محمد بن عيسى عمدة لطنجة.. إنها الإشاعة الأكثر انتشارا في طنجة منذ عدة أشهر، إلى درجة أن كثيرين صاروا يرددونها على أنها واقعة لا محالة. الذين رددوا حكاية بن عيسى مع عمدية طنجة فعلوا ذلك مستندين على أسس من بينها أن الرجل منذ أن ترك منصب وزير الشؤون الخارجية قبل حوالي سنتين، وهو منصب شغله سنوات طويلة، لم يتقلد أي منصب آخر. كما أن انشغاله بمهرجان أصيلة الثقافي السنوي يجعله قريبا دائما من طنجة، بالإضافة إلى هذا وذاك قربه من الملك، وهذا يعني أنه يمكن أن يتابع الأوراش الاقتصادية الكبرى في المدينة التي تتم بأوامر مباشرة من الملك. لكن الذين صدقوا هذه الإشاعة نسوا أن رجلا مثل بن عيسى، بعلاقاته النافذة والممتدة داخل البلاد وخارجها، وبمسيرته الطويلة سفيرا ووزيرا، من الصعب أن يأتي في نهاية المطاف ويصبح عمدة في مدينة يحكمها الوالي ومساعدوه. كما أن الذين صدقوا هذه الإشاعة نسوا أن العمدة السابق، دحمان الدرهم، كان العمدة المفضل لدى السلطة لأنه لا يقول لا، ولا يمكن أن نتصور أن بن عيسى يمكن أن يكون عمدة لطنجة ثم يقول نعم لسلطات المدينة، وهو يعرف جيدا «البير وغطاه»، كما يقال في المسلسلات. غرام وانتقام وخارج الإشاعة هناك الواقع، والواقع يقول إنه بعد سقوط الدرهم، يعني دحمان الدرهم، فإن الخارطة «تخربقت» بشكل كبير، خصوصا أن السلطة ظلت تراهن على إعادة ترسيم ذلك الرجل «الاتحادي» في منصبه، وهذا ما يعتبره الكثير من السكان «لعبا غير نظيف»، وأيضا نقصا في الذكاء من جانب السلطة، لأنه، إن كان لا بد من اللعب، فمن الأفضل أن تلعب السلطة في السر وليس في العلن، وربما لعبت رغبة السلطة في إعادة تنصيب الدرهم دورا كبيرا في إسقاطه لأن طنجة كلها كانت تعرف أن السلطة تحب الدرهم والدرهم يحب السلطة، لهذا جاء الانتقام صعبا، على نفس الطريقة في فيلم «غرام وانتقام». اليوم ذهب الدرهم وبقي الكرسي فارغا ينتظر من يملؤه، وهناك مرشحون يمكن حصرهم في أربعة أو خمسة أسماء، وهم أشخاص يوجدون في أحزاب فازت بالأغلبية في انتخابات الجمعة الماضي، وعلى رأس هذه الأحزاب حزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة، وهناك أيضا اسم آخر من حزب الاستقلال. المتنافسون خمسة.. سادسهم المفاجأة الاسم الرائج في طنجة هو اسم يوسف بن جلون، وكيل لائحة التجمع الوطني للأحرار في طنجة المدينة، الذي نجح رفقة 8 مرشحين من لائحته، ويعتبر مرشحا قويا للمنافسة، رغم أنه «لم تكن لديه رغبة في هذا المنصب»، لأن «منصب العمدة يحتاج لتفرغ تام من أجل مصلحة المدينة»، يقول بن جلون في تصريح ل«المساء»، ويضيف «أنا كشخص لم أكن مستعدا لهذا المنصب، وهدفنا كان دائما الحزب وليس الشخص أو المنصب»، لكنه يستدرك «سنجتمع قريبا مع عدد من الأحزاب وسنرى، ونحن كونّا لجنة من وكلاء اللوائح لتدارس هذا الموضوع». قبل إجراء الانتخابات، كان الاسم الأكثر تداولا هو اسم سمير عبد المولى، وكيل لائحة الأصالة والمعاصرة في طنجة المدينة، وهو