شهرة مدينة كآسفي بجانب السردين والخزف والباعة المتجولين هي أنها مدينة وعاصمة لجهة عبدة دكالة لا يأتي إليها وال أو عامل جديد كل أربع سنوات، فقط لأن الناس هنا اعتادوا مكوث الولاة بها سنوات طويلة تقارب العقد بعد أن تحولهم وزارة الداخلية، بتعيينهم على رأس آسفي ونسيانهم بها، إلى ما يشبه علب التصبير التي تحفظ السردين المعلب في زيته سنوات طويلة إذا لم تفتح العلبة قبل صدئها. تعيين والٍ جديد على آسفي لازال يشغل بال الناس هنا، تماما كما ينشغلون هذه الأيام ليس بثورة تونس ومصر، التي حولتها قناة «الجزيرة» إلى مسلسل شبيه ب«ليالي الحلمية»، بل بحدث صارت أعين الآسفيين مشدودة إليه ويتمثل في تصدر فريق أولمبيك آسفي لكرة القدم المركز الأول في البطولة الوطنية. فالناس في مقاهي المدينة يكتفون بانتصارات وآمال فريقهم ويضعون خلف ظهورهم خيبات عالم عربي يتحرر بشكل متأخر من عجزته الذين حكموا بالبوليس والجيش وقنينات «السيروم» معلقة فوق رؤوسهم. «السيروم»، الذي ظل رؤساء العرب يحيون بفضله طيلة سنوات حكمهم، هو نفسه الذي تقوم كرة القدم مقامه بآسفي، فشرائح واسعة من شباب وشيوخ المدينة يحيون بأمل الانتصارات التي راكمها فريقهم طيلة مشوار البطولة الوطنية، مفضلين تتبع أخبار الانتصارات على تتبع أخبار الهزائم، التي ظلت آسفي تسجلها على شباكها بفعل توالي سنوات نهب المدينة التي تباع خيراتها من الرمال المسروقة على شاحنات بلوحات أرقام مزيفة تقف وراءها أسماء وازنة تقتعد مقاعد البرلمان والجماعات القروية الساحلية. الناس بآسفي لا يفهمون كيف استطاعت أسماء بعينها شراء صمت سلطات المدينة فقط بشاحنات الرمال، وكيف أن تلك الأسماء، التي تختفي وراء الحصانة البرلمانية ظلت تغتني وتشهر غناها في مدينة نصف سكانها فقراء لا يملؤون بطونهم سوى بما تبقى من سمك على أرصفة الميناء وأرصفة الشوارع التي تحولت إلى معرض للسلع والخضر والفواكه واللحوم السرية، فيما يظل مجلس البلدية الاستقلالي منشغلا فقط بتوظيف أبناء المستشارين، ولا يهمه مطلقا أن تغتني مافيات جديدة من تملص ضريبي لا تؤدي بموجبه رسوم سوق الجملة البلدي، وحولت آسفي بفضل ذلك إلى مدينة لا يشاهد فيها زائرها سوى عربات وبغال وسكاكين باعة السمك. بآسفي ليس فقط أصحاب المقالع السرية من اغتنوا وأفقروا المدينة، ومع ذلك يمثلونها في قبة البرلمان ويصنعون بعائدات الرمال الخريطة الانتخابية، بل فئة ثانية مستترة اغتنت وراء مكاتب الولاية التي تراقب بأعين مغمضة تلك المقالع السرية، وفئة ثالثة اغتنت من «السيلسيون» الذي حول شارع إدريس بناصر وزنقة الحديقة العمومية إلى تجمع بشري للمتسكعين، الذين يطوفون بشفرات الحلاقة على الناس ليسلبوهم الأموال الكافية لشراء «الدوخة». والغريب أن أعوان الدوائر الحضرية من مقدمين هم من يحرس هذا الوضع، لكن ليس بغريب أن تكون آسفي ربما المدينة الوحيدة بفضل عائدات تجارة «السيلسيون» التي يمتلك فيها المقدمون عمارات بثلاثة طوابق، فيما القياد يسكنون منازل مكتراة. آسفي لم يتم إقحامها في رؤية 2010 السياحية المنتهية ولا ضمن رؤية 2020 القادمة، وطيلة ولايتين حكوميتين للوزير غلاب لم يتم ربط آسفي بشبكة الطريق السيار، وليس لها مشروع مطار مصغر ولا خط سككي مباشر يربطها بمراكش أو البيضاء أو الجديدة. بآسفي ليس هناك مستشفى متعدد التخصصات ولا جامعة مستقلة بكليات متعددة. من كان حتى الآن يخطط لتنمية المدينة كان يكتفي فقط ب«الكروسة والبغل» و«السيلسيون» ومقالع الرمال السرية، فقط لأن ذلك هو أقرب طريق سيار نحو الاغتناء.