فيما يزيد انعزال العقيد القذافي في قاعدته العسكرية في العزيزية، بالقرب من طرابلس العاصمة، بدأ ائتلاف الثورة الليبية في المدن الأخرى في فرض سيطرته التامة على البلاد، بما في ذلك مصافي النفط الرئيسية. وفي هذه الأثناء، تزايدت النشاطات الدبلوماسية على المستوى الدولي في أعقاب قرار مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على نظام حكم الزعيم الليبي معمر القذافي، مع اتساع الانتفاضة الشعبية ضده وتحقيق المنتفضين مكاسب سياسية وميدانية ملموسة كان أبرز تجلياتها تشكيل مجلس وطني مؤقت لإدارة شؤون البلاد في بنغازي. فقد وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أول أمس الأحد إلى جنيف، لإجراء محادثات مكثفة مع نظرائها الأوربيين والعرب يوم أمس الاثنين، والبحث في مرحلة ما بعد القذافي في ليبيا، حسب تصريحها. وقالت كلينتون إن على المجتمع الدولي الرد ردا «إنسانيا، وسياسيا أيضا، على الأزمة الليبية، في وقت يحاول فيه الليبيون تنظيم صفوفهم تحسبا للعهد اللاحق للقذافي». كما عرضت الوزيرة الأمريكية مساعدة واشنطن لكل من يعمل في هذا السياق بليبيا، لكنها أكدت أن واشنطن لم تدخل في أي مفاوضات لرحيل القذافي. وقال مسؤول بارز من المرافقين لكلينتون إن هذا الزخم الدولي الموجه نحو فرض عقوبات على القذافي وعائلته ومعاونيه يستهدف الضغط على الأوساط المحيطة بالحكم في طرابلس أكثر من الضغط على القذافي نفسه، الذي لا تعتمد واشنطن على «عقلانيته»، حسب تعبيره. وأضاف: «نحن نسعى إلى التأثير على الأشخاص المحيطين بالقذافي من خلال توعيتهم وإفهامهم أنهم سيكونون عرضة للمساءلة أمام القضاء الدولي إذا ما أصدروا أوامر بالقيام بأعمال عنف». وعلى الصعيد الأوربي، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أول أمس الأحد، إنه طلب من الاتحاد الأوربي عقد قمة لاعتماد «استراتيجية موحدة» في مواجهة الأزمة الليبية والمشاكل الناتجة عنها، وتحديدا في ملف الهجرة الإفريقية لأوربا. وأضاف أن «فرنسا طلبت أن يجتمع المجلس الأوربي لتعتمد أوربا استراتيجية موحدة في مواجهة الأزمة الليبية التي قد تحمل تبعات ثقيلة جدا على استقرار المنطقة برمتها». وكان الرئيس الفرنسي قد طرح، خلال زيارة لتركيا يوم الجمعة الماضي، فكرة عقد اجتماع لمجلس أوربا حول الثورات العربية ومنتدى «الاتحاد من أجل المتوسط»، ومستقبل العلاقات بين أوربا والشرق الأوسط. كما حذر ساركوزي من مخاطر انفلات أمني خطير محتمل في البلدان العربية، بعد تدهور الوضع في ليبيا بشكل كبير، بالقول إن الانتفاضات الشعبية «يمكنها أيضا أن تغرق في العنف وتنتج أنظمة ديكتاتورية أسوأ من سابقاتها، ونحن نعرف عواقب مآس كهذه على تدفق المهاجرين غير المسيطر عليه، وعلى الإرهاب». وكانت إيطاليا قد حذرت، قبل عدة أيام، الشركاء الأوربيين من مخاطر أزمة إنسانية بسبب تدفق اللاجئين من ليبيا، لكن التحذيرات لم تجد استجابة تذكر من البلدان الأوربية. ضغوط دولية وفي إطار تصاعد الضغوط على القذافي، دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الزعيم الليبي إلى الرحيل، وقال إنه «لم يعد يملك أي دور يلعبه في مستقبل بلاده». وأضاف، معلقا على عملية إنقاذ قام بها الجيش البريطاني في عمق الصحراء الليبية لإجلاء نحو 150 مدنيا