قبل بضعة أيام، طلب المساهم الرئيسي في إذاعة «كاب راديو» من شريكه في الإذاعة سمير عبد المولى، وهو عمدة طنجة أيضا، أن يترك منصبه في ظرف 14 يوما، وفي حالة عدم تحقق ذلك، فإن المساهم الرئيسي سيقوم بإقالته... ما جرى في «كاب راديو» اعتبره البعض استمرارا لما يجري حاليا داخل دواليب حزب «الأصالة والمعاصرة» في طنجة، حيث يقف العمدة في مواجهة «نيران صديقة»، وتصوب نحوه فوهات بنادق الأصدقاء والأعداء على السواء، بسبب «أخطاء جسيمة»، يقول خصومه إنه ارتكبها، وبسبب «حسابات ضيقة»، يقول العمدة إن خصومه يحاولون تصفيتها معه. نيران صديقة.. تأتي الأحوال المستجدة داخل إذاعة «كاب راديو» لتضع حدا ل«سنوات العسل» بين رفاق درب واحد، من الذين تحالفت أهدافهم ورؤوس أموالهم فتم إنشاء إذاعة «كاب راديو»، التي غنت في حفل افتتاحها المغنية اللبنانية هيفاء وهبي على ظهر باخرة في ميناء طنجة، وهو الحفل الذي ما زال الكثيرون ينتقدونه أو يسخرون منه، ويبدو في النهاية أن لديهم الحق في ذلك، ما دام أن حفلا باذخا ينتهي اليوم ب«طلاق بائن» بين المساهمين في الإذاعة... في حال خروج عبد المولى من إذاعة «كاب راديو»، فإن طموحاتِه الإعلاميةَ ستتقلص إلى حد كبير، خصوصا أنه كان يطمح أيضا إلى شراء جريدة يومية وطنية، حيث سبق أن عرض على مالكي «الجريدة الأولى»، التي توقفت عن الصدور، بسبب صعوبات مادية، شراء أزيد من 50 في المائة من الأسهم، لكن المفاوضات توقفت، بسبب عدم الاتفاق على سعر محدد. ويصف العمدة المفاوضات قائلا في لقاء سابق مع «المساء»: «هم يقولون إن رأسمال الشركة ملياران، وبالتالي علي أن أدفع مليارا، لكنني رفضت ذلك وقلت لهم: الله يْجيبْ ليكم التيسيرْ، هذا غير معقول».. بعد ذلك، ستتناسل إشاعات تقول إن العمدة يرغب في شراء جريدة «أخبار اليوم المغربية»، خصوصا بعد لقاء جمعه بمدير الجريدة، توفيق بوعشرين، في طنجة، غير أن قوة «إشاعة» البيع لم تكن بالحجم الذي يمنحها الكثير من الاهتمام... هناك من يفسر اهتمام سمير عبد المولى بالإعلام، سواء في «كاب راديو» أو محاولة شراء «الجريدة الأولى»، بأن حزب «الأصالة والمعاصرة» يبحث عن وسائل إعلام لترويج صورته وأهدافه، في الوقت الذي يقول العمدة إن الدول المتطورة التي سبقت إلى هذا الميدان فهمت جيدا أن الإعلام الحزبي هو إعلام فاشل، ويضرب مثلا ببعض الصحف الإسبانية التي لها تعاطف مع الأحزاب، لكنها ليست مرتبطة بها. وعموما، فإن اهتمام العمدة بمجال الإعلام لا يأتي من فراغ، فهو الرجل الثاني في شركة النقل البحري العملاقة «كوماريت»، ومن الطبيعي أن كل شركة كبرى تحاول التسلح بجدران إعلامية، لكن في البداية والنهاية، فإن الرجل الأول في المؤسسة هو الذي يقرر أخيرا، أي الأب عبد العالي عبد المولى، الذي يبدو أنه اكتشف مساوئ السياسة مبكرا، فقرر الانزواء في الظل، فيما خرج ابنه للتلظي بشمسها الحارقة... من هنا كانت البداية.. وصول عبد المولى إلى عمودية طنجة