إرسال المملكة العربية السعودية ألف جندي إلى البحرين تجاوبا مع طلب حكومتها لدعم أمنها في مواجهة التهديدات الأمنية التي تستهدفها، على حد قول بيان مجلس الوزراء السعودي، هو أخطر تطور سياسي وعسكري تشهده منطقة الخليج العربي منذ اجتياح القوات العراقية الكويت صيف عام 1990. الخطورة تكمن في أمرين أساسيين، الأول أن مثل هذا التدخل السعودي في أزمة داخلية لدولة ذات سيادة هو أمر غير مسبوق في المنطقة، والثاني: احتمال انفجار حالة استقطاب طائفي في المنطقة قد تتطور إلى حرب إقليمية، تتورط فيها قوى إقليمية وربما دولية أيضا. فقد كان لافتا أن القوات السعودية التي عبرت جسر الملك فهد إلى المنامة، والتي تبعتها قوات إماراتية تمركزت في المناطق ذات الطابع السني، الأمر الذي سيعطي انطباعا قويا بطائفية أو مذهبية هذا التدخل وتكريس تقسيم هذا البلد صغير المساحة وفق الاعتبارات الطائفية، مما يهدد وحدته الوطنية، أو ما تبقى منها، ويعرقل المصالحة لما قد يترتب عن ذلك من مرارات، وربما أحقاد قد تتعذر إزالتها في المستقبل القريب. فالمعارضة البحرينية، التي تشكل الغالبية في المظاهرات الاحتجاجية الحالية، لم تفاجأ بهذا التدخل العسكري السعودي فقط، وإنما سارعت إلى إدانته باعتباره «احتلالا أجنبيا»، وطالبت بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لحماية المدنيين في مواجهة خطر حقيقي يتربص بهم، على حد قول المتحدثين باسمها. البحرين تشكل عمقا استراتيجيا للمملكة العربية السعودية، مثلما تشكل في الوقت نفسه صداعا مزمنا بالنسبة إليها، بسبب تأثير الغالبية الشيعية فيها على نظرائها من أبناء الطائفة الشيعية على الشاطئ المقابل في المنطقة الشرقية السعودية (الاحساء) حيث توجد معظم الاحتياطات النفطية. ولعل خروج مئات المتظاهرين في هذه المنطقة، يومي الخميس والجمعة الماضيين، تجاوبا مع «يوم الغضب» الذي حدده شباب «الأنترنيت» و»الفيس بوك»، بينما كان التجاوب ضعيفا في مدن المملكة الأخرى هو أحد ابرز الأدلة على هذا التأثير. ويصعب علينا أن نفهم الأسباب الملحة التي دفعت الحكومة السعودية إلى إرسال قواتها إلى البحرين، فالمظاهرات البحرينية اتخذت، طوال الأسابيع الماضية، طابعا سلميا بحتا، ولم يستخدم المحتجون المطالبون بالإصلاح السياسي أي نوع من الأسلحة في مواجهة قوات الأمن المدججة بالسلاح التي كانت تتصدى لهم وتحاول تفريقهم حتى لو أدى ذلك إلى مقتل أعداد منهم، مثلما حدث قبل عشرة أيام عندما أطلقت عليهم النار فجرا وهم نيام في دوار اللؤلؤة. فهل جاء هذا التدخل العسكري السعودي خوفا من انهيار نظام الحكم الملكي السني في البحرين أم قلقا من توسع دائرة المظاهرات الاحتجاجية داخل السعودية، خاصة في القطيف والهفوف وباقي المدن الشيعية، أم للسببين معا، مما دفع مجلس الوزراء السعودي الذي انعقد أمس (يقصد الاثنين) بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الاستباقية بإرسال الدفعة الأولى من القوات إلى البحرين. الرسالة السعودية واضحة تماما، مفرداتها تقول إن المملكة لن تسمح بهز استقرار البحرين أو انهيار نظام الحكم فيها، وإنها ستقاوم «النعرات الطائفية» مثلما جاء في بيان مجلس الوزراء السعودي، ولكن هذه المغامرة أو المقامرة قد تكون مكلفة جدا، بل باهظة التكاليف ومحفوفة بمخاطر من العيار الثقيل. فالتدخل العسكري السعودي في البحرين، بالصورة التي شاهدناها، قد لا يؤدي إلى مقاومة النعرات الطائفية في دول الخليج وإنما إلى إذكائها وصب الزيت على جمرات نارها المدفونة تحت الرماد، مما يؤدي إلى هز استقرار المنطقة وإغراقها في حروب أهلية طائفية، قد تتطور إلى حرب إقليمية تنجر إليها إيران على وجه التحديد. فإذا كان الهدف هو التحرش بإيران وفتح معارك معها، تماما مثلما جرى استفزاز الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه عام 1990، سواء من حيث سرقة النفط العراقي وإغراق الأسواق العالمية بفائض نفطي كبير أدى إلى انهيار الأسعار إلى ما دون العشرة دولارات، فإن إيران ربما تكون أكثر وعيا هذه المرة، لكن هذا لا يعني أنها قد لا تلجأ إلى وسائل أخرى لزعزعة استقرار