الذي دخل المعترك الانتخابي لأول مرة، وحصل في هذه الدائرة على 4 مقاعد، كما حصل حزبه على 13 مقعدا في دوائر طنجة الأخرى، وتحالفه المرتقب مع محمد أقبيب، وكيل لائحة مستقلة، الذي فاز ب 6 مقاعد، والذي سينضم قريبا لهذا الحزب، يمكن أن يرفع مقاعد الأصالة والمعاصرة إلى 19، وسيكون آنذاك في موقع تفاوضي أقوى على اعتباره القوة الانتخابية الثالثة في المدينة. عبد المولى كان سينافس الدرهم بقوة، وربما كانت المنافسة ستكون ثنائية مائة في المائة،، لكن الدرهم اليوم صار في خبر كان، لذلك طرحت أسماء جديدة ستكون في حلبة المنافسة. ويقول عبد المولى ل«المساء» إن حزبه «لم يحسم بعد في هذا الموضوع»، وأن «التحالف ممكن مع الجميع لأن الأصالة والمعاصرة حزب قريب من كل المغاربة ومن كل الأحزاب». من جهته، لم يكن حزب العدالة والتنمية يخفي منذ عدة أشهر رغبته في أن يكون العمدة من صفوفه، وكان الحديث يدور في طنجة هو أن هذا الحزب إذا لم يصل لمنصب العمدية، فإنه قد يتحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لكي يصل الدرهم لمنصبه لثاني مرة، على أن يكون الحزب الإسلامي الرقم القوي في معادلة التسيير والمراقبة في مجلس المدينة. اليوم، وبدون الدرهم، سيكون على حزب العدالة والتنمية أن يبحث عن عملة أخرى، وهذه قضية لم يطل مسؤولو الحزب في المدينة التفكير فيها، وسيتحالفون مع التجمع الوطني للأحرار. ويقول محمد نجيب بوليف، الاسم القوي في هذا الحزب بطنجة والفائز بلائحتها في بني مكادة، «اسمي مطروح للعمدية مثلما هناك أسماء أخرى مطروحة»، ويضيف «في الأيام القليلة المقبلة هناك إمكانية التحالف مع التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري». العمدية مسألة توافقات بوليف يترك الحسم للأيام المقبلة، ربما لأنه يعرف أكثر من غيره أن تنصيب عمدة لمدينة ما ليس مرتبطا بالانتخابات بقدر ما هو مرتبط بتوافقات صعبة تكون فيها السلطة معادلة أساسية، ويعرف أنه بعد بضعة أشهر على إقالة عمدة مكناس، أبو بكر بلكورة، بسبب تهم مختلفة في التسيير، سيكون من الصعب أن يتم تنصيب عمدة من العدالة والتنمية في مدينة كبيرة مثل طنجة. لكن كل الاحتمالات ممكنة طبعا، والقرار الأخير يأتي من الرباط في هذه الحالة. خارج هذا المثلث الشخصي والحزبي، هناك اسم آخر يطرح كبديل في حال فشلت الاختيارات الأخرى، وهي تنصيب عبد العزيز بن عزوز، وكيل لائحة التجمع في منطقة مغوغة، ومدير ديوان وزير المالية صلاح الدين مزوار، لكي يكون العمدة المقبل لطنجة، أما السبب فهو أن هذا الرجل يحظى برضى الجميع، وله صفة شخصية تميل نحو اللعب على حبل التوازنات. الاسم الآخر المطروح لهذا المنصب، حتى وإن كان أقلها حظا، هو محمد العربي بوراس، وكيل لائحة حزب الاستقلال في دائرة طنجة – المدينة، والذي استطاع تجاوز العتبة وفاز بأربعة مقاعد. بوراس يستمد قوته من الماضي أكثر من الحاضر، لأنه كان بعد انتخابات 2003 مرشحا قويا لشغل هذا المنصب، غير