بعد ثلاثة أيام من حالة الاحتقان والضغط، انتهت نسبيا العاصفة التي عرفها السجن المحلي بسلا منذ يوم الجمعة 25 فبراير 2011 بعد أن اختار أحد المعتقلين في إطار ما يعرف بملف ''السلفية الجهادية'' الانتحار عن طريق إحراق جسده بالغاز وهو ما سانده حينها مجموعة من المعتقلين على خلفية نفس الملف بنفس السجن، في حين ظل العديد من المعتقلين بباقي السجون يرتقبون ما سيؤول إليه الأمر..وهو ما كان ينذر بكارثة حقيقية حينها لولا تدخل ممثلين عن وزارة العدل، مندوبية السجون لتهدئة الوضع من خلال تقديم الوعود. وفي مقابل الاحتجاجات التي عرفها السجن المحلي بسلا، تجمعت العشرات من ذويهم مقابل نفس السجن، رفعت صور المعتقلين، ورددت شعارات تشدد على براءة هؤلاء مما نسب إليهم، وتطالب بإطلاق سراح أبناءها. يطالب معتقلوا ''السلفية الجهادية'' اليوم بإطلاق سراحهم ومعاقبة المسؤولين عن الزج بهم في غياهب السجون وهو أبرياء، وفي وقت سابق طالبت الجمعيات الحقوقية ولازالت تطالب بفتح ملف ''السلفية الجهادية'' الذي طاله الغبار منذ ثماني سنوات، وفتح حوار جاد معهم بهدف معرفة الاتجاهات الحقيقية للمعتقلين، وطبيعة الأفكار والقناعات المذهبية التي يعتنقونها، والعمل على تصنيف هذه الأفكار. وفي إطار ذلك طالبت الجمعيات بإشراك كل الفاعلين في المجتمع من علماء، وسياسيين وحقوقيين لطي هذا الملف، ولتدارك بعض الأخطاء التي طالته من بداياته..بل تقدم العديد من المعتقلين أنفسهم بمراجعات فكرية وسياسية هل يمكن اعتبار الخطوة الإيجابية التي أقدمت عليها وزارة العدل، بداية للمصالحة وفتح باب الحوار. تصعيد جاء في تقرير مفصل لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان أنه مباشرة بعد صلاة العصر، من يوم الجمعة 25 فبراير 2011 بالسجن المحلي بسلا، قام السجين ''محمد حاجب'' المعتقل في إطار ما يسمى بالسلفية الجهادية، والذي يحمل إضافة إلى جنسيته المغربية الجنسية الألمانية بحركة احتجاجية، حيث صعد السور الداخلي الذي يبلغ علوه قرابة 10 أمتار، ويفصل بين ''حي ميم 1 وحي ميم ''2 ولحق به فيما بعد قرابة 19 معتقلا آخر على سور السجن . كانت بحوزة ''حاجب'' قنينة بنزين، وهدد بإحراق الذات على غرار ما فعل ''محمد البوعزيزي'' بتونس، وانضم معتقلو حي ميم 2 من نفس المجموعة إلى هذه الحركة الاحتجاجية، وهكذا اصطف البعض منهم فوق السور المشار إليه سابقا، كما اعتلى قرابة 50 شخصا سطح بناية داخل الحي، بينما رفض البقية الدخول إلى الزنازن واعتصموا في الساحة، وهدد آخرون بشنق أنفسهم بحبال أعدوها لذلك في حالة حصول أي محاولة لكسر احتجاجهم، وقد طالبوا بحضور وزير العدل، محمد الطيب الناصري، ومدير لادجيت، ياسين المنصوري وأحد مستشاري الملك وممثلين عن الجمعيات الحقوقية، ويقدر عدد معتقلي السلفية الجهادية بسجن سلا ما بين 300 و320 سجينا، حيث أمضى المحتجون ليلة الجمعة فوق السطح وفي الساحة، في حين اعتصمت العائلات أمام باب السجن في اجتجاج مواز، مساندة من الجمعيات الحقوقية: ''تنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة، ومنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورابطة حقوق الإنسان''، وهو ما خلق نوعا من الدعر في صفوف الجهات الأمنية والجهات المعنية بهذا الملف على الخصوص. الحوار أولا اختارت الجهات المسؤولة طريقة الحوار بدلا عن التصعيد والعنف، حيث بدأت بوادر ذلك صباح يوم السبت مع ''محمد حاجب'' السجين المحتج الذي هدد بإحراق نفسه، حضره كل من الكاتب العام لوزارة العدل، محمد ليديدي، والمندوب العام للسجون، عبد الحفيظ بنهاشم، وسفيان أوعمرو، ومصطفى حلمي المسؤولين بمندوبية السجون ووكيل الملك، وعامل ووالي الأمن-حسب نفس التقرير-. بعد ذلك انفرد الكاتب العام لوزارة العدل، محمد ليديدي والذي يتوفر على مكانة خاصة لدى المعتقلين- بحسبهم-، وانتهت النقاشات إلى اتفاق مبدئي يقضي بفك الاحتجاج والاعتصام، مقابل نقل كل مطالبهم إلى وزير العدل، ويتمثل