تحولت الاجتماعات التي يعقدها مجلس المدينة في طنجة إلى حلقات تشويق حقيقية، خصوصا أنها تُعقَد في الغالب كل جمعة، وهو ما يجعلها مرتبطة في أذهان الكثيرين بتطورات الانتفاضات العربية، التي كلما مرت جمعة إلا وكان رأس الحاكم أقربَ إلى الأرض. ويبدو أن الشيء نفسَه ينتظَر أن يحدث في طنجة، حيث كلما مر اجتماع لمجلس المدينة في يوم جمعة إلا ويصبح رأس العمدة، فؤاد العماري، قريبا من السقوط النهائي، خصوصا أنه يحاول اليوم «ترتيب» خروجه من المجلس، أكثر مما يحاول البقاء فيه، وسط ضغط شعبي كبير من أجل رحيله. وينتظر سكان طنجة أن تنتهي فصول هذه «المسرحية» العبثية بعد أيام قليلة، بعدما فقد العمدة آخر أوراقه، عندما فشل في الحصول على النصاب القانوني لعقد دورتين متتاليتين، وفي الدورة الثالثة، تم التصويت ضد الحساب الإداري، وصوت ضد الحساب حزب «الأصالة والمعاصرة» نفسه، الذي ينتمي إليه العماري.. وهي سابقة مثيرة وخطيرة في المغرب، حيث يصوت حزب سياسي ضد نفسه. وقد أصبح يتم، في كل اجتماع يمر، دق مسمار كبير في «نعش» العمدة، ومعه المجلس بكامله، حيث تسير كل التكهنات حاليا نحو احتمال حل المجلس واعتماد الطريقة القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات، إلى حين تنظيم انتخابات أخرى، قد تكون سابقة لموعدها. وفي الوقت الذي يُرتقَب أن يعقد العماري ندوة صحافية في نهاية الأسبوع الجاري، من أجل توضيح ما يقول إنه «شائعات» كثيرة تسري بين السكان في المدينة، فإن هناك لملمة واضحة داخل صفوف المجتمع المدني، من أجل التحرك على كل الواجهات للمطالبة بحل المجلس، على اعتبار أنه يشكل وصمة عار حقيقية على جبين المدينة وسكانها. كما أن هناك توجها بين صفوف المعارضة في مجلس المدينة نحو توجيه رسالة إلى الديوان الملكي تطالب بحل المجلس. وكان مجلس المدينة قد عرف فصولا غاية في التشويق، منذ بضعة أسابيع، وهي فصول عرفت أوج إثارتها خلال ما سمي «جمعة الضحك»، حيث تحولت قاعة الاجتماعات إلى «سيرك» حقيقي، مما اضطر العمدة إلى الانسحاب من الجلسة، لأنه لم يستطع «ضبط» ما يجري، خصوصا بعدما اتضح وجود «سيناريو» محبوك لضرب المعارضة، تمثل في «مسرحية» الرشوة، التي كشف عنها مستشار جماعي أخرج من جيبه مبلغ 20 ألف درهم وقال إنه تلقاه من شخص محسوب على المعارضة من أجل دفعه إلى عدم حضور أشغال الدورة، وهو ما تطلّب حضور الفرقة الوطنية للأمن للتحقيق في ما جرى. واستمرت فصول تلك المسرحية المضحكة عبر ملاسنات ومشاجرات لا تليق بمجلس مدينة مثل طنجة، توصف بأنها «القاطرة الاقتصادية الجديدة للبلاد»... وخلال تلك الجمعة، «جمعة الضحك»، حاول أحد المستشارين شنق نفسه، عندما قام من مكانه في المنصة وعلّق ربطة عنق على عمود نافذة، محاولا الانتحار، مع أن انتحاره كان ممكنا وبسهولة كبيرة لو قفز من نافذة تلك القاعة الموجودة في الطابق السابع... وخلال نفس الجمعة، كشف رؤساء فرق حزبية ومنسقون جهويون، بكثير من الجرأة، عن التهديدات التي تلقوها من حزب «الأصالة والمعاصرة» من أجل التصويت على فؤاد العماري كعمدة جديد للمدينة، ووصلت تلك التهديدات درجة خطيرة. واستمرت تلك التهديدات بعد ذلك، عندما كشف منسق حزب الحركة الشعبية، سمير بروحو، عن تهديد مباشر تلقاه من العمدة فؤاد العماري، بإدخاله السجن إذا لم يحضر دورة التصويت على الحساب الإداري، وهو تهديد أوصله بروحو إلى والي طنجة وإلى الجهات المسؤولة، وينتظر فتح تحقيق حوله في القريب العاجل. بعد «جمعة الضحك»، كانت «جمعة الغضب»، قبل حوالي أسبوع، حينما تجمّع الكثير من السكان داخل مقر الجماعة ورددوا هتافات تطالب بإسقاط المجلس وبرحيل العمدة. وقد ردد شباب 20 فبراير شعار «الشعب يريد إسقاط المجلس»، بتزامن مع مظاهرات كانت تعم طنجة، والتي يعتبر «رحيل» العمدة واحدا من أبرز مطالبها. في «جمعة الغضب»، أيضا، بدا جليا أن أيام فؤاد العماري باتت معدودة وأن رحيله مسألة وقت فقط، خصوصا أنه لم يعد مدعوما سوى من عدد من «أباطرة الفساد»، الذين حكموا طنجة في زمن «السيبة»، وهؤلاء يعرفون أنفسهم جيدا وملفاتهم «الوسخة» ستنكشف للجميع، في حال استمرارهم في دعم مجلس فاسد، ومن بينهم أشخاص لديهم ملفات «قذِرة» في كل المجالات، بينها التبييض والمخدرات والاستيلاء على الأراضي وتزوير البطاقات الرمادية والمتاجرة في الكوكايين والتلاعب في قضايا الضرائب و»أشياء» كثيرة أخرى... اليوم، هناك جمعة واحدة تنتظر العماري ومن معه وهي «جمعة الرحيل».. وبما أن التقاليد صارت تقتضي أن أي مسؤول يجب أن يتكلم ثلاث مرات على الأقل قبل رحيله، كما حدث لبنعلي ومبارك، فإن أول كلام للعماري سيكون في نهاية الأسبوع الجاري خلال ندوة صحافية، وبعدها قد يلقي كلمة أخرى يُصرّ خلالها على البقاء، وبعد «خطبته» الثالثة، ستتحقق -بالتأكيد- آمال الطنجاويين برحيل العمدة وإسقاط المجلس بكامله وبأن تعود طنجة إلى زمن القانون وتخرج من زمن «السيبة»، ولو نسبيا. الجميع إذن، في انتظار «جمعة الرحيل».