فيما يبدو أنه نهاية سعيدة للانتفاضة الشعبية، التي هزت مصر والعالم العربي وأطاحت بنظام حسني مبارك بعد ثلاثين عاما من الحكم، غادر آلاف المتظاهرين ميدان التحرير في وسط القاهرة بعد إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة حل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور، رضوخا لمطالب المتظاهرين الذين أبوا إلا أن تحقق جميع مطالبهم. وخلا الميدان، الذي أصبح رمزا للثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، تقريبا من المعتصمين عدا العشرات الذين يقومون بمظاهرات من حين إلى آخر. وكانت قوات الجيش قد نجحت، أول أمس الأحد، في إعادة حركة المرور إلى الميدان، وأزالت خيام المعتصمين بعد مواجهات محدودة مع بعضهم لم تسفر عن وقوع إصابات. ومن جانب آخر، قالت مجموعة من ناشطى الأنترنيت المصريين، الذين ساهموا في حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، يوم أمس الاثنين، إنهم التقوا بقيادة الجيش التي تدير شؤون البلاد، لبحث الإصلاحات الديمقراطية. وقال وائل غنيم، الشاب المصري المسؤول في عملاق الأنترنيت الأمريكي «غوغل»، والمدون عمر سالم في مذكرة بعنوان «لقاء مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة» نشراه على الأنترنيت: «لقد التقينا قيادة الجيش لفهم وجهة نظرهم وعرض وجهة نظرنا». هذا، وكان البنك المركزي المصري قرر منح البنوك عطلة أمس الاثنين، على أن تعود إلى العمل اعتبارا من يوم غد الأربعاء، حيث إن اليوم الثلاثاء عطلة رسمية في الدولة للاحتفال بمولد النبي محمد (ص). وقالت مصادر صحفية مصرية إن القرار اتخذ على خلفية احتجاجات شهدتها بعض البنوك الحكومية من الموظفين المطالبين بالزيادة في رواتبهم. وشهدت أنحاء مصر أول أمس الأحد تظاهرات ركزت على مطالب بزيادة الرواتب أو تحسين الأوضاع الوظيفية، إذ نظم مئات من رجال الشرطة تظاهرة أمام مقر وزارة الداخلية للمطالبة بتحسين رواتبهم، كما نظم موظفو بعض المصارف احتجاجات مماثلة. ردود أفعال مصرية في هذه الأثناء، توالت ردود فعل المعارضة المصرية على البيان الخامس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فقد أكد السيد البدوي، زعيم حزب «الوفد»، أن الإعلان «يرضي طموحاتنا كسياسيين». وأشار، في اتصال مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، إلى أن الإعلان لا يعني إلغاء الدستور تماما ويعد بإجراء تعديلات دستورية. كما رحبت جماعة «الإخوان المسلمين» ببيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقال عصام العريان، المتحدث باسم الجماعة: «إن الجماعة ترى أن هذه الخطوات قد تمهد لإجراء الانتخابات التشريعية التي ستتيح وضع دستور جديد للبلاد». كما طالب العريان مجددا بإلغاء قانون الطوارئ وإطلاق الحريات والإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن جماعة «الإخوان المسلمين» دعت شبابَها إلى إخلاء الميدان فور انتهاء أعمال التنظيف وإعادة الإعمار. من جهته، قال المعارض أيمن نور إن الخطوات التي اتخذتها قيادة الجيس تمثل «انتصارا للثورة». البيان رقم 5 وكان المجلس العسكري الحاكم في مصر قرر وقفَ العمل بالدستور وحلَّ مجلسي الشعب والشورى. وقال المجلس في البيان الخامس له والذي أذيع في التلفزيون المصري إنه سيتولى إدارة شؤون البلاد لمدة ستة أشهر أو إلى حين انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية. وتضمن بيان المجلس التعهد بالبدء في تعديل الدستور وطرحه للاستفتاء على الشعب والإعداد لانتخابات تعددية حرة لاختيار البرلمان. وأضاف البيان أن «التحدي الحقيقي الذي يواجه وطننا الغالي مصر يكمن في تحقيق التقدم عبر إطلاق كافة الطاقات الخلاقة لكل فرد من أبناء شعبنا العظيم، وذلك بتهيئة مناخ الحرية وتيسير سبل الديمقراطية». وأكد المجلس إيمانه بأن «حرية الإنسان وسيادة القانون وتدعيم قيم المساواة والديمقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية واجتثاث جذور الفساد هي أسس المشروعية لأي نظام حكم يقود البلاد في الفترة المقبلة». وأوضح البيان أن المجلس سيتولى إصدار مراسيم بقوانين خلال الفترة الانتقالية. وكلف المجلس وزارة الدكتور أحمد محمد شفيق بالاستمرار في أعمالها إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وجدد البيان التأكيد على التزام مصر بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها، وسيتولى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي تمثيله أمام كافة الجهات في الداخل والخارج. الحكومة من جهته، قال رئيس حكومة تسيير الأعمال في مصر أحمد شفيق إن حكومته تضع مسألة استعادة الأمن في البلاد على رأس أولوياتها. وقال شفيق، في مؤتمر صحفي في أعقاب أول اجتماع تعقده حكومته بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، إن الأخير ما زال في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. وفي