لم يكن يتوقعه هو نفسه، خصوصا أنه تمرد على والده، عبد العالي عبد المولى، قبل حوالي سبع سنوات عندما ترشح لنفس المنصب، لكنْ في ذلك الوقت حدثت أشياء جعلت الوالد ينسحب، فتولى وقتها دحمان الدرهم شؤون العمودية، قبل أن تهزه موجة «تسونامي» انتخابية، يوم 12 يونيو من العام الماضي. والد العمدة، عبد العالي عبد المولى، بدأ بصنع اسمه كواحد من أغنياء المغرب، منذ سنوات الثمانينيات، إلا أن اسمه لم يكن معروفا لدى العموم، إلى حدود فترة نهاية التسعينيات، ثم برز بعد ذلك قليلا، بعد أن أصبح الرجل مرشَّحا لمنصب العمدة. يمكن اعتبار عائلة «عبد المولى» من عائلات العهد الجديد، رغم أن جذورها ممتدة أيضا في «العهد القديم». فعبد العالي عبد المولى هو صهر الجنرال الدليمي، الذي قضى نحبه في حادث غامض، في بداية الثمانينيات، وهما معا من منطقة واحدة في نواحي سيدي قاسم. ويبدو من الغريب أن البعض يتحدثون عن الميولات اليسارية لعبد العالي، الذي يؤكد أحد مقربيه بأنه هاجر إلى النرويج، في محاولة استباقية لأي اعتقال محتمَل، بسبب علاقته آنذاك بأسماء يسارية معروفة. يقول مقرَّبون من هذه العائلة إنها اكتسبت المال والنفوذ في منطقتها في مجال الزراعة وتربية المواشي، ومنها خرج قياد ومسؤولون وأغنياء، لكن هذا لم يشفع لأب العمدة الحالي، حين أراد، يوما، أن يترشح في منطقته ففشل، لكنه حقق في طنجة ما لم يستطع تحقيقه في مسقط رأسه، ويقول سكان طنجة إن الولي الصالح «سيدي بوعراقية» يكرم الوافدين إلى المدينة بسخاء. كان البحر هو سر النجاح المالي لهذه العائلة، منذ أن بدأت العمل في أول باخرة كانت تحمل اسم «باسم الله»، ومع ازدهار النقل البحري بين إفريقيا وأوربا وارتفاع أعداد المهاجرين والنشاط الاقتصادي، أصبحت شركة «كوماريت» واحدة من أكبر شركات الملاحة في المغرب وإفريقيا، والدليل على ذلك أنها «التهمت» جزءا من رأسمال شركة «كوماناف»، بصفقة بلغت قيمتها 88 مليارا، وهذه المؤسسة هي التي يشغل فيها حاليا عمدة طنجة، سمير عبد المولى، منصب نائب الرئيس المدير العام... أسباب الاهتمام الإعلامي منذ أن تم انتخاب عمداء المدن المغربية، قبل حوالي سنة، لم يهتمَّ الإعلام المغربي بأحد هؤلاء أكثر مما اهتم بعمدة فاس، حميد شباط، وعمدة طنجة، سمير عبد المولى... واليوم، يبدو هذا العمدة الشاب، الذي بلغ بالكاد عامه السادس والثلاثين، «نجما» إعلاميا بامتياز، لكن نجوميته محل جدل... يقول كثيرون إن الاهتمام الإعلامي بعبد المولى مرده إلى أشياء خارج السياسة، فهو عمدة شاب وثري، وأيضا أعزب.. وفوق هذا وذاك، ينتمي إلى حزب عادةً ما يثير حوله الكثير من اللغط، إضافة إلى أنه توفق في أن يخلق لنفسه أعداء كثيرين، منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى العمودية، على الرغم من أن أعداءه يهرولون نحوه لمعانقته بالأحضان، كلما التقوه، وهذا نوع جديد من العداوة السياسية يمكن ألا يراه الناس في مدن أخرى، لكنه