سيحفظ التاريخ للنظام الساركوزي العديد من الإخفاقات. ولربما كانت الأسفار والرحلات الإكزوتيكية التي قام بها أقطاب النظام ضيوفا من خمسة نجوم على أنظمة لاديمقراطية، أحد أهم الإخفاقات التي «تألق» فيها هذا النظام. لم يقع الوزراء والوزيرات وحسب في شباك هذه الغواية، بل ساركوزي نفسه الذي أصبح موديلا سلبيا للعديد من وزرائه، فقد أعطى الرئيس الأوامر بإصلاح وترتيب طائرة من نوع إيرباص A330-200، أطلقت عليها الصحافة تسمية «ساركو وان»، بلغ مجموع تكلفتها، من خزينة الدولة طبعا، 180 مليون أورو. والطائرة مجهزة بحمام وبغرفة للعمليات الجراحية وبأحدث وسائل المواصلات. ولحضور مؤتمر عقد في بروكسيل الأسبوع الماضي استقل الرئيس هذه الطائرة، فيما المسافة لا تتعدى 300 كلم. في سجل آخر من التبذير، «تألق» السنة الماضية آلن جويندي، كاتب الدولة السابق في التعاون، لما استقل طائرة خاصة إلى المارتينيك بتكلفة 116500 أورو! بعد التفاعلات الإعلامية والسياسية لهذه الفضيحة، قدم الوزير السابق استقالته من الحكومة، مما دفع بساركوزي إلى حذف كتابة الدولة في التعاون! غير أن فضيحة الفضائح ستبقى بلا منازع القفزات الجوية المجانية التي قامت بها ميشال آليو ماري، وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية، بين طبرقة وتوزر في تونس، في عز أعياد نهاية السنة وفي عز ثورة الياسمين. تأتي هاتان الرحلتان، رفقة زوجها وعائلتها، على متن الطائرة الخاصة لعزيز ميلاد، أحد رجال الأعمال التونسيين المقربين من حاشية المغلوع بن علي، لتؤكد الطبيعة المرتشية لميشال آليو ماري، وهو سلوك متفش لدى شريحة كبرى من المسؤولين والديبلوماسيين الفرنسيين الذين لا ينظرون إلى العالم العربي إلا كمستعمرات قديمة خاضعة لسلطة «البقشيش». فلا غرابة إذن إن غرفت وزيرة الشؤون الخارجية مجانا «وبلا حيا بلا حشمة» من عندياتهم، الشيء الذي أظهر نزوعها الارتشائي وحولها إلى نكتة متنقلة. غير أنه بمعزل هذه النزوة، تبقى ميشال آليو ماري مهنيا وزيرة تافهة، إذ على الرغم من تقلدها للعديد من المهام الوزارية: وزيرة دفاع، وزيرة عدل، وزيرة في الداخلية، ثم أخيرا كاتبة دولة ووزيرة للشؤون الخارجية في الحكومة الثالثة لفرانسوا فيون، فإنه «لم يشهد لها بأي إنجاز»، على حد تعبير فرانسوا فيون، خلفت بيرنار كوشنير، وكان بدوره من الوزراء التافهين والمرتشين الذي «قزمه» قصر الإيليزيه إلى أن تخلص منه «بالفن». ولما تقلدت آليو ماري هذه المسؤولية، لم تنجح في استعادة الصلاحيات المخولة لهذه الوزارة، وذلك بإسماع صوت فرنسا في المحافل الدولية وإثبات حضورها. تركت لهنري غينو، المستشار الخاص للرئيس ساركوزي، عناية تسيير ومتابعة ملفات الشؤون الخارجية، فيما خلدت للراحة والاستجمام. غير أن أهم «إنجاز» يحسب لها هو نضالها، وبلا كلل، من أجل تأييد ومساندة القنوات الممثلة لإسرائيل في فرنسا، فهي لا تتغيب، كيفما كان الحال، عن العشاء السنوي الذي ينظمه المجلس التمثيلي للجالية اليهودية في فرنسا، كما أنها وفرت دعما ثمينا، لما كانت على رأس وزارة العدل، ل»جمعية مراقبة الميز العنصري» التي تقف من وراء الدعاوى القضائية التي استهدفت ما يقرب من 100 مناضل يناهضون السلع المنتوجة في الأراضي المحتلة والمسوقة باسم إسرائيل إلى أوربا، فقد أدخلت بندا يحاكم بموجبه، فورا، كل من يدعو إلى مقاطعة إسرائيل! منذ تعيينها على رأس وزارة الخارجية، وهي إحدى الوزارات الثلاث الكبرى في هرم السلطة، مرت فرنسا بامتحانات عسيرة سواء في منطقة الساحل، في حربها ضد القاعدة لتحرير المغرب الإسلامي، في أفغانستان، في الشرق الأوسط والمأزق الذي تجتازه القضية الفلسطينية، تمادي إسرائيل في سياسة الاستيطان، تنظيم سوريا لانقلاب ضد الرئيس سعد الحريري، لكن وزيرة الخارجية الفرنسية بقيت في موقع المتفرج، وبالخصوص تجاه توسع نفوذ السياسة الخارجية الأمريكية. ثم جاءت تصريحات الوزيرة لتقديم خبرة القمع والردع التي اقترحتها على نظام بن علي، ثم تحليقاتها على متن طائرة عزيز ميلاد، فوق مناطق كانت فريسة لمجابهات عنيفة، لتكسر الشظايا المتبقية من صورة الخارجية، ومن صورة فرنسا عموما. «وما حدها تقاقي»، انفجرت يوم 6