ما يتعلق بوضع نائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان، قال إن المجلس العسكري سيحدد موقفه. وقد تعهد رئيس الوزراء بمحاربة الفساد وإعادة الحقوق إلى الشعب. وأضاف شفيق: «موقفنا الاقتصادي الداخلي صلب ومتماسك، وعندنا مخزوناتنا اللازمة لفترة كافية». وحذر من تعطل عمل الحكومة وتردي الوضع الاقتصادي إذا ما استمرت التجمعات في ميدان التحرير. وأوضح أن الموقف سيئ، «ليس بسبب ميدان التحرير بل بسبب الذين ركبوا موجة ميدان التحرير». وأضاف: «ما نحن فيه لا يرضي أحدا، يجب التوقف، الخسائر بالملايين يوميا»، مشيرا خاصة إلى الخسائر الكبيرة التي لحقت بقطاع السياحة. موقف إسرائيل من جهة أخرى، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية إن وزير الدفاع إيهود باراك ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشير حسين طنطاوي تحادثا هاتفياً يوم أمس الاثنين، رافضا إعطاء أي تفاصيل أخرى. يأتي ذلك فيما عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا هو الأول بعد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، وبحث رئيس الحكومة بينامين نتنياهو التطورات المصرية مع أعضاء حكومته، مجددا ترحيبه بإعلان الجيش المصري احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل. حكومة تسيير الأعمال ستضم شخصيات معارضة ومستقلة وعلى صعيد آخر، قال د. أحمد شفيق، رئيس حكومة تسيير الأعمال، إنه سيتم ضم عدد من الشخصيات المعارضة والمستقلة ومن خارج الحزب الوطني الذي قال، في تصريحات لقناة «الحرة» صباح أمس الاثنين، إنه يتمتع بالأغلبية رغم أن المجلس العسكري الأعلى حل مجلسي الشعب والشورى. واعترف شفيق بأنه لا تزال هناك ثغرات أمنية عديدة تحاول حكومته سدها، مشيرا إلى الاحتجاجات الفئوية والعمالية التي تضرب مصر منذ عدة أيام وتضاعفت عقب الإعلان عن تنحي مبارك، لافتا إلى أن أولوياته هي عودة الحياة إلى طبيعتها. وكان د.أيمن نور، مؤسس حزب «الغد»، قد طالب، في اتصال هاتفي سابق مع «الحرة»، بضم عدد من التكنوقراط إلى الحكومة الحالية. وزارة الخارجية المصرية حرضت على شباب الثورة كشفت صحيفة مصرية، يوم أمس الاثنين، عن برقيات بعث بها مكتب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى سفاراته في الخارج، يحرض فيها على شباب الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، وادعت أنهم يتلقون تمويلا أجنبيا. ونشرت صحيفة «الشروق» تفاصيل برقية، صدرت عن مكتب وزير الخارجية تحت رقم 177 في تاريخ 3 فبراير وتحمل توقيع المتحدث باسمه حسام زكي، إلى البعثات الدبلوماسية في الخارج تطلب منها «إبلاغ وزارات خارجية الدول الأجنبية بأن اتصالات الوزارة مع الأجهزة الأمنية تشير إلى القبض على عناصر أجنبية ضمن المتظاهرين حينذاك». وتشير البرقية إلى أن لدى الوزارة «معلومات مؤكدة عن مبالغ مالية بالعملات الأجنبية تدفع للمعتصمين للإبقاء عليهم في أماكنهم». ووفقا للبرقية، يطلب الوزير من السفارات إبلاغ الدول الأجنبية أن الاشتباكات حتى يوم 3 فبراير أدت «إلى انزواء أطراف الاعتصام إلى أقلية تستخدم العنف من خلال العبوات الحارقة». وتخاطب برقية أخرى، أرسلها مكتب الوزير في اليوم نفسه، كل سفراء مصر بالخارج بالقول: «ترجى موافاتنا بشكل فوري بأية معلومات بشأن ما يتناوله الدبلوماسيون في أحاديثهم الخاصة بشأن الوضع السياسي المصري الداخلي»، وهو ما وصفته الصحيفة بكونه طلبا «ليتحول سفراء مصر ودبلوماسيوها في الخارج إلى مجموعة من المخبرين يتلصصون على الناس في بلادهم». مبارك في غيبوبة ونقلت صحيفة «المصري اليوم» في عددها الصادر يوم أمس الاثنين، عن مصادر مطلعة أن الرئيس المخلوع حسني مبارك دخل في غيبوبة كاملة منذ مساء السبت الأخير في مقر إقامته بشرم الشيخ. وأضافت الصحيفة أن مبارك «تحت رعاية طبية، ولم يتقرر نقله إلى أي مستشفى داخل أو خارج مصر». وكان مبارك (82 عاما) أجرى جراحة في مارس الماضي في مستشفى هايدلبرغ في ألمانيا، لاستئصال الحويصلة المرارية وورم حميد من الإثني عشر، وخضع بعدها لمتابعة طبية دقيقة وعلاج تحفظي غير تقليدي طوال الفترة الماضية. ومن جهة أخرى، كشفت مصادر مصرية مطلعة أن مبارك قد يكون يعيش أيامه الأخيرة في منتجع شرم الشيخ وهو يعاني من تدهور كبير في وضعه الصحي، إضافة إلى سوء حالته النفسية. وأفادت المصادر بأن مبارك، الذي يعاني من أمراض الشيخوخة وأجرى علميات جراحية عديدة خلال السنوات الماضية، يرفض تناول الأدوية كما يرفض عرضه على الأطباء للعلاج. وقال مصدر مقرب من حاشية مبارك إن وضعه «الصحي والنفسي في تدهور واضح ومستمر». وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال أحمد شفيق أكد، أول أمس الأحد، أن مبارك لا يزال موجودا «حتى هذه اللحظة» في شرم الشيخ. ويشار إلى أن صحيفة «الأخبار» كشفت أول أمس أن خلافا حادا نشب يوم الخميس الماضي داخل القصر الرئاسي.