منطقة الخليج، والمقصود هنا استخدام سلاح العنف والإرهاب، وقد أعلنت طهران أمس (يقصد الاثنين) أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخل السعودي. لا نستبعد أن يكون هناك «مخطط ما» لتفجير مواجهات طائفية، في منطقة الخليج خاصة، لإشغال الجماهير العربية بها، وبما يؤدي إلى إجهاض الثورات الشبابية الإصلاحية التي تكتسح المنطقة العربية حاليا، وتطالب بإسقاط أنظمة ديكتاتورية قمعية فاسدة واستبدالها بأخرى ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتكرس حكم القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وإطلاق التعددية السياسية. وسواء وجد هذا المخطط أو لم يوجد، فإن اللعب بالورقة الطائفية في منطقة الخليج بالذات، وفي مثل هذا التوقيت، لن يكون في مصلحة دولها، بسبب هشاشة التركيبة السكانية فيها ووجود نسبة كبيرة من الشيعة من ذوي الأصول الإيرانية سيتعاطفون حتما مع أبناء طائفتهم، سواء في السعودية أو البحرين. فنسبة الشيعة تزيد على ثلاثين في المائة من سكان الكويت وعشرة في المائة في السعودية وسبعين في المائة في البحرين، وهناك تقارير تؤكد أن هناك حوالي أربعمائة ألف إيراني مجنسين أو مقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهؤلاء يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وممنوعون من تولي العديد من المناصب الحساسة في الجيش والأمن في دول خليجية عديدة. لا نجادل في أن المظاهرات الاحتجاجية في البحرين طائفية، ونقر بأن بعض الجهات المنظمة لها تتبنى إيديولوجيات متطرفة، ونشير أيضا إلى أن بعض المتظاهرين رفعوا صور المرشد الإيراني علي خامنئي، ولكن تظل أغلبية أبناء الطائفة الشيعية في البحرين معتدلة وتؤمن بالحوار والابتعاد عن العنف والتمسك بوسائل الاحتجاج السلمية، ولذلك كان الخيار الأفضل في رأينا هو الصبر بل والمزيد منه، والتمسك بالحوار للوصول إلى صيغة وسط ترضي جميع الأطراف. ونجد لزاما علينا أن نؤكد أن الحكومة البحرينية لم تتجاوب بالقدر الكافي مع مطالب المحتجين بتغيير رئيس الوزراء الذي يقبع في منصبه منذ أربعة عقود من منطلق المكابرة وبدواعي عدم الرضوخ لاحتجاجات ليّ الذراع، وهذا منهج خاطئ في رأينا، فالسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان أقال الوزارة وتعهد بإجراء تعديلات دستورية وطرد اثنين من أبرز مساعديه تجاوبا مع مطالب أبناء شعبه الذين انطلقوا في مظاهرات مماثلة لمظاهرات البحرين، فلماذا لم تفعل السلطات البحرينية الشيء نفسه؟ إدارة الأزمة في البحرين لم تكن في المستوى المطلوب أو المتوقع، كما أن تشدد المتظاهرين في مطالبهم لم يكن خطوة حكيمة أيضا، ولكن بات من المتأخر توجيه النصائح والاحتكام إلى العقل للحيلولة دون انزلاق البلاد والمنطقة إلى حروب طائفية مدمرة. المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى الثرية تتحمل مسؤولية غير مباشرة في انفجار الأزمة في البحرين عندما تركت هذا البلد الخليجي الفقير يواجه أزماته الداخلية المتفاقمة من بطالة وانهيار للخدمات وتراجع اقتصادي بسبب التأثر بالأزمات المالية العالمية، دون أي عون أو مساعدة رغم أنها تجلس على فوائض مالية يزيد حجمها على ألفي مليار دولار. وما تخصيص الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول مجلس التعاون عشرين مليار دولار كمساعدات لكل من البحرين وسلطنة عمان إلا اعتراف صريح بهذا القصور الاستراتيجي الفاضح. نضع أيدينا على قلوبنا خشية مما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت غير سارة. وأكثر ما يقلقنا هو الفتنة الطائفية التي تطل برأسها بقوة في منطقة الخليج، لأن نيران هذه الفتنة إذا ما اندلعت ستحرق الأخضر واليابس، وربما تنهي عروبة الخليج واستقراره، نقولها وفي حلقنا مرارة العلقم. المملكة العربية السعودية عارضت دائما أي تدخل في شؤونها الداخلية، وقال الأمير سعود الفيصل، وزير خارجيتها، إنه سيقطع أي إصبع خارجية ستمتد إليها، متبعا أسلوب أحمد أبو الغيط، نظيره المصري المقال. ترى، ألا ترى المملكة أنها بإرسالها ألف جندي إلى البحرين تفعل ما حذرت منه الآخرين؟