موجود في طنجة.. مسار سمير عبد المولى، المهني والإداري، أغنى بكثير من مساره السياسي. ومنذ أن ولد في الدارالبيضاء في أحد أيام أبريل من سنة 1974، تقلد مهام كثيرة في عدد من المؤسسات الاقتصادية، بعد أن أنهى دراسته وحصل على شهادة في إدارة الأعمال والمقاولات. بين سنة 1997، أي عندما كان في الثانية والعشرين من العمر، وسنة 2007، تولى الابن الأكبر لعبد العالي عبد المولى مهام كثيرة بدت أكبر من سنه: كان مسؤولا عن ترويج المواد الفلاحية، ثم مسؤولا عن محطة الاستراحة في العرائش، ثم مديرا للتسويق في شركة «كوماريت» البحرية، وبعد ذلك مسؤولا عن إنشاء وتسيير الخط البحري الجديد بين ألمرية الإسبانية والناظور، الذي رأى النور سنة 2002. في سنة 2003، تولى سمير عبد المولى مهمة إنشاء وتسيير محطة الاستراحة في تاوريرت، وفي 2006، تقلد منصب الرئيس المدير العام لشركة «هولدينغ 2010»، ثم منصب مدير عام لشركة «كوماريت»، وصار عضوا مؤسسا في مؤسسة «أسفار بلادي»، التي تضم 23 وكالة للأسفار، موزَّعة ما بين المغرب وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا. في 2007، دخل عبد المولى مجال الإعلام، عبر تأسيس شركة خاصة بالمجال الإعلامي، ومنها انبثقت إذاعة «كاب راديو». العمدة والخصوم... في أيامه الأولى كعمدة للمدينة، كان اسم سمير عبد المولى مغمورا. تساءل الناس عن اسمه وسيرته، ثم طرحوا سؤالا أكبر: ماذا سيفعل عمدة من مواليد 1974، في مدينة تهيمن عليها «المافيات» من كل نوع: مافيا الحشيش ومافيا العقار ومافيا التسيير ومافيا الانتخابات... لكنْ اليوم، وبعد سنة من توليه منصب العمودية، هناك أسئلة أخرى تطرح، من بينها ما سر الجدل المثار حوله؟ ولماذا يتحدث الناس كثيرا عن غياباته عن أشغال مجلس المدينة؟ ولماذا يتعامل باستعلاء مع أعضاء مجلس المدينة؟ ولماذا كثرت حوله الإشاعات، إلى درجة أن كل شمس تشرق، تظهر معها إشاعة جديدة حوله؟... تقول الإشاعة التي يتم تداولها، بشكل شبه يومي، في طنجة إن العمدة قد استقال، ويرد العمدة، بمزيج من الجدية والسخرية، بأنه إذا كانت الإشاعات حول العمدة بهذه الكثافة والقوة، فهذا يعني أن منصب العمدة مهم جدا... لكن مشكلة العمدة أن الإشاعات كانت تخرج في الماضي من صفوف خصومه السياسيين، أما اليوم، فإن الإشاعات تخرج من بيت حزب «الأصالة والمعاصرة» نفسه، الذي ينتمي إليه العمدة، وهو ما يُحرِج سمير عبد المولى، الذي يرد على كل من يسأله حول هذا الموضوع بضرورة توجيه السؤال إلى المنسق الجهوي للحزب. إنه يرمي «كرة النار» التي في يده إلى الآخرين. يقول المقربون من العمدة إن مظاهر العفوية لديه تعطي الانطباع بأنه لا يحب التفاصيل، في الوقت الذي يتميز بذكاء حاد، لكن ذكاءه يختفي خلف خجله ومزاجيته، وهذا ما يسبب له مشاكل تنتفخ فتأخذ أبعادا أخرى. هناك مسألة أخرى يجمع عليها المقربون منه، وهي أنه عنيد ولا يتنازل بسهولة، لكن عناده لا يمنعه من استضافة