أنه في آخر لحظة، وبعد أن اعتقد الجميع أنه العمدة الرسمي لطنجة، أصبح الرجل فجأة خارج التغطية، وقال الناس ما قالوه، ومن بين ما قالوا أن الرجل توصل بمكالمة هاتفية «مجهولة» نصحته بالابتعاد عن المنافسة، وأنه أصبح محرجا أمام الأغلبية من أنصاره الذين كانوا مستعدين للتصويت عليه، فقرر إطفاء هاتفه المحمول وانطفأت معه كل حظوظه. ويبدو اليوم اسم بوراس بعيدا عن المنافسة إلى حد ما، لكن اسمه يمكن أن يخلق المفاجأة في أي وقت، لأن عالم السياسة عالم المفاجآت بامتياز. ويبدو مثيرا أن ثلاثة أسماء قوية مرشحة لمنصب العمدة قادمة كلها من ميناء طنجة. الأول سمير عبد المولى، نجل عبد العالي عبد المولى، مالك أسطول كوماريت البحري. والثاني يوسف بن جلون، رجل الصيد البحري الذي استطاع في سنوات أن يحقق لنفسه الكثير من الصيت الاقتصادي والسياسي أيضا. والثالث هو محمد العربي بوراس الذي يعتبر أقوى رجال البحر والصيد البحري في الميناء. بْغينا عمدة عنْدو شخصية في كل الأحوال، ورغم أن التجمع الوطني للأحرار حصل على الأغلبية، تماما مثل العدالة والتنمية، فإن خروج عمدة من صفوفه سيكون مستبعدا لسبب رئيسي، هو أن محمد بوهريز، المنسق الإقليمي والرجل القوي في الحزب، هو المرشح الأساسي لشغل منصب رئيس جهة طنجة- تطوان، ومن المستبعد أن يحتكر حزب التجمع الوطني للأحرار منصبين هامين في مدينة واحدة، اللهم إذا قرر بوهريز الانسحاب من المنافسة على هذا المنصب، وبذلك سيفسح المجال لمرشحين من حزبه لنيل العمدية، لكن هذا جد مستبعد لأنه يعني خروج بوهريز «من المولد بلا حمص»، حيث لا يمكنه الترشح لمنصب العمدية لأنه كان ثانيا في لائحة حزبه بمقاطعة مغوغة. لهذه الأسباب تتقوى حظوظ حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال في نيل منصب عمدة طنجة، لكن لا شيء يمنع من ظهور احتمالات أخرى وبروز أسماء مغمورة يمكن أن تنزل في آخر لحظة وفقا لتوافقات معينة. وخارج الواقع الانتخابي، وخارج الأرقام التي أفرزتها الانتخابات، وخارج التحالفات والتوافقات، فإن سكان طنجة يطرحون اسم عمدتهم بطريقتهم الخاصة. إنهم لا يطرحون اسما معينا لهذا المنصب، لكنهم يقولون إنهم يريدون عمدة بشخصية قوية وقدرة أكبر على معارضة المشاريع والاستثمارات الفوضوية، عمدة قادرا على أن يقول لا للرجال الأقوياء داخل مبنى ولاية طنجة حين يصيبهم الإسهال في التوقيع على مشاريع البناء وتفويت المناطق الخضراء وغيرها من المثالب التي عجلت بنهاية الدرهم. الطنجاويون يريدون إذن أن يتوقف مسؤولو طنجة عن الحلم ب«دراهم» جديدة، وأن يعملوا على خدمة المدينة وسكانها بمنطق المسؤولية الحقيقية. هناك سؤال آخر يطرحه سكان طنجة، وهو ماذا ستفعل السلطات لكي توقف عملات البيع والشراء الكبرى عند انتخاب العمدة. لقد انتهت عملية شراء الأصوات ب 100 أو 500 درهم للصوت، وجاء الوقت الذي تبيع فيه الرؤوس الكبيرة ذمتها بعشرة ملايين فما فوق. ماذا ستفعل السلطة إذن؟ هذا هو السؤال..