عندما ظهر الملك محمد السادس خلال يوم زفافه في سنة 2002، محمولا بجلبابه الأبيض على «ميدة الدورة»، التي تعتبر أحد أعرق وأقدم طقوس العرس المغربي التقليدي، كان المشهد استثنائيا بكل المقاييس، حيث ظل جميع المتتبعين مشدوهين لرؤية ملك البلاد يعيش أجواء فرحة العرس وطقوسه التقليدية، بالطريقة نفسها التي يعيشها كافة أفراد الشعب المغربي. بدت صورة الملك أثناء مراسيم الزفاف أقرب إلى العريس التقليدي، أكثر منه عريسا عصريا، فقد اختار أن يحيي زفافه بلفحة تقليدية جذابة ومثيرة. في تلك الفترة، كانت ملامح العصرنة والتحديث طالت إلى حد كبير «الميدة» التي يحمل فيها العروسان، إذ اختلفت ألوانها وصارت مرصعة بالأحجار... غير أن ظهور الملك في «ميدة» خشبية بسيطة، محمولا على أكتاف شقيقه مولاي رشيد وأصهاره، كان حدثا كبيرا، ومنذ ذلك الحين أصبح الكثيرون يميلون إلى «ميدة» خشبية كتلك التي ظهر فيها محمد السادس. والكثير من «النكافات» صارت لديهن مثل «ميدة» الملك، التي صارت طلبا موحدا لجميع العرائس من علية القوم وغيرهم. كان عرس محمد السادس والأميرة لالة سلمى عرسا مخزنيا بكل المقاييس، تخللته طقوس وأعراف قديمة، حاول الملك من خلالها أن يظهر لعموم المغاربة أن ميولاته هي نفسها ميولات أفراد الشعب، الذي يحتفلون بأعراسهم على مدى ثلاثة أيام، بدءا بمراسيم الحناء و»الهدية» وانتهاء بحفل «البرزة» و«الدورة في الميدة»، التي ظلت الحدث البارز والعالق بذهن المواطنين عن عرس ملكهم. استمرت مراسيم الاحتفال بزفاف الملك محمد السادس لمدة ثلاثة أيام، عاشت خلالها العاصمة الرباط ومدن أخرى مظاهر احتفالات شعبية عديدة، حيث أحيت الحفلات فرق الفلكلور الشعبي وفنانون مغاربة. ثلاثة أيام بدأت بما يسمى ب»يوم الانتظار»، حيث تم عرض الهدايا المقدمة للعروسين، في القصر في شكل مواكب من كل المدن والأقاليم. وخلال اليوم نفسه حملت «أطباق» «الهدية» التي يقدمها العريس للعروس على رؤوس «العبيد»، الذين دخلوا مبايعين على إيقاع طلقات المدفعية والأهازيج الشعبية. وظهرت العروس لالة سلمى متلحفة لباسا أبيض به خطوط خضراء. ولم يكن يظهر من الأميرة، التي جلست في منصة تقليدية شيء، حيث كان وجهها مغطى بإحكام، وإلى جانبها الملك محمد السادس وأفراد عائلته. وفي اليوم الثالث من الاحتفال، استقبل الملك المدعوين إلى الاحتفال. أما العروس فظهرت، في إطار ما يمسى ب«البرزة»، بلباسها التقليدي و«التخليلة» المخزنية، إلى جانب الملك، الذي كان يرتدي الجبادور الفاسي، ووراءهما العبيد الذين ظلوا يهتفون بحياة الملك ويباركون زفافه. كانت منصة «البرزة»، التي ظهر فيها الملك محمد السادس منصة تقليدية، صار الجميع يقلدها فيما بعد، حيث تخلى الكثيرون عن الكراسي الفارهة والمرصعة، وصاروا يطلبون «المنصة» المخزنية، مثلما يطلبون «الميدة» المخزنية كذلك. صار حفل زفاف الملك محمد السادس مرجعا بالنسبة إلى العديد من العائلات، التي ترتكن إلى تفاصيل وجزئيات ظهرت في عرس الملك. والكثير من «النكافات» وشركات تجهيز الحفلات، يؤكدون أن ملامح العرس المغربي صارت تنهل بشكل كبير من العرس الذي أقامه ملك البلاد. فصار الناس يطلبون «المنصة» الملكية و»الميدة» المخزنية، ويطلبون كذلك طقوس «الهدية» على غرار «هدية» لالة سلمى، أي أطباق محمولة على رؤوس رجال سود متلحفين «سلاهيم» بيضاء، ويضعون طرابيش حمراء اللون، وأكثر من ذلك يهللون بحياة العروسين مثلما يفعل عبيد الملك. بعض العائلات تمادت في التقليد، وصارت تطلب إحضار عربة ملكية، كالتي يظهر فيها الملك في العديد من المناسبات. وقد صارت العربات طلبا ملحا لعرسان كثر، يرتاحون لمظهرهم داخل العربة وهم يلوحون بيد ممسكة بسبحة ظاهرة لجماهير المدعوين. ظهور الملك بأشكال مختلفة من «الجابادور» حرك فضول الكثيرين، الذي صاروا يقبلون عليه في الأعراس أكثر من إقبالهم على الجلباب، الذي كان رائجا في وقت سابق. وانفتاح الملك على ألوان زاهية زاد من فضول «المقلدين»، الذين جعلوا من عرس الملك محمد السادس نموذجا لأعراس يصرفون ملايين الدراهم على إحيائها. ومن الطقوس المخزنية التي يقلدها المغاربة بشكل لافت، طقوس إعداد الشاي، التي تعهد غالبا إلى الفنان الكوميدي «بوجمعة أوجود»، والذي اشتهر بظهوره في أعراس الأثرياء بسلهامه الأبيض وطربوشه الأحمر جالسا في منصة خاصة حول صينية فخمة يعد الشاي ويقدمه للمدعوين.