أجنبيا، منهم 25 بريطانيا، أن «هذا كله يرسل رسالة واضحة إلى هذا النظام، وهي أن وقت رحيل العقيد القذافي قد آن، وعليه الرحيل فورا، ولم يعد له مكان في ليبيا المستقبل». وأكد قائلا: «نحن نضغط بقوة على هذا النظام، من خلال الإجراءات التي نتخذها ضده، مثل منع السفر وتجميد الأصول لنظهر عمق عزلته». وكان وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن قد أعلن، أول أمس الأحد، عن تجميد أرصدة القذافي وأسرته وعدد من أقرب مقربيه. وتقول صحيفة «التلغراف» البريطانية إن لندن تقدر ممتلكات القذافي بما قيمته نحو 32,2 مليار دولار، وخاصة في العاصمة البريطانية. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر بالإجماع قرارا بفرض عقوبات على القذافي وعائلته ومقربين منه، تتضمن تجميدا لأرصدة مالية وحظرا لبيع السلاح ومنع السفر. المعارضون يستولون على الذهب الأسود
إلى ذلك، أكد مسؤول في شركة الخليج العربي للنفط الليبية في شرق البلاد، التي يسيطر المعارضون لسلطة العقيد معمر القذافي على جزء كبير منها، لصحيفة «وول ستريت جورنال» أن شحن النفط على وشك أن يستأنف. وقال حسن بوليفة، العضو في مجلس إدارة الشرطة للصحيفة، إن ناقلة نفط تنقل 700 ألف برميل يفترض أن تغادر مرفأ طبرق، شمال شرق ليبيا، ليل الأحد الاثنين، متوجهة إلى الصين على الأرجح. وسيطر المعارضون للقذافي على الشركة منذ استقالة رئيسها عبد الونيس سعد الذي كان مواليا للسلطة، حسب الصحيفة نفسها. وكانت آخر شحنة نفطية غادرت شرق ليبيا في 19 فبراير. مساعدات إنسانية تُوجه إلى بنغازي أعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون، صباح أمس الاثنين، أن طائرتين تنقلان مساعدات إنسانية وطواقم طبية ستغادران «خلال ساعات» إلى بنغازي، شرق ليبيا التي يسيطر عليها معارضو الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال فيون لإذاعة «آر تي إل» الخاصة: «خلال ساعات، ستنطلق طائرتان إلى بنغازي بطلب من الحكومة الفرنسية، وتقلان أطباء وممرضين ومعدات طبية وأدوية. وتلك ستكون بداية عملية كبرى لتقديم دعم إنساني إلى سكان الأراضي المحررة». وكان رئيس الحكومة يتحدث غداة كلمة متلفزة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أعلن فيها رسميا دعم باريس للانتفاضات العربية بعد أسابيع من الارتباك في الموقف الفرنسي. وأعلن ساركوزي، في كلمته، عن تعديل في حكومته ولاسيما تعيين رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه وزيرا للخارجية خلفا لميشال أليو ماري. الزاوية تقاوم.. من جانبهم، استعد، أمس الاثنين، ثوار مسلحون، سيطروا على بلدة الزاوية القريبة من العاصمة الليبية طرابلس؟ لمواجهة هجوم مضاد من قبل قوات الزعيم الليبي معمر القذافي الذي تعهد بالبقاء في الحكم رافضا النداءات المطالبة بتنحيه في أكثر موجات الاحتجاجات في العالم العربي دموية. وقال الثوار إن نحو 2000 جندي من الموالين للقذافي يحاصرون البلدة، وأضافوا أنهم يعدون للهجوم عليها. وقال رائد في الشرطة، انشق عن القذافي وانضم إلى معارضيه المطالبين بسقوطه في انتفاضة شعبية بدأت قبل نحو 10 أيام: «إذا كنا نقاتل من أجل الحرية فنحن على استعداد للموت من أجلها». وأضاف، بعد أن طلب عدم الكشف عن هويته، أن أكثر من 2000 من قوات الشرطة