أعتى خصومه السياسيين في منزله، من أجل وجبة عشاء أو غداء. وفي أكثر مراحل تكدر العلاقات بينه وبين أحزاب مثل «العدالة والتنمية» أو «التجمع الوطني للأحرار»، فإن سمير عبد المولى يجلس جنبا إلى جنب مع أشخاص مثل محمد بوهريز، الذي خاض ضده صراعا شرسا، خلال فترة انتخابات العمودية، أو مسؤولين في حزب العدالة والتنمية. ويبدو أن تكدر العلاقات بين العمدة وخصومه تظهر في وسائل الإعلام أكثر مما تظهر في الواقع. وخلال حفل نظمه في منزله قيادي من «العدالة والتنمية» في طنجة، جلس العمدة جنبا إلى جنب مع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وتوجه هذا الأخير للعمدة بدعابة تحمل أكثر من معنى، حين قال له إن مكانه الطبيعي هو في حزب «العدالة والتنمية» وليس في حزب «الأصالة والمعاصرة»... اليوم، يوجد العمدة في قلب كل شيء. وعندما تم هدم المستشفى اليهودي المهجور، قبل بضعة أسابيع، تحركت «زوبعة» حقيقية، بينما يقول العمدة إنه يتحمل مسؤوليته الكاملة في إصدار قرار هدم هذا المستشفى، لأنه يشكل خطرا على سلامة المواطنين، ويضيف أن الطائفة اليهودية في المدينة، شأنها شأن باقي المواطنين، ولا فرق بين جميع المواطنين المغاربة. بْحالي بْحال عبّاسْ!... يعتبر سمير عبد المولى أن الانتقادات الموجهة ضده مردها بالأساس إلى أن مجلس المدينة، في عهده، بدأ يشتغل بطريقة مختلفة. ويقول، في لقاء مع «المساء»: «لقد بدأنا داخل الجماعة نشتغل بأسلوب مغاير للأسلوب الذي كان سائدا، فمثلا لا يمكنني أن أشتغل، أنا الذي أنتمي إلى مواليد منتصف السبعينيات، بنفس الطريقة التي كانوا يشتغلون بها بعد الاستقلال، وإذا كنت سأطبق نفس الأسلوب، فلماذا أتحمل المسؤولية؟».. ويضيف: «لقد اقترحنا على جميع المكونات السياسية الحضور معنا في إطار المكتب الموسع، من أجل إبداء رأيها بخصوص المواضيع التي تهم المواطنين، غير أن البعض اقترحوا علي، في لقاء عشاء ضم مختلف المكونات السياسية، أن أقيل نائبين أو ثلاثة من المكتب المسير وأن أعوضهم بآخرين من المعارضة، لكني رفضت الأمر، وذهبت أبعد من ذلك وقلت لهم: أعطوني ضمانات على أن المكتب سيبقى على حاله، وسأمنحكم كرسي العمودية.. وإذا كنتم تريدون أن يكون نجيب بوليف (عن العدالة والتنمية) عمدة لكم، فليتفضل من اللحظة، لكنهم رفضوا، وقالوا إنه ليس لديهم اعتراض علي كعمدة للمدينة، ولكن لديهم بعض الملاحظات حول المكتب. قلت لهم إننا لسنا في ضيعة حتى نقيل من نشاء، وبدون سبب. وفي النهاية، قلت لهم إذا أردتم مكاني فمرحبا، لكن المكتب «عْطيوه التّيقارْ»... يدافع عمدة طنجة عن مكتبه بشراسة، في الوقت الذي يرى كثيرون أن هذا المكتب لا يستحق ذلك، لأنه مكتب متنافر وبدون هوية واضحة، وهو أيضا مكتب يضم أسماء تثير الهلع. لكن لعبد المولى تبريره في الدفاع عن «مكتبه»، ويقول: «هناك مدينة واحدة على مستوى المدن الست التي تتوفر على عمدة نجح في تكوين أغلبية واضحة ومريحة، هو حميد شباط، عمدة