إلى حدود عام 2008، تاريخ إصدار كتابي «حفريات من زمن اليأس»، كنت من أشد وأشرس المنتقدين للفساد في المغرب بكل تلوينا ته. بعدها، أقنعت نفسي بإعطائها فسحة من التأمل والتفاؤل، دون أن أخذل ضميري وروحه المتقدة والمحاربة. أعتقد أن الأمر كان فعالا ومثمرا. لست ممّن يعتقدون أن الأحداث المتسارعة والمطالب المشروعة التي انتشرت في بعض أرجاء الوطن العربي كانت سببا في الإصلاحات التي أعلن عنها في المغرب. تنصيب المجلس الاجتماعي والاقتصادي، مأسسة حقوق الإنسان وورش الجهوية والتعديلات الدستورية، كلها أجندة لم تكن وليدة الصدفة أو إذعانا للأحداث المشار إليها أو تحت تأثير ثورة الشباب. سيكون من قلة الفهم والأمية السياسية ربط هذه بتلك. المجلس الاقتصادي والاجتماعي كان من المفروض أن يرى النور منذ عامين، ورش الجهوية بدأ رسميا منذ أكثر من سنة، والمتتبعون للشأن الوطني المغربي كانوا ينتظرون ويعرفون أن هذا الورش سيكون مؤسسا ومتبوعا بتعديلات دستورية. كل ما في الأمر، وكما قال الملك في خطاب تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي: «كل شيء بأوانه». أعتقد أن هذه الجملة الصغيرة، الجامعة والمانعة، لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه في سياق ما نسميه اليوم التغييرات والإصلاحات. بدون شك، كان الخطاب الملكي حدثا كبيرا، وبقدر ما كان ذا أبعاد إصلاحية عميقة، يحمل المغاربة مسؤوليات جسيمة، اعتبارا لكون جيل الإصلاحات المعلم عنها ستضع مسؤولية تنزيلها على عاتق كل المغاربة، حيث سيكون عليهم الحذر والحرص الكامل على أن يتبوأ شؤونهم من يستحق تدبيرها بعفة ونزاهة. إذا أخذنا موضوع الجهوية كأساس لما ينتظره المغاربة من تغييرات وإصلاحات، ستكون جهة طنجة/تطوان، والشمال بصفة عامة، نموذجا مثاليا لاختبار مصداقية مشروع الجهوية. هذه المنطقة عاشت، خلال الثلاثين سنة الماضية، ما يشبه الكارثة، بأسوأ أنواع التدبير وبأسوأ أصناف البشر. من تجليات هذه الحالة، على سبيل المثال لا الحصر، أن كل من امتلك قصرا وسيارة يفوق ثمنها 70 مليون سنتيم وعمارة من عشرة طوابق، فهو بالضرورة شخص فاسد، انتهازي، محتال ولص، هكذا وبهذا التوصيف الواضح. في طنجة فقط، احسبوها، كم من قصر بني فيها خلال العشرين سنة الماضية، كم من سيارة فخمة امتلأت بها شوارعها وكم من واحد دخلها حافيا عاريا فأصبح وجيها يعاند السماء من برجه ويخرق الأرض ب«قوائمه»، وما خفي أعظم، يتساوى في ذلك مسؤول إداري منتخب في مجلس جماعي أو فاسد محتال من أية درجة. المشاكل قادمة بدون شك وستكون أكبر وأسوأ إذا لم ننظر إلى الأمر بهذا المنطق البسيط، وإذا لم نفعل بكل تجرد وحزم إشهار سوط المحاسبة، المتابعة والعقاب، فقد تعرضت طنجة والشمال إلى التخريب والتدمير وعوقبت شر عقاب، لأن الفاسدين كانوا يحتالون على النصوص ما شاءت لهم أمراضهم. الآن ومع الإصلاحات الجديدة، سيكون على المغاربة، وأهل طنجة والشمال بالخصوص، أن يبدؤوا في العمل من الآن بأن يرفعوا رؤوسهم ويفتحوا أعينهم وحتى أفواههم، ليتمكنوا من مواجهة مصيرهم ومستقبلهم عن طريق إخضاع كل الفاسدين في منطقتهم للمراقبة والنبش في حياتهم وثرواتهم ومسؤولياتهم، حتى لا يفاجؤوا عند الامتحان بأن تتسلط عليهم نفس الوجوه، الجباه والبطون ممن لا يخافون الله. إنه مسؤولية جسيمة ستمكن من سد الأبواب والنوافذ والثقوب على من أذلهم وأهانهم وسرقهم وتاجر في كرامتهم وأرزاقهم وفرص عيشهم الكريم. وإذا لزم الأمر فضحهم والتشهير بهم وجرجرتهم إلى ساحة الحساب والعقاب. هنا يأتي دور الإعلام، المحلي منه بالخصوص، والذي مع الأسف كان سببا وعاملا مؤثرا في تفشي الفساد وطغيان أباطرته، وضمن عناصره أشخاص متمرسون وآخرون طارئون ومتطفلون، بعضهم يتلقي التعليمات والتوجيهات والإكراميات والحظوة، منهم من باع ضميره ونفسه وكرامته لأسياده بصمتهم عن الفساد والفواحش، وانبطاح البعض أمام الأضواء، الحفلات، الاجتماعات، الجلسات ومرافقة حاضني البهرجة والنفاق والانتهازية. الفضاء الإعلامي في طنجة موبوء، في حاجة إلى خلخلة وحلحلة ليصبح إعلاما مسؤولا، نظيفا وديمقراطيا. على العاملين في هذا الميدان أن يتحلوا بالعفة وكرامة النفس وعزتها، والتواضع، كما يجب حصرهم وتحديد هويتهم وضبط انتسابهم لتنطبق على من تتوفر فيهم المقاييس والمعايير المهنية، صفة الصحافة والإعلام. كل هذه الشروط والضوابط يجب أن تناط بجهاز يكون ممثلوه مثالا، أيضا، للتواضع، العفة ، النزاهة، الديمقراطية والاستقلالية، لا تغريهم الأسفار، الأضواء، الحفلات والمصالح الشخصية، ثم.. لا يخافون في الحق والعدل لومة لائم أو سيد.