انشقوا عن نظام القذافي وأنهم مستعدون للدفاع عن الزاوية. وقال إن عددا من ضباط الجيش انشقوا أيضا، لكنه لم يحدد لهم عددا. ويمتلك الثوار العديد من دبابات الجيش، وبعضهم مزود بجنود منشقين ومدافع مضادة للطائرات. وما زالت الثقوب التي خلفتها الطلقات النارية ظاهرة على الجدران التي غطتها آثار الحرائق في المدينة التي شهدت أعنف الاشتباكات، بينما تركت السيارات المحترقة في الشوارع. وانتشرت القوات الموالية للقذافي على أطراف البلدة بعد آخر نقطة للتفتيش أقامها الثوار. والقوات الحكومية مزودة بالدبابات والمدافع المضادة للطائرات على متن شاحنات صغيرة. وقال لواء بالجيش في شرق ليبيا، انشق على نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، إن قواته مستعدة لمساعدة المحتجين الذين يقاتلون في طرابلس إذا دعوهم إلى ذلك، مؤكدا أن لا حاجة إلى المساعدة العسكرية الأجنبية. يذكر أن الاضطرابات في ليبيا أدت إلى ارتفاع سعر النفط على ما فوق 112 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من أن ليبيا لا تنتج سوى اثنين في المائة من النفط العالمي وأن المملكة العربية السعودية عززت الإنتاج، يخشى متعاملون من زيادة الاضطرابات عبر العالم العربي. مناورات على الجانب الآخر، قال سيف الإسلام القذافي لقناة «إيه.بي.سي.نيوز» الإخبارية إن هناك «فجوة كبيرة بين الواقع والتقارير الإعلامية». وأضاف أن «كل الجنوب هادئ، الغرب هادئ، الوسط هادئ.. وحتى جزء من الشرق». وأخذت السلطات الليبية مجموعة من الصحفيين في جولة في الزاوية أول أمس الأحد لإظهار استمرار سيطرة قوات القذافي على البلدة، في ما يبدو. وتحدث سكان عن معارك شرسة من أجل السيطرة على البلدة مع ميلشيات موالية للقذافي مسلحة بأسلحة ثقيلة. وقال رجل يسمى صبري في وسط البلدة: «انتهى أمر القذافي.. سيسقط قريبا.. يجب أن يرحل الآن.. بدأنا نفقد صبرنا». وقال آخر قدم نفسه باسم مصطفى: «القذافي مجنون.. رجاله أطلقوا النار علينا واستخدموا قذائف صاروخية». وأضاف رجل آخر يسمى شوقي: «نريد القصاص.. الناس يقتلون.. أعوان القذافي قتلوا ابن أخي». وقال طبيب في مستشفى ميداني بدائي، أقيم في مسجد البلدة، إن 24 شخصا قتلوا في القتال مع الموالين للحكومة على مدار الأيام الثلاثة الماضية، وقد تم تحويل حديقة صغيرة بالقرب من الميدان الرئيسي بالبلدة إلى مقبرة. وقال الطبيب يوسف مصطفى: «نحن بحاجة إلى مزيد من الأدوية والأغذية والأطباء. هناك أطباء جيدون كثيرون في ليبيا، ولكن لا يمكنهم الوصول إلى الزاوية». وذكر سكان محليون أنهم ألقوا القبض على 11 من المقاتلين المؤيدين للقذافي دون إصابتهم بضرر وعرضوا على الصحفيين اثنين منهم محتجزين في حجرة في المسجد الرئيسي بالبلدة. وفر حوالي 50 ألف شخص، معظمهم من العمالة الوافدة، غربا إلى تونس منذ 21 فبراير. وأقام سكان محليون في حي تاجوراء الفقير حواجز من الصخور والنخيل في أنحاء الشوارع وغطت الشعارات الكثير من الجدران. وتقف المنازل التي تحمل آثار الطلقات النارية شاهدة على العنف الدائر هناك. وقال سكان، ما زالوا لا يرغبون في نشر أسمائهم خوفا من الانتقام، إن جنودا أطلقوا النار على متظاهرين حاولوا تنظيم مسيرة من تاجوراء إلى الساحة الخضراء الليلة الماضية، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل. ولم