المطلب الأساسي في إطلاق سراحهم، وفي هذا الإطار أوضح لهم ليديدي أن تحقيق هذا المطلب يحتاج إلى وقت من أجل دراسة ملفاتهم، ولضمان التزام وزارة العدل بما تم التفاق عليه، طالب المعتقلون بحضور الجمعيات الحقوقية كشاهد على ما سيحدث أثناء الاجتماع أو الحوار. تدخل زمني كان الحضور الأمني جد مكثف وقد حاولوا في اليوم الأول-يوم الجمعة- إبعاد العائلات عن بوابة السجن، وأغلقوا الشارع الأمامي عن مرور السيارات، إلا أن العائلات واصلت اعتصامها ليلا حيث باتت في معتصمها ليلة الجمعة، واستمر الاعتصام إلى حدود مساء يوم السبت26/2/,2011 فعلى الساعة الخامسة تقريبا، بعدما انصرفت الصحافة والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وانصرف رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان مصطفى الرميد، والمحامي خليل الإدريسي احتشد رجال الأمن والقوات المساعدة وقوات التدخل السريع مدججين بالهراوات وطوقوا العائلات المعتصمة، ومارسوا عليها العنف وقد كان من نتائج ذلك إصابة أحد المعتصمين بكسر يده، وإصابة آخر في موضع عملية جراحية كان قد أجراها سابقا حيث اضطر إلى إجرائها من جديد، وأصيب ثالت برضوض في ظهره أما النساء فقد أصبن بارتفاع الضغط الذي أدى إلى إغماءات، ونقل المصابون إثر ذلك إلى مستشفى عبد الله بسلا . كما طردت العائلات في الشوارع والأزقة الموجودة أمام السجن المحلي خوفا من عودتها إلى المعتصم -يضيف التقرير-، هذا وتعرض مواطنون اصطفوا لمشاهدة عملية مطاردة والشد والجذب إلى قمع وانتزاع الهواتف النقالة التي كانوا يلتقطون بها الصور. وقد حضر مطاردة العائلات الأستاذ خليل الإدريسي الذي جاء لضمان الحماية، ورصد أي تعسف، والمدير التنفيدي لمنتدى الكرامة، وتمت تعبئة العائلات للالتحاق بوقفة باب الأحد، تم انصرفت العائلات على أساس أن تواصل الجمعيات الحقوقية الاشتغال على الملف. إطلاق السراح توج احتجاج معتقلي السلفية الجهادية بسن سلا بحوار صباح الأحد 27/2/,2011 حضره محمد حقيقي، المدير التنفيدي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وواكبته خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وعبد الإله بنعبد السام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي الجانب الآخر، حضر كل من الكاتب العام لوزارة العدل، محمد ليديدي وعن مندوبية السجون وإعادة الإدماج بادة، ومدير سجن المحلي لسلا بوعسرية. في حين اختار المعتقلون ستة أشخاص لتمثيلهم، ثلاتة من حي ميم، وثلاثة من حي ألف ''محمد الشطبي، هشام هماش، وبونجرة ياسين، ومحمد حاجب، وعبد الرحمان الزميزم'' وخلال الاجتماع، حدد الكاتب العام لوزارة العدل -حسب تقرير منتدى الكرامة لحقوق الإنسان-دوره في نقل مطالب المعتقلين إلى وزير العدل من أجل دراستها وإيجاد تسوية لها، مشيرا إلى أن ذلك يحتاج إلى وقت. كما أوضح المدير التنفيدي لمنتدى الكرامة دوره المتمثل في ضبط ما تم الاتفاق حوله ما بين الطرفين، وضمان تفعيل ذلك من خلال آلية المتابعة التي ستقوم بها الجمعيات الحقوقية كطرف مع وزير العدل. من جهة أخرى، طغى في سياق التعريف بقضيتهم جانب الاختطافات والتعذيب والمحاكمات الغير العادلة، وما تلا ذلك من أحكام قاسية و تعذيب ومضايقات، وإهانة العائلات حتى داخل السجون، وعدم استفادة هذه الفئة من السجناء من العفو الملكي لمدة طويلة، والإبقاء على ملف الاختطاف مفتوحا، وتقديم مجموعات جديدة ومحاكمات بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب. تمثلت مطالب المحتجين إذن في إطلاق سراحهم، محاسبة المسؤولين على اختطافهم وتعذيبهم، مع تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب. ورد الاعتبار والإدماج الاجتماعي والتعويض. وفي مقابل ذلك وعدهم الكاتب العام لوزارة العجل، محمد ليديدي بعدم إنزال عقوبات تأديبية في حق المعتقلين المعتصمين، والتواصل مع المنذوبية العامة لإدارة السجون بشأن ما يتعلق بوضعيتهم داخل السجن.