بات الزعيم الليبي معمر القذافي ، الملقب بملك ملوك افريقيا ، لا يملك كثيرا من النفوذ والسلطان الا على اعوانه من الجيش والمرتزقة المأجورين وسط انهيار متتال لهياكل الدولة ، فلم تشهد البلاد امس استجابة لاوامره ب"الزحف المقدس" ل"تطهير ليبيا شبرا شبرا" حتى يستسلم المحتجون ، وفي حين تواصلت الانشقاقات في صفوف الجيش والدبلوماسية الليبية في الخارج ، كشفت وثائق "ويكليكس" ان الخلافات متجذرة اصلا في نفس بيت "العقيد". وفيما رفض عسكريون في سفينتين حربيتين وطائرة مقاتله اوامره بقصف بنغازي ، فرض الحصار على العاصمة طرابلس ان تقاتل نظام القذافي "وحيدة" ، في حين احتفل الثوار بتحرير شرق ليبيا من يد من وصوفه بالطاغية رافعين علم ليبيا ابان الحكم الملكي. في هذه الاثناء رشحت معلومات ان شهداء ثورة"17 فبراير" بلغ نحو 10 الاف شهيد ، فيما تم الاعلان عن اسر 400 من مرتزقة النظام. في طرابلس التي دعا القذافي منها انصاره الى النزول الى الشارع لقمع المعارضة ، لم يشاهد في شوارع العاصمة سوى مجموعات صغيرة تضم عشرات الاشخاص ، اضافة الى سيارات كانت تحمل صور القذافي والاعلام الخضراء وتجول في الشوارع مطلقة العنان لابواقها. واكد شهود عيان وقوع اشتباكات وإطلاق نار كثيف في عدة أحياء طرابلس ، بعد خطاب القذافي وهدد باستخدام القوة لسحق المتظاهرين بلا هوادة. وفور انتهاء كلمته اندلعت اشتباكات في حي بن عاشور ، كما وقع إطلاق نار كثيف في شارع الجمهورية. وأكد شاهد عيان إطلاق رصاص من المدافع الرشاشة في حي الأندلس والدريبي من قبل الكتائب الأمنية واللجان الثورية الذين جابوا المنطقة بالسيارات ، في حين اختفى المتظاهرون داخل الأزقة. وتخضع العاصمة الليبية لحصار أمني محكم من قبل مليشيات ومرتزقة نظام القذافي ، لمنع اغاثة الثوار في طرابلس. ووصف شاهد ان الوضع في المدينة بالمخيف في ظل الحصار ، مؤكدا أن "الثوار في طرابلس عزل لا يملكون شيئا ، ويتعرضون لعمليات قتل من مجموعات المرتزقة المنتشرين في شوارع المدينة ناشرين رائحة الموت والدمار". ووجه نداء استغاثة باسم أهالي طرابلس إلى بقية المدن لإغاثة طرابلس من "بطش السلطات" ، كما طالب الجيش بالانقلاب على القذافي لإنقاذ الشعب. ونقل الإعلامي الليبي المقيم في الخارج محمود شمام ل"الجزيرة" معلومات مؤكدة تفيد فإن القذافي أحرق الجثث الملقاة في شوارع طرابلس ، وبدأ أنصاره حملة تنظيف لمحو آثار القصف وما ارتكبته المليشيات والمرتزقة من مجازر بحق المتظاهرين. ونقل شمام معلومات مؤكدة عن زحف قبائل الزنتان لنصرة جماهير طرابلس ، مشيرا إلى أن وحدة من الجيش اعترضت طريقها ، وبعد أن عجزت عن صد الحشود قصفتها طائرات عسكرية يقودها مرتزقة من أوروبا الشرقية وإيطاليا. وردا على ما يحدث في طرابلس قال نشطاء وشهود في مدينتي بنغازي والبيضاء شرق ليبيا ، إن أعدادا من المتظاهرين بدأت بالتحرك إلى العاصمة طرابلس لدعم الثورة في مواجهة نظام القذافي . في هذه الأثناء ، أصدر ثوار 17" فبراير" بيانا أعلنوا فيه عدم شرعية النظام الليبي ، ودعوا إلى بناء دولة ليبيا المدنية الموحدة الكاملة السيادة". وقد أهاب البيان بكل الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية لأداء واجبها الإنساني تجاه الشعب الليبي ، ووقف ما سماه الإبادة الجماعية التي ترتكب ضده. وفي بنغازي ، تحدى متظاهرون مناهضون للحكومة القذافي وخرجوا إلى شوارع مدينة بنغازي لليوم التاسع على التوالي. واحتشد المحتجون في الشوارع ولوحوا بالاعلام ذات الالوان الاحمر والاخضر والاسود والتي تعود الى عهد ما