تونس، مصر والآن إيران أيضا؟ من السابق لأوانه القول، بالطبع، ولكن لا ريب أن تأييد النظام الإيراني للمتظاهرين في مصر في الأسابيع الأخيرة يعود إليه هذه الأيام كالسهم المرتد. في منظمة زعماء المعارضة (الحركة الخضراء) وفي ظل تجاهل تحذيرات صريحة للامتناع عن ذلك، خرج في الأيام الأخيرة متظاهرون كثيرون إلى شوارع طهران ومدن أخرى في إيران للإعراب عن تأييدهم للثورتين في مصر وتونس، وإطلاق الشعارات نحو الحكام المحليين: «الموت للدكتاتور». عند مقارنة الوضع الداخلي الذي كان في مصر (قبل رحيل مبارك) ووضع إيران اليوم، يمكن أن نجد أوجه شبه. في الجوهر على الأقل، إن لم يكن في القدر. في الحالتين، يدور الحديث حول أنظمة قمع تحرم الناس من حرية الاختيار والمواطن من الحريات الأساسية. في الحالتين، مل المواطنون، وهم يصرخون مطالبين بالحرية والتحرر من القيود وترسيخ الديمقراطية. إذن، كيف حصل أن النظام الإيراني أعرب عن تأييد حماسي للمتظاهرين المصريين في ظل التجاهل التام لحقيقة أن للإيرانيين يوجد أساس مشابه بل وأكثر صلابة للاحتجاج؟ الحال هو أن للنظام ذاكرة قصيرة حول الشكل الذي «عالج» به المظاهرات الجماهيرية في صيف 2009. ولكن ماذا لدى الزعماء ليقولوه اليوم ضد المظاهرات المتجددة في الدولة، حين أثنوا قبل أسبوع فقط على كفاح المصريين ضد مبارك؟ لا ينبغي التقليل من قدرة النظام في إيران على استغلال كل قصة. في حالة المظاهرات في إيران، التفسير يعود إلى الساحة المريحة جدا للنظام، أي التدخل المرفوض لعناصر خارجية في ما يجري في الدولة. فالنظام يدعي أن قادة المعارضة في إيران يعملون خاضعين لمؤامرات الولاياتالمتحدة وإسرائيل إلى درجة أن أعضاء من البرلمان دعوا إلى إعدامهم. وماذا عن الولاياتالمتحدة؟ الإدارة الأمريكية فهمت، على ما يبدو، أنه لا سبيل هذه المرة إلى التملص من إعطاء دعم للمتظاهرين. ويحتمل أنها فهمت أيضا أنه مهما عملت، فإن إيران ستتهم الولاياتالمتحدة بالتدخل المرفوض، وبالتالي فإن هذا ليس سببا وجيها للصمت (مثلما فعلت في 2009). هيلاري كلينتون أعربت عن تأييد لا لبس فيه لتطلعات المتظاهرين، وتمنت لهم الفرصة التي تمكن المصريون من الإمساك بها، واتهمت الزعماء في إيران بازدواجية الأخلاق، حيث إنهم يؤيدون المتظاهرين في مصر بينما يعملون على وقف كل مظهر للاحتجاج في إيران. رغم وجه الشبه بين الكفاح في الدولتين من ناحية السكان الذين يعملون من أجل إسقاط نظام قمعي، ثمة فوارق هامة بين مصر وإيران. بمفهوم معين، الدولتان هما تقريبا صورة مرآة واحدة للأخرى. في المواضيع الخارجية، الحكم المصري تحت الرئيس مبارك كان عاملا معتدلا وباعثا على الاستقرار في الشرق الأوسط. مبارك كان صوتا سوي العقل نسبيا، فهم قيمة العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل، وعارض الطريق الراديكالي الذي تبنته الجمهورية الإسلامية، وذلك على خلفية حقيقة أن السكان في مصر يعتبرون أكثر تطرفا في كل ما يتعلق بعلاقاتهم مع إسرائيل وكذا غير سعيدين بالضرورة من عناق الولاياتالمتحدة والغرب. في إيران، بالمقابل، النظام متطرف ومتزمت ويتطلع إلى الهيمنة الإقليمية. الأمل في إيران «أخرى» يكمن في سكانها. التقديرات هي أن الجمهور الشاب، في معظمه، مل ميول «المناكفة» لدى النظام ضد الولاياتالمتحدة، ضد إسرائيل. الأمل في الغرب هو أن يؤشر التغيير للنظام في إيران على نهج أكثر اعتدالا وتوازنا تجاه الخارج، وعندها حتى البرنامج النووي الإيراني يجري في سياق آخر، أقل إشكالية بكثير من ناحية السلوك الإقليمي للدولة. وكلمة عن موجة الاحتجاج التي تعم المنطقة. يمكن أن ننجرف في الحماسة وراء كل كفاح شعبي للتحرر من حكم الطغيان، ولكن فضلا عن رومانسية الكفاح في سبيل الديمقراطية يوجد واقع صعب في كل ما يتعلق بتثبيت دولة ديمقراطية جديدة. وكما تبين في حالات أخرى في الماضي، فإن مجرد الانتخاب الديمقراطي من ناحية أن الأغلبية هي التي تقرر - لا يضمن سلوكا معتدلا من جانب الجهة المنتخبة. على المدى البعيد، إذا لم تترسخ ثقافة ديمقراطية، بما في ذلك احترام حقوق الأقلية، يمكن لهذا أن يؤدي إلى طغيان من نوع جديد. عن «إسرائيل اليوم»