مشهد صعود أحد معتلقي ما يسمى ب«السلفية الجهادية» بالمغرب فوق سور سجن «الزاكي» بسلا يوم 25 فبراير المنصرم سيكون انعطافة خطيرة في مسلسل الاعتصامات المتكررة، التي خاضها معتقلو «السلفية الجهادية» منذ اعتقالهم بجميع سجون المملكة بعد أحداث 16 ماي الإرهابية. صعود المواطن المغربي الحامل للجنسية الألمانية محمد حاجب سور حي ميم 1، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي عشرة أمتار، حاملا معه لافتة كتب عليها «إلى متى هذا الظلم؟ متى سيرحل قانون الإرهاب الإرهابي؟»، كما يرى متتبعون لموجة احتجاجات المعتقلين في ملف «السلفية الجهادية»، كان خطوة جديدة وغير مسبوقة في مواجهة المعتقلين السلفيين مع الدولة. اعتصام نقل على وجه السرعة بصوت والصورة على موقع «يوتوب» الأمريكي، في بادرة جديدة من المعتقلين لتوثيق ما يجري وما يدور داخل أسوار سجن سلا. خطوة احتجاجية جديدة أجبرت المسؤولين على الجلوس على مائدة الحوار مع ممثلين عن المعتقلين. جلسات الحوار التي دارت يومي 25 و26 فبراير بين محمد لديدي الكاتب العام لوزارة العدل وحفيظ بن هاشم المندوب العام للسجون المغربية مع هشام معاش ومحمد الشطبي، عن المعتقلين، كانت كافية لينزل المعتقلون من فوق سور السجن ويلتحقوا بزنازنهم صباحا يوم الأحد 27. لكن هل نجح لديدي فعلا في امتصاص غضب ملف المعتقلين الإسلاميين بشكل نهائي، أم أنه السكون الذي يسبق العاصفة؟ الجواب لم يتأخر، وجاء في تشبث المعتقلين بإطلاق سراحهم الفوري وغير المشروط، وهو ما سيدخل الملف في منعرج خطير، فتصاعدت حدة التوتر يوم27 فبراير، في قضية معتقلي ما يسمى ب«السلفية الجهادية»، ووصلت إلى الباب المسدود بعد فشل الحوار بينهم وبين الكاتب العام لوزارة العدل محمد ليديدي والمندوب العام للسجون المغربية حفيظ بن هاشم. نهاية التصعيد عبر عنها المعتقلون بالسجن المدني بسلا في بيان شديد اللهجة، حيث أعلنوا «الحرية أو الشهادة». لكن لعبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، رأي آخر في تفسير سبب التصعيد بعد 27 فبراير، حيث قال في تصريحات ل«المساء»، إن السبب كان نتيجة ما تداولته وسائل الإعلام بخصوص الإفراج المحتمل عن معتقلي ملف خلية «بليرج»، وهو ما اعتبره المعتقلون، حسب مهتاد، انتقائية في التعامل مع المعتقلين، «فكان هذا التصعيد ردة فعل منهم». هي ردة فعل المعتقلين الإسلاميين إذن، حسب مهتاد، لكنها لا تخدم بأي طريقة ملف المعتقلين، حيث اعتبر مهتاد بأن أغلب الاحتجاجات، التي خاضها المعتقلون منذ2003، كانت مجرد ردود فعل، وليست خطوات نضالية محسوبة تضع سقفا زمنيا ومطلبيا، وهو ما يعيبه مهتاد على هذا الاعتصام بقوله إن «مطلب الإفراج صعب التحقيق، على اعتبار أن هؤلاء المعتقلين صدرت في حقهم أحكام قضائية، والحل هو حصولهم على العفو الملكي، الذي يظل المسطرة الوحيدة بعد صدور الأحكام. وفي هذا الصدد، قال مهتاد إن هذه الاعتصامات وأدت الوعود التي سبق أن قدمتها إدارة السجون للمعتقلين بتمتع 41 شخصا من معتقلي السلفية، الموجودين بسجن عكاشة بالدار البيضاء، بالعفو الملكي بعدما أعلنوا عن مراجعات أفكارهم الجهادية التكفيرية. أكثر المتشائمين من المتتبعين لملف «معتقلي السلفية الجهادية» لم يكن يتخيل أن يقوموا بتنفيذ تهديدهم بإحراق الذات أو رمي أنفسهم من السور، فتحول التهديد إلى حقيقة بعد إقدام معتقلين على محاولة حرق ذاتيهما، وحاول أحدهم رمي نفسه من أعلى سور السجن، فأصيب ببعض الكدمات، أما معتقل رابع فوضع مشنقة في عنقه وربطها برجله وهو يمشي فوق السور. المعتقلون رفعوا شعار «الحرية أو الشهادة»، لكن شروط الشهادة التي يتحدث عنها المعتقلون غير متوفرة في هذه الحالة، كما يقول مهتاد، قبل أن يضيف مفسرا «لسنا أمام ظاهرة الشهادة، والإسلام لا علاقة له بما يقع في سجون المملكة». وأضاف بأن المعتقلين اختاروا أسوء مثال للمطالبة بإطلاق سراحهم، لأن السلطات اعتقلتهم بسبب فكرهم الجهادي، وهم يرفعون الآن شعار الشهادة، وبذلك «لا يعطون السلطات التطمينات الكافية لإطراق سراحهم»، يضيف مهتاد مفسرا. أزيد من 700 من معتقلي ملف السلفية الجهادية دخلوا في عدة سجون في اعتصامات مفتوحة، للمطالبة بالإفراج عنهم بدون قيد أو شرط، حيث يخوض هؤلاء المعتقلون اعتصامهم بكل من سجون القنيطرة وتيفلت وآيت ملول وسلا والجديدة ووجدة، ويرفضون الدخول إلى الزنازن، كما صعد بعضهم فوق أسوار السجون. لكن طرق الاعتصام كانت أكثر عقلانية في بعض السجون من غيرها، وهو ما أكده عبد الرحيم مهتاد بقوله: «معتقلو سجون القنيطرة وتيفلت اعتصموا بطريقة عقلانية، في حين اتسم اعتصام سجن سلا بالفوضى». لكن السؤال الذي يظل مطروحا في هذا التصعيد، الذي فتحه معتقلو «السلفية الجهادية» مع الدولة بعد الثورات التي يعرفها العالم العربي، هو: من المستفيد من التصعيد الذي رفعه المعتقلون في سجون المملكة؟ومن وفر البنزين لهم لكي يقوموا بإحراق ذواتهم؟.