قبل القذافي ووزعوا الحلوى والعصائر على السيارات المارة التي أطلقت أبواقها ابتهاجا ب"النصر". ورقص الناس وهللوا وعزفوا الموسيقى. وكتب على لوحة ارشادية للمدينة "بن علي.. حسني.. معمر". وعمت الاحتفالات مدينة طبرق بشرق ليبيا وأطلق مبتهجون النار في الهواء احتفالا بالسيطرة على المدينة وتدمير تمثال للكتاب الاخضر. واختفت قوات الأمن من المشهد ، وسط تقارير عن إعلان وحدات الجيش في طبرق أنها "لم تعد تخدم "الزعيم الليبي معمر القذافي". وعرض تلفزيون سكاي نيوز البريطاني لقطة لصواريخ مضادة للطائرات فيما قال انها قاعدة عسكرية مهجورة قرب مدينة طبرق. غير ان ليبيين يقيمين في المدينة قالوا إن مرتزقة لا يزالون في المدينة ويقيمون نقاط تفتيش ويشتبكون بين حين وآخر مع المتظاهرين. بدوره ، قال وزير العدل الليبي المستقيل مصطفى عبد الجليل إن المنطقة الشرقية حررت نفسها تماما من قبضة نظام القذافي ، موضحا أن شباب الثورة بمدينة البيضاء ألقوا القبض على أكثر من 400 مجرم من المرتزقة الافارقة ، مضيفا أن المنطقة الشرقية تدار حاليا من قبل لجان محلية. وأفاد ناشطون وصحفيون في ليبيا أن عدة مدن ليبية تشهد حالة من الهدوء التام بعد "دحر العناصر المسلحة المأجورة لدى اللجان الثورية التابعة للنظام الليبي". وأكد اعضاء في لجان الائتلاف الشعبية أن مدينة بنغازي تشهد هدوءا تاما وتخلو من المرتزقة والمسلحين. وفي وقت سابق ، اعلن وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني ان اقليم برقة ، اي المناطق الشرقية من ليبيا والتي تضم خصوصا بنغازي والبيضاء ودرنة ، لم يعد خاضعا لسيطرة القذافي. وفي هذه السياق ، قالت صحيفة قورينا الإلكترونية أن الجيش الليبي نشرأعدادا كبيرة من الجنود بمدينة صبراتة ، بعدما دمر محتجون جميع مكاتب أجهزة الأمن تقريبا في المدينة الواقعة على بعد 80 كلم غرب طرابلس. ونقلت الصحيفة عن مراسلها في صبراتة أن المحتجين أحرقوا فيها مكاتب الأمن ومباني التحقيقات الجنائية واللجان الثورية ومزقوا جميع صور الزعيم معمر القذافي. وعلى صعيد الانشقاقات في صفوف الجيش ، نسبت صحيفة قورينا الليبية الى مصدر عسكري قوله أن طاقما جويا ليبيا أحبط مهمة لقصف بنغازي ، موضحا ان طائرة من طراز سوخوي 22 تحطمت قرب بنغازي بعدما خرج منها طياراها بالمظلات عقب لقيهما أوامر بقصف المدينة. وفي هذا الاطار ، اتجهت سفينتان حربيات ليبيتان إلى جزيرة مالطا بعد أن رفض جنود البحرية الانصياع لأوامر القذافي بقصف بنغازي. وتشعر الحكومة المالطية بحرج شديد ولذلك تتكتم على الأمر ، إلى درجة أنها لم تكشف عن أي معلومات بشأن الطائرتين الحربيتين الليبيتين اللتين سبق أن حطتا في مطار مالطا بعد أن رفض الطياران أوامر بقصف المحتجين. من جانبها ، انضمت كتائب الجيش في منطقة الجبل الأخضر إلى ثورة ، وقال الناطق العسكري باسم القوات المسلحة بقيادة منطقة الجبل الأخضر في بيان "نحن ضباط وجنود القوات المسلحة بقيادة منطقة الجبل الأخضر نعلن انحيازنا الكامل لثورة الشعب ، وسنعمل على ضمان حفظ الأمن في المنطقة ، والله ولي التوفيق". على صعيد اخر ، اعلنت الشركة البحرية الفرنسية "سي ام ايه - سي جي ام" على موقعها الالكتروني ان "كل المرافىء مغلقة" بشكل مؤقت في ليبيا. وقالت الشركة "نظرا للانتفاضة التي تشهدها عدد من المدن الليبية منذ الاسبوع الماضي ، فقد تم اغلاق كافة الموانئ والمراسي مؤقتا". ودليلا على الانقسامات على اعلى مستوى في السلطة ، اعلن وزير الداخلية الليبي اللواء الركن عبد الفتاح يونس العبيدي استقالته وانضمامه