هناك من يمارس الغباء السياسي في وضع أهداف سماوية في الوقت الذي يحترق فيه الناس في جهنم أرضية. عندنا في الطب إذا جاءنا مريض ينزف وعنده دمل سرطاني في الأنف، فما نفعله هو إيقاف نزفه وليس إعلان مشروع قطع منخره، ولو كان سرطانا، فهذا في الطب اسمه طبيب لم يتمرن بعد، وفي علم الأصول خريطة الأوليات، وفي السياسة تضييع الوقت الذهبي، وفي الإسعاف إهدار حياة الإنسان. خشيتي على الشباب تحولهم إلى تلاميذ تقليديين مثل مقلدة الفقهاء ودراويش الصوفية وموت العقل النقدي، فلا بد من بناء العقل الاستقلالي. نحن الآن في سوريا ننزف بالديكتاتورية كل يوم. وها قد جاء الربيع، وهي فرصة القرون للأمم. علينا التركيز الآن على ولادة مجتمع التوحيد بالتخلص من مجتمع القوة.. مجتمع الإكراه والكراهية. التوحيد هو قيمة سياسية وليس ثيولوجيا غبية. وفي بلاد اليونان تراكمت الآلهة فوق السحب ولم تكن مشكلة، كل المشكلة هي ألا يتخذ البشر بعضهم بعضا أربابا، وهي فحوى الرسالة التي وجهها النبي العدنان إلى ملك الرومان، وهي رسالتنا إلى القيادة السورية.. أن الحل ليس بتخفيض سعر المازوت بل رحيل الجبت والطاغوت. الوقت الآن يا شباب اللاعنف ليس وقت الكلام بل العمل والإنجاز. لقد كانت لكم عبرة في تونس ومصر وليبيا، وهي عبرة للطرفين: الشعوب والحكومات.. الشعوب أن تتحرر والحكومات أن تتعظ من الدروس. ولكن تسع آيات بينات لم توقظ ضمير فرعون وهو ما كرره سيف الإسلام، فقال نحن غير تونس ومصر، وهو ما كرره تشاوسيسكو في طهران قبل إعدامه بأربعة أيام وأنظمة أوربا الشرقية تتساقط، فقال: الناس مساكين لا يعرفون الشعب الروماني.. الحق أقول لكم حين يتحول شجر الصفصاف إلى كمثرى، حينها سوف تتحول رومانيا. في سوريا، يجب الانتباه جدا إلى سرطان الطائفية وطاعون القبلية وجذام الحزبية وإيدز المذهبية.. يجب الانفتاح إلى كل أطياف المجتمع السوري واتخاذ شعارات محددة، مثل: سوري سوري، لا بعثي ولا عبثي، لا شيعي ولا سني، لا كردي ولا عربي بل سوري سوري. عليكم حمل الورود لوضعها في فوهات بنادق الجنود مع قبلة، وقولوا له: أيها السوري لا تقتل أخاك السوري. ولنحضر فرقا موسيقية من البنات والشباب للاحتفال السلامي بولادة الإنسان السوري الجديد وبناء المسارح للفرق الفلكلورية والغناء الشعبي من كل الطوائف، فسوريا بلد ثري بالثقافات، وعليكم بالتدرب على الصلاة في مواجهة جنود الطاغوت، ولنبدأ بالترتيب للثورة السلمية القادمة بالتدرب على المقاومة السلمية، أي الاعتصامات. سوريا الآن تغلي وقد تنفجر في أي لحظة، علينا تكريس المفهوم اللاعنفي في المقاومة. ليس عندنا وقت كثير، فقد تفاجئنا الأحداث في أي لحظة. حاليا سقط طاغوتان والثالث يترنح والرابع والخامس في طريقهما إلى التحول المورفولوجي، ولا نعرف إلى أين يمضي ملك الموت، قابض الأرواح، إلى بلاد الأتراح والأفراح.. أتراح للأنظمة المتشيخة التي جاءها الأجل على غير وعد وموعد، وأفراح للشعوب التي كانت مثل جني نبي سليمان ترزح في العذاب المهين وجثة النبي سليمان متكئة على عصا، فما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين. وجثث الأنظمة العربية تشبه جثة سليمان التي شبعت موتا. مالك النوري من العراق أعلم بأنه لن يرشح نفسه وتحاصره ثورة شعبية نارها ليست من بوش والمخابرات الأمريكية، وكذلك اليمني شمر ساقيه للرحيل، وأبو العكازة السوداني يلوح بعصاه ويستعد للموت القريب وترفع الجزائر قانون