على الأنظمة التي لم تشملها الفوضى بعدُ، أن تتعامل بحذر شديد مع ما سيأتي، فالمملكة العربية السعودية، صمام الأمان للأنظمة الخليجية، وجدت نفسها فجأة أمام امتحان عسير.. هل ستتحدث الخارجية الأمريكية؟ هل سيستمر علماء البلاط السعودي في تحريم التظاهر للمطالبة بالحقوق؟ وماذا سيكون موقفهم إن تكلم عالم علماء المسلمين وعالم البلاط الأميري لقناة «الجزيرة» القالبة للأنظمة؟ مملكة البحرين لم يحسم أمرها بعد، وأظن أنها لن تستطيع الصمود كثيرا، لأنها تقع بين كماشتين «كماشة الإدارة الأمريكية التي نددت بقمع المتظاهرين، وكماشة إيران التي سبق لها أن اعتبرت البحرين جزءا من إمبراطوريتها الإسلامية. إذن، فقد تعقد الموقف بعد سقوط القتلى والمطالبة وتدخل قوات الخليجية... في المملكة المغربية، مازلنا، إلى حد الآن، بعيدين عن الأعين بالشكل الذي كانت تستهدفنا به قناة الشيخ حمد الذي لا شك أنه طمأن عباس، خلال زيارته الأخيرة له، إلى عدم إشعال الفتيل وإلى تركه وحكومته في أمن وأمان، كما أن زيارة الشيخة موزة وقضاءها رأس السنة في مراكش جعلا طاقم جزيرتها يتجنبنا شيئا فشيئا، وخصوصا بعد أن فشلت في إسقاط نظام العقيد الذي صب جام غضبه على هذه القناة. إننا معنيون ولا شك بالإجراءات التي أقدم عليها الملك والمتمثلة في تعيين مجلس خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري قيل إنه اقتصادي واجتماعي.. والذي لن يأتي -في نظري- بأي جديد مادام لن يمارس مهامه على الفور، كما أن تشكيلته لا تبعث على الارتياح لكونها تضم البورجوازية التي تتصارع، للأسف، في ميدان الاقتصاد.. كما عبر عن ذلك كل من كريم التازي ونور الدين عيوش، وهما من أعضاء هذا المجلس ومن المستفيدين من اقتصاد الريع والمال «السايب» الذي وضع بين يدي عيوش (في مهزلة 2007 دابا)، وهو نفس المنحى الذي اختاره الملياردير الشعبي، الشيء الذي يؤكد أن هؤلاء لا علاقة لهم بمصالح الأمة، ونفس الشيء يقال بالنسبة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عين على رأسه أحد المغتربين، والذي يسكن باريس ولا شك أن له جنسية مزدوجة ولا أظن أنه سيضيف شيئا يذكر إلى ما تحقق على عهد بنزكري، إذ بقيت توصيات المجلس السابق حبرا على ورق. وقد زاد الملك من سرعة إصلاحاته وعين لجنة للإصلاحات الدستورية ومؤسسة الوسيط، ولكن هذه اللجنة شكلت، للأسف، من نفس الأسماء التي لم تعط شيئا في السابق، كالمحجوب الهيبة الذي كان أمينا عاما للمجلس الاستشاري... لا يكفي إحداث مؤسسات، بل المهم هو عمل هذه المؤسسات... المغرب على عهد الملك محمد السادس قطع أشواطا كبيرة ونجح في الكثير من الأوراش وتعثر في أشياء أخرى. ولكن المهم أن حالنا أفضل بكثير من أغلب هذه الأنظمة التي تتعرض اليوم للتخريب. نحن في حاجة إلى المصالحة مع ضحايا العهد الجديد وهم كثيرون على كل حال.. من العلماء والإسلاميين وضباط الجيش والأمن والدرك والقوات المساعدة ورجال السلطة والصحفيين والقضاة الذين أدوا ثمن فتح بعض الملفات التي أدير فيها الصراع بين الأجهزة الأمنية واختلط فيها الحابل بالنابل دون دراسة معقلنة قبل الخوض في ثناياها، لأن أكبر هزة أصابت المغرب جاءت مباشرة بعد أن آل تدبير المجال الأمني إلى جهاز العنيكري وفتح باب القمع الشرس ضد الأشخاص والمؤسسات الصحفية والقضائية والأمنية والعسكرية ومؤسسة العلماء وبعض الأحزاب المحسوبة على الدين. إن آثار هذه المآسي لن تنمحي إلا بجبر الضرر وإنصاف كل المظلومين على إثر أحداث 2003 كاملة انطلاقا واقعة جزيرة ليلى مرورا بما سمي بالخلية السعودية النائمة التي كادت تسمم العلاقات المغربية السعودية، وما سمي بقضية التوأم المتهمتين بمحاولة تفجير البرلمان، وقضية الرماش ومن معه.. وكل هذه الأحداث وغيرها استهدفت زعزعة استقرار البلاد وعرقلة الجهود المبذولة في سبيل تحقيق إقلاعها التنموي وإنجاح مسلسل انتقالها الديمقراطي. على الدولة أن تحاسب المسؤولين الحقيقيين عن هذه المآسي وأن تنصف المظلومين، وذلك بإعادة التحقيق في كل هذه الأحداث لحصر التجاوزات والضرب على أيدي الضالعين فيها تفعيلا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب. نعم.. التجاوزات كانت وقود تلك الوقائع والأحداث، وقد كان عبد الإله بنكيران محقا في مطالبته بإعادة التحقيق فيها...