فاس، وباستثناء هذه المدينة، فلا يمكن أن نتحدث عن أي مكتب مسير في المدن الكبرى لديه عقلية واحدة ويحكمه نفس التوجه ومصلحته موحدة». ويضيف ساخراً: «بْحالي بحالْ عباس الفاسي»... التعمير.. السؤال الكبير لخصوم العمدة رأي يترجمه أحد المستشارين الذي يقول ل«المساء» رأيه بصراحة: «لا يستحق هذا الرجل أن يكون عمدة للمدينة، فهو تنقصه الكفاءة ويعيبه المزاج، وغياباته المستمرة لا تطاق، وهو يعطل مصالح المواطنين.. كما أنه يتعامل باستعلاء مع تظاهرات كثيرة تعرفها المدينة، وقد كان غيابه عن ندوة حضرها خطيب المسجد الأقصى «القشة التي قصمت ظهر البعير»... وغاب، أيضا، عن ملتقى برشلونة، الذي يشكل فرصة تاريخية لطنجة لكي تواكب طريقة تسيير المدن المتوسطية.. كما أنه لم يستوعب بعدُ أنه صار عمدة، وهذا المنصب يجب أن يدفعه للابتعاد عن عاداته القديمة. وعموما فإنه يجب أن يقتنع مع نفسه بأن منصب العمودية مسألة جدية»... لكن للعمدة أصدقاءه الذين يرون الأمور بشكل مختلف. يقول أحد المقربين منه إنه حينما وصل سمير عبد المولى إلى عمودية طنجة، انتظر أعضاء المجلس توزيع التفويضات كما ينتظرون «وْزيعة»، والصراع الحالي، في جزء كبير منه, مرتبط بإحجام العمدة عن منح تفويض العقار لأشخاص يرى أنهم ينتظرون الفرصة فقط للاغتناء من جديد. ويتابع المصدر قائلا: «لنكن واقعيين ونقارن ما بين مرحلة العمدة السابق ومرحلة العمدة الحالي، فدحمان الدرهم وزع التفويضات يمينا ويسارا، لذلك لم تكن له أي مشكلة.. وقد كانت هناك صفقات مشبوهة في عهده، وحصلت زوجته على صفقات مربحة جدا، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات تؤكد ذلك.. ويكفي أن ننظر إلى مشاريع زوجته لكي نكتشف هول ما جرى. كما أن شبح «دوق دو طوفار» ليس بعيدا، وهناك أيضا قضايا نزع الملكية لعدد كبير من الناس عندما كان رئيسا للمجلس البلدي، وهناك أراض انتُزِعت من مالكيها بدرهم للمتر المربع من أجل «المصلحة العامة».. ثم تحولت إلى فيلات.. ومع ذلك، فإن الجميع كانوا «متواطئين» ومتفقين على الصمت، بما في ذلك السلطة، وساندوه لأنه كان يسايرهم في كل شيء، حتى تحولت المدينة إلى مستنقع من الفوضى. أما اليوم فإن سمير عبد المولى في فوهة المدفع، لأنه لم يدخل في صفقات مشبوهة ولا أحد يتوقع أنه يوجد في هذا المنصب لكي يغتني، لأنه غني أصلا. وإذا كان التفويض هو سبب المشاكل فأظن أنه سيظل كذلك لمدة 5 سنوات مقبلة، لأن تفويض التعمير لن يأخذه أحد، أما غير هذا من الأشياء فهي جزئيات تناقَش، لأنه من غير المعقول أن يتعرض العمدة لكل هذا السيل من النيران وهو لم يكمل بعد سنته الأولى في التسيير». بين كلام خصوم العمدة وكلام المقربين منه، يمكن أن توجد الحقيقة، ويمكن أيضا أن تضيع. لكن في كل الأحوال، فإن الجانبين لهما حظهما من الصواب ومن الخطأ، والأيام المقبلة وحدها ستحل هذه المعضلة... عبد المولى ولعبة ليّ الذراع مع «أمانديس» منذ أن تولى العمدة