الطوارئ. عندنا أسابيع أو أشهر للتحول الهائل وولادة الحرية. هناك من يريد وضع أهداف غير قابلة للتحقيق بإسقاط الفيتو العالمي. الوقت الآن ليس لنداء الفيتو ولا حرج في وضعه ضمن جملة الشعارات، ولكن حملة ال»فيسبوك» باتجاه الفيتو اسمها غباء سياسي، عفوا، ودفع القدرات حيث لا قدرة وتضييع الجهود، إذ نحتاج إلى كل سعرة حرارية. رسالتي هذه موجهة إلى جماهير الشباب وهي من باب أولى رسالتي الثانية إلى القيادة السورية، فأنا متيقن من أن أرصاده وعيونه وجواسيسه سوف تخضع هذه الرسالة للدراسة والتمحيص، فالنظام الشمولي يحصي دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، ولا تأخذه سنة ولا نوم. وهي نصيحتي له أن يستبق الأحداث قبل أن تسبقه. ومن يغفل عن سنن الل،ه فإن سنن الله لا تغفل عنه . هذه هي رسالتي الأولى لرئيس الجمهورية، وسوف تعقبها رسائل أخرى إن أسعفني القلم والطاقة والوجود. قد ننجح أفضل من المصريين بدون قطرة دم واحدة وبالإعلان التالي لمجموعة أمور من بشار الأسد: رفع قانون الطوارئ، تسريح مجلس القرود، عفوا مجلس الشعب، إعلان حل حزب البعث كما فعل يلتسين مع الحزب الشيوعي، إعلان أنه لن يرشح نفسه وفتح الطريق لانتخابات رئاسية خلال ستة أشهر، إطلاق سراح طل الملوحي وهيثم المالح وكل المعتقلين السياسيين، الاعتذار لأهل حماة عن مجزرة 1982م، رفع لوحة هائلة عند تدمر ووضع أسماء كل الذين قضوا نحبهم هناك، فتح ملف المفقودين والأموات والتعويض لأهاليهم، إعادة الجنسية إلى الأكراد المظلومين وإلغاء قرار العار 49 بإعدام كل من يقترب من الإخوان مسيرة أربعة أذرع قولا وعملا وعونا وإيواء، الإحسان إلى الأكراد والتخلص من الروح القومية العفنة الشوفينية واعتبارهم مواطنين بكل الحقوق والواجبات، الانطلاق بمشروع مثل بلدية هيروشيما، طي صفحة الماضي وتشكيل لجان التأهيل والمصالحة على غرار ما حصل في جنوب إفريقيا، الإسراع بحل جيوش المخابرات وجيوش التقارير السرية. كنت أتمنى أن يكون جودت سعيد، داعية اللاعنف، في عمر وصحة أفضل حتى يبدأ الإعلان في التغيير السلمي بالذهاب إلى ساحة المرجة وإعلان الاعتصام السلمي، فهو موضع احترام من كل الأطراف وهو شخصية كارزمائية موثوقة. وأنا أفكر، شخصيا، أن أفعل هذا مع تحرك الجو حتى لو قتلت، فقد أديت مهمتي ورأيت ما ناديت به مع الشيخ جودت سعيد منذ أربعين سنة، فأن أموت هناك في أرض الصحابة بجنب خالد بن الوليد وعبيدة بن الجراح وصلاح الدين الأيوبي سيجعلني في منتهى السعادة أيضا من جانبين: بدء التغيير الفعلي في سوريا ونقل الخبر إلى ليلى سعيد، ربيع حياتي، إلى حيث تعيش في الفردوس الأعلى وحيث أكون شهيدا مثل شهداء ليبيا في جنات ونهر. حان الوقت يا شباب اللاعنف أن تستعدوا لبدء الاعتصامات ورتبوا الاتصالات مع كل القوى من كل الأطياف والمذاهب والاتجاهات من العرب والكرد والعجم والآشوريين والسريان واليزيديين والأرمن والكلدان والآراميين والعلويين والدروز والإسماعيليين. إنه يوم التحرر للجميع، قولوا: سوري سوري، قولوا: لا شيعي ولا سني، قولوا: كردي عربي إخاء أبدي، قولوا: سوري سوري، قولوا: لا مذهبية ولا حزبية، قولوا لا قبلية ولا طائفية، إنسانية إنسانية، سوريا سلمية سلمية، قولوا: اليوم يوم الرحمة والحب والتسامح والغفران وليس الانتقام، إنه يوم المرحمة وليس يوم الملحمة، يوم الأخوة الكبرى باتجاه سوريا حرة ديمقراطية، تغيير شامل جذري يدا بيد وبدون قطرة دم واحدة.