يتسن التأكد من هذا الرقم من جهة مستقلة. وردد حشد هتافا يوم السبت الأخير خلال جنازة رجل قالوا إن قوات موالية للقذافي قتلته قبلها بيوم، قائلين: «القذافي عدو الله». وأظهر التلفزيون الحكومي الليبي، مرة أخرى، حشدا يهتف بولائه للقذافي في الساحة الخضراء يوم السبت، لكن صحفيين هناك قدروا أن عددهم لا يتجاوز المائتين. وشهدت طرابلس تزاحما خارج معظم البنوك في العاصمة، حيث ينتظر المواطنون الحصول على منحة قدرها 500 دينار ليبي (400 دولار) وعدت بها الحكومة في محاولة لتخفيف الاحتجاج. لكن كثيرين لم يحصلوا على المبلغ الموعود. وقال رجل «أخذوا صورة من بطاقات الهوية وسجلوا الناس في قائمة». ومن مصراتة، وهي مدينة رئيسية على بعد 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، قال سكان، عبر الهاتف، إن قوات المعارضة صدت مجموعة من القوات الموالية للقذافي تعمل من المطار المحلي. لكن جماعات معارضة في الخارج قالت، في وقت لاحق، إن طائرة تطلق النار على محطة الإذاعة بالمدينة. وفي بنغازي، ثانية المدن الليبية التي خرجت عن حكم وسيطرة القذافي قبل أسبوع، شكل المعارضون المجلس الوطني الليبي الذي سيكون الواجهة الممثلة للثورة الليبية، لكن لم يتبين بعد مدى تمثيل هذا المجلس. وقالوا إنهم يرفضون التدخل الخارجي وإنهم لم يتصلوا بأي حكومات أجنبية. مائة ألف شخص فروا من ليبيا وعلى الصعيد الإنساني المتفجر على الحدود الليبية، فر ما يقرب من مائة ألف شخص خلال الأسبوع الماضي هربا من الاضطرابات التي تشهدها ليبيا، حسبما ذكرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ولاذ معظم اللاجئين بالدولتين المجاورتين مصر وتونس، اللتين شهدتا في الأسابيع الماضية ثورتين شعبيتين نجحتا في الإطاحة بالرئيسين المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي. وتمر الدولتان حاليا بمرحلة انتقالية صعبة. وقال أنطونيو جوتيريس، رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، في بيان من جنيف، أول أمس الأحد: «نحن ملتزمون بمعاونة تونس ومصر» حتى تتمكنا من مساعدة جميع الأشخاص الذين يفرون من ليبيا. وأضاف قوله: «نحن ندعو المجتمع الدولي إلى أن يستجيب بسرعة وبسخاء لتمكين هاتين الحكومتين من التعامل مع هذه الحالة الإنسانية الطارئة». وقالت الحكومة التونسية إنها استقبلت 40 ألف شخص فروا عبر الحدود منذ 20 فبراير. وقدرت المفوضية أن يكون أول أمس الأحد شهد عبور 10 آلاف آخرين. ومن بين ال50 ألف شخص، هناك 18 ألف تونسي و15 ألف مصري و2500 ليبي و2000 صيني. ووصل إلى مصر 55 ألف شخص آخرين، بينهم 46 ألفا من المصريين و2100 من الليبيين و6900 من بلدان أخرى، ومعظمهم من آسيا. وكان موظفو المفوضية الذين عبروا الحدود إلى ليبيا عن طريق مصر أجروا اتصالات مع أفراد من الشرطة والجيش الذين انشقوا عن الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي رفض التنحي ويشن حملة وحشية على المتظاهرين المناهضين للحكومة. وتعمل المفوضية مع القبائل والسلطات المحلية التي تدير حاليا شرق ليبيا، الواقع تحت سيطرة المحتجين المعارضين لنظام القذافي، لكنها حذرت من أن المنطقة بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة وتفتقر إلى الغذاء والإمدادات الطبية.