الى "ثورة 17 فبراير" في ليبيا ، وقال العبيدي في تسجيل مصور "اعلن انا اللواء الركن عبد الفتاح يونس اني تخليت عن جميع مناصبي استجابة لثورة 17 فبراير وذلك لقناعتي التامة بصدق مطالبها العادلة واهيب بكل القوات المسلحة ان تستجيب لمطالب الشعب نصرة لثورة 17 فبراير". واعلن السفير الليبي في جاكرتا صلاح الدين البيشاري ، الذي يشغل ايضا منصب سفير لبلاده في سنغافورة وبروناي ، استقالته. وقال ان "جنودا قتلوا مدنيين عزلا بلا رحمة. لقد استخدموا اسلحة ثقيلة وطائرات ومرتزقة ضد الشعب. هذا امر غير مقبول. لم يعد بامكاني التسامح حياله". وقرأ مسؤول في مكتب ليبيا بمقر منظمة اليونسكو في باريس بيانا باسم سفير طرابلس في فرنسا محمد صلاح الدين زارم وسفيرها في يونسكو عبدالسلام القلالي قال فيه "نعلن لشعب ليبيا وللعالم العربي والمجتمع الدولي دعمنا لانتفاضته على الة القمع والعدوان". وأدانت السفارة الليبية في فيينا الاستخدام المفرط للعنف ضد المتظاهرين. لكن موظفا في السفارة أوضح أن السفير الليبي أحمد منيسي وطاقم العمل بالسفارة لم يستقيلوا. وقدم مساعد لسيف الاسلام استقالته ، وقال يوسف الصواني في رسالة نصية انه قدم استقالته من مؤسسة القذافي للتعبير عن استيائه من العنف. وكان الصواني المدير التنفيذي لمؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي كانت مصدر النفوذ الرئيسي لسيف الاسلام. ويبدو الان الانشقاقات كانت متجذرة في نفس بيت "العقيد" بسب خلاف جدي على ثروة الزعيم ، فقد كشفت صحيفة فايننشال تايمز نقلا عن برقيات دبلوماسية اميركية سرية حصل عليها موقع ويكيليكس ان القذافي اقام امبراطورية مالية ضخمة هي مصدر خلافات جدية بين ابنائه. وفي مذكرة مؤرخة في ايار 2006 يوضح دبلوماسيون اميركيون ان ابناء القذافي يحصلون على عوائد منتظمة من الشركة الوطنية للنفط التي تبلغ قيمة صادراتها السنوية عشرات مليارات الدولارات. واشارت برقية دبلوماسية اخرى مؤرخة في آذار2009 الى "صراعات داخلية" بين ابناء القذافي يمكن "ان توفر ما يكفي من الاثارة والصخب لانجاز مسلسل مليودرامي ليبي". وقال الدبلوماسيون الاميركيون ان التوتر زاد بين افراد العائلة خصوصا مع التركيز على اظهار سيف الاسلام في مقدمة الساحة السياسية الليبية. وفي هذا السياق ، يعتقد المحللون ان الاحتجاجات التي تشكل التحدي الاكبر لنظام القذافي منذ توليه السلطة تزعزع الهياكل التقليدية للنظام. وقالت دلفن بيران وهي خبيرة في شؤون شمال افريقيا في معهد فلورانس الاوروبي ان "القذافي خلق نوعا من التوازن بين كل القبائل ولكن هذا النظام بدأ في الانهيار مع انقلاب بعض القبائل عليه". وخلال الايام الاخيرة ، قام زعماء قبائل وخصوصا من قبيلة ورفاله القوية باعلان دعمهم للمحتجين ما ادى الى اضعاف نظام القذافي. الى ذلك ، كشف عضو في المحكمة الجنائية الدولية ان محاولات القذافي المستميتة لسحق الثورة اسفرت عن سقوط 10 الاف قتيل ، فيما اعلن الطبيب الفرنسي جيرار بوفيه مقتل 2000 مدني في بنغازي وحدها ، ورغم تاكيد وزير الخارجية الايطالي سقوط 1000 شخص ، اقرت الحكومة في طرابلس بمقتل 300 شخص بينهم 111 عسكريا. وفي محولة لتخويف الغرب ، اعلن نائب وزير الخارجية الليبي خالد الكعيم ان القاعدة اقامت امارة اسلامية في درنة وذلك خلال اجتماع مع سفراء دول الاتحاد الاوروبي. وقال الكعيم "اقامت القاعدة امارة في درنة بقيادة عبد الكريم الحسدي وهو معتقل سابق في غوانتانامو" ، مؤكدا ان القاعدة تفكر في سيناريو "على طريقة طالبان" في ليبيا. التاريخ : 24-02-2011