زمام الأمور في مجلس المدينة، وهو يقول إنه حدد أهدافه بشكل جيد، ومن بينها إبعاد شركة «أمانديس» عن المدينة، وهي الشركة التي تملك التدبير المفوض للماء والكهرباء والتطهير، والهدف الثاني: وقف شركة «الصابو»... إلى اليوم، ما زال العمدة يقول إنه حقق أشياء كانت من بين أهدافه وأشياء أخرى طارئة, من بينها إبعاد شركة «الصابو»، ويقول بفخر إنه كان أول عمدة في المغرب يلغي العقد مع شركة «الصابو». الهدف الآخر هو استرجاع حوالي 20 هكتارا من النادي الملكي للغولف، التي كان يطالب بها ورثة الأسرة العزيزية، نسبة إلى السلطان مولاي عبد العزيز، وبذلك تم توفير ملياري درهم. ثم مراجعة دفتر التحملات وحصيلة الاستثمارات التي كان من المرتقَب أن تقوم بها شركة «أمانديس»، التي تُدبِّر قطاع الماء والكهرباء وقنوات الصرف الصحي في المدينة. لم تكن علاقة عمدة طنجة مع «أمانديس» ودية في يوم من الأيام. ففي أول لقاء لمدير الشركة مع العمدة، جاء المدير الفرنسي إلى الاجتماع بلباس صيفي، فغادر العمدة القاعة، ثم توالت التشنجات.. لكن ذلك لم يمنع الناس من الاستغراب عندما كان العمدة حاضرا في اللقاء الذي تم على إثره منح «شهادة إيزو» لهذه الشركة، لأنه يبدو من غير المنطقي أن يطالب عمدة برحيل شركة، لرداءة خدماتها، ويكون حاضرا في حفل تسليمها جائزة... يرى عبد المولى أن فشل «أمانديس» يكمن في رأسمالها غير الكافي، وبسبب هذا أصبحت تمول استثماراتها في المدينة عبر الزيادة في الفواتير، ويقول إنه لا يعقل، مثلا، أن يكتري الناس في طنجة بيتا ب1000 درهم مثلا، في حين أن فاتورات الماء والكهرباء تبلغ 1500 درهم... ويضيف: «ربما طنجة هي المدينة الوحيدة في العالم التي تعتبر فواتير الماء والكهرباء فيها أغلى من كراء البيت نفسه. ومن الغريب أنه في الوقت الذي أنشأت الدولة صندوق المقاصة، لتشجيع القدرة الشرائية للمواطنين، فإن «أمانديس» تأتي وتهدم كل شيء. إذن لدينا صراع كبير مع هذه الشركة الفاشلة، لكنْ كانت هناك مجموعة من الضغوطات والتدخلات التي تدافع عنها». للعمدة مزاجه الخاص أيضا، لأنه لا يتردد في إعلان ابتهاجه، لأن طنجة لم تفز بتنظيم المعرض الدولي 2012، وهو يقول ذلك في لقاءاته العمومية، ويعتبر أنه لو فازت طنجة بذلك المعرض فإن حياة الناس كانت ستتحول إلى «جحيم»، بسبب الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة. يتميز مزاج العمدة بحدة طريفة أحيانا. وفي لقاء سابق له مع صحافيين إسبان عُقِد في بيته، قال صحافي من «إيل باييس» إن مدينة الحسيمة المغربية هي أقرب مدينة مغربية إلى الثقافة الإسبانية، لأنها بقيت معزولة وحافظت على علاقاتها السابقة مع إسبانيا. غير أن العمدة رد بأن أقرب مدينتين مغربيتين للثقافة الإسبانية هما سبتة ومليلية, فأحس ضيوفه الإسبان بما يشبه «وخز إبرة»، وحاول أحد أصدقاء العمدة أن يثنيه عن الكلام، فوخزه في رجله، فطلب منه العمدة -وبصوت مرتفع- أن يتوقف عن وخزه!...