فإن الوسائل ستكون سهلة، ثم إنني أعتبر اللجنة الأولمبية مجرد وسيلة لترجمة عمل الجامعات، إذا اشتغلت فإن المردودية تظهر وإذا تقاعست فإن الحصيلة ستكون منتظرة كما هو الحال في بيكين الآن. - التجربة الصينية ألا تستحق أن تكون نموذجا في البحث عن آليات الإصلاح؟ < قوة الصين ورأسمالها الأول هو البشر، هناك مليار ونصف من السكان ولك أن تتصور نسبة الشباب، نحن في المغرب الذي يفوق سكانه 34 مليون نسمة لا نشكل في نظر الصينيين سوى حيا من أحياء العاصمة بيكين، إذن لا مقارنة مع وجود الفارق، ثم إن الصين ليست مجرد دولة مكتظة كما كنا ننظر إليها، بل هناك شعب عريق وحضارة وهناك جدية وهذا هو المهم، إن الحضارة الآسيوية هي الرائدة عالميا رغم الطفرة الاقتصادية للغرب، علينا أن ننتظر سيطرة الآسيوين على العالم، إن جديتهم وإصرارهم يمكنانهم من ربح كل الرهانات بما فيها الرهان الرياضي.