يعتبر عمر الشباب أهم مرحلة عمرية في البناء الإنساني، إذ به قوام صناعة الحياة، كما أنه الفئة العمرية التي يمكن الرهان عليها في الشدائد والرخاء، ولا يمكن في أي حال من الأحوال اعتبار هذه الفئة مستهلكة أو مستهلكة لمغريات الحياة ومتطلباتها المزخرفة، فواقع الحال أبلغ من ألف مقال يمكن أن يسطر يقظة الشباب في ظل الظروف الدولية والإقليمية، هذا الشباب الذي لخص إرادته البيت الشعري: كل صعب على الشباب يهون هكذا همة الرجال تكون فكان للتاريخ كلمة سطرها الشباب في الكثير من الدول العربية والإسلامية بثورات سلمية ممنهجة بالتدبير الفطري القويم، بل إن التاريخ الإسلامي ليعطي الأنموذج الأمثل لإرادة الشباب في التغيير وتحدي العقبات، فكان أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زوجه أمنا خديجة رضي الله عنها علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وكان صبيا صغيرا نام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة وهو يعلم أنه مقتول لا محالة، ثم أبو بكر الصديق الذي أسلم في عمر الثامنة والثلاثين وأنفق ماله كله في سبيل الدعوة الإسلامية، وعمر بن الخطاب الذي كانت قريش توفده إلى القبائل الأخرى للتباحث معها أسلم في السادسة والعشرين وكان إسلامه قوة دافعة للدعوة الإسلامية، و الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله تعالى عنهم أجمعين والكثير من الصحابة الكرام الذين قاموا ببناء صرح الحضارة الإسلامية سندا لها ودعاة لصلاحها، إلا أنه وفي ظل انفتاح الأمة الإسلامية والغياب الممنهج للتأطير الديني السليم، أصبحت هذه الفئة تتجاوز في وصفها النعت الحسن إلى نعوت أخرى، مما يدفعنا إلى تصنيف الشباب إلى: شباب «قائد»: وهو ما تم الإلماع إليه في بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغالب أمره أنه شباب تجري معالم التغيير في واقعه على يديه، وهو نعت نخبوي أكثر منه عام، ويشترط فيه شرطان أساسيان، الأول يكمن في القوة البدنية والثاني يكمن في القوة العقلية وهو ما جاء مفصلا في كتاب الله تعالى حول نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقوته البدنية تكمن في قوله تعالى: «قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم، قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون». وقد جاءت هذه الآية الكريمة ردا على سؤال قومه حول كسر الأصنام، والتي تحتاج إلى شرط القوة البدنية، ودليل القوة العقلية جاءت في نفس الآية عندما أحال عطالة عقولهم على أصنامهم بتوجيههم نحو سؤالهم، فكان الوصف القرآني لهذه الفئة الشبابية القائدة بصفة «الفتوة» قال تعالى «سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم» وقال تعالى «إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى» التي وردت في شباب أهل الكهف. والتاريخ الإسلامي قد أعطانا نماذج كثيرة من هذه الفئة التي كان لها مفتاح التغيير والنصر في الأمة الإسلامية، كأسامة بن زيد ذي السابع عشر من العمر الذي قاد جيش المسلمين وفيه كبار الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ومحمد بن القاسم الثقفي. شباب «سائد»: وهو وصف مأخوذ من السيادة، أي الشباب الذي يسود قومه بالعلم والصلاح والعمل الهادف، والسيادة هي وصف ظاهر منضبط بشرط العلم والأخلاق، ولفظ السّيّد مشتقّ من السّؤدد، وهو: المجد والشّرف، ويطلق على المتولّي للجماعة. ومن شرطه وشأنه أن يكون مهذّب النّفس شريفاً. وعلى من قام به بعض خصال الخير من الفضل والشّرف والعبادة والورع والحلم والعقل والنّزاهة والعفّة والكرم... وروي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل: من السّيّد ؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قالوا : فما في أمّتك من سيّد؟ قال: بلى، من آتاه اللّه مالاً، ورزق سماحةً، فأدّى شكره، وقلّت شكايته في النّاس» وبقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار وبني قريظة : «قوموا إلى سيّدكم» يعني سعد بن معاذ. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحسن بن عليّ رضي الله عنهما - كما ورد في الصّحيحين «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ اللّه يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ومن ثم يكون هذا الوصف أكثر شمولية للشباب الذي لا يستهلك عمره في القيل والقال، وحديث المقاهي السافر المهلك للوقت، بل هو شباب هادف يعي ما يعمل ويعرف ما يريد وينأى بنفسه من الوقوع في حب الذات. شباب «راشد»: وهي فئة من الشباب يغلب عليها مبدأ المقاومة، مقاومة النفس عند انسياقها إلى الشهوات، ومحاورة الفكر عند انجرافه إلى الثغرات، وتجاوز الرغبة في الاستهلاك حتى لا يجد نفسه في سكة الهلاك، فئة تحتاج إلى من يقومها لأن طبيعتها مفطورة على التجاوب مع من له قوة الإقناع قولا وعملا، كما أنها مجبولة على قبول الخير وكره الظلم، وحب التعايش وكره الرفض، والفرح بالبناء واستنكار الفوضى، وهي ممن تعرف إيمانا ما بين الازدياد والنقصان، إلا أن لسان حالها عنوان التوافق مع كل خير. شباب «زائد»: وهو الشباب الذي سخر طاقته كلها في خدمة الرغبات الشهوانية، والانحرافات الأخلاقية، والسلوكيات الهدامة، والمعاملات البرغماتية، والنفعية الذاتية المطلقة التي لا تعرف في سلوكياتها إلا مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان»، وغالبا ما تنساق هذه الفئة من حيث لا تدري إلى خدمة أجندة الغير، دون دراية منها بعواقبها ومآلاتها، فإن هي ثارت دمرت، وإن هي استنكرت حول واقع معين فإنما هو استنكار تبعي للغة الإعلام، وإن هي أبدت رأيا فلا قيمة معرفية تحكمه، وإن هي عبرت عن قناعة غاب عنها معنى ما تقول، وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم حينما قال «لا تكونوا إمَّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس، أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» رواه الترمذي.