انطلقت أمس دروس مادة القيم القضائية الموجهة للملحقين القضائيين الذين يتابعون تكوينهم في المعهد العالي للقضاء، والتي أعطى انطلاقتها محمد الطيب الناصري، وزير العدل، الذي أكد أن مادة القيم القضائية سيتم تدريسها وفق منهجية حديثة، من شأنها تمكين الملحق القضائي من الولوج إلى مفاهيم أخلاقيات القضاء وآدابه وكذا تدارس ومناقشة القضايا المرتبطة بتخليق الوسط القضائي. وأشار الوزير، في كلمة له، إلى أن الموروث الحضاري الإسلامي المتعلق بخطة القضاء يعكس الاهتمام البالغ بآداب القضاء ومناقبه وأخلاقياته، باعتبار أن ذلك هو أساس الثقة في القضاء ومبعث الاطمئنان إلى أحكام القضاة والشرط الجوهري لمصداقية القضاء وفعاليته. واعتبر الوزير أن «مدونة القيم القضائية» في مستوى مدونات الأخلاقيات القضائية المعمول بها في الدول المتقدمة، والتي تم التركيز فيها على دراسة مجموعة من القيم والمبادئ التي تعد من صميم مقومات العدالة المعاصرة، المتمثلة على الخصوص في استقلال القاضي ونزاهته وحياده وإخلاصه وحرصه على تحقيق المساواة وضمان المحاكمة العادلة والتقيد بمقومات الاستقامة والوقار واللياقة والحرص على التمسك بالسلوك القضائي القويم والعمل المتواصل للرفع من كفاءة القاضي. وقد أعد المعهد العالي للقضاء برنامجا خاصا لتكوين كتاب الضبط على «ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط» ومنهجاً دراسياً يتضمن درسا خاصا بأخلاقيات كتابة الضبط في مجال القضاء الأسري. ومن جهته، أكد محمد سعيد بناني، المدير العام للمعهد العالي للقضاء، أن مدونة القيم جاءت في ظرفية تعتبر المسؤولية وقيم القضاء في قلب الجدل الحالي في المغرب بشأن تخليق الحياة العامة، مما جعل القضاة يشعرون بضرورة وجود هذه المدونة، وإن كان الاتجاه في بعض الدول يروم غير ذلك، «فمثلا في بريطانيا لا يتوفر القضاة على مدونة للقيم، ومع ذلك يتمتعون بالاحترام على الصعيد العالمي». وأشار بناني إلى أن تدوين قواعد السلوك كان أمراً ضروريا، لأن حل النزاعات المعروضة على المحاكم يجب أن يوحي بالثقة، وبالتالي فإن واجبات القاضي المفروضة عليه هي الضمانة الناجعة لسموه ونزاهته، مضيفا أن «المبادئ الواردة في مدونة القيم تخول للمواطنين الاطلاع عليها وفهمهما، مما يساهم في ثقة المتقاضين في قضائهم». وذكر المدير العام للمعهد العالي للقضاء أن «التوازن المعقول بين درجة التزام القاضي بالتحفظ داخل المجتمع وبين ضروراته وحاجياته ليس بالشيء اليسير، نظرا إلى اختلاف الثقافة والعادات المنتشرة في العديد من مناطق المغرب». يذكر أن مدونة القيم القضائية أصدرتها الودادية الحسينة للقضاة، بعد سنوات من البحث والنقاش، وتهدف إلى وضع مبادئ تحكم تصرفات القاضي في مواجهة نفسه، قبل غيره، وتمتد إلى كثير من الأفعال الخارجية المحسوسة وتتصف بالإلزامية، رغم عدم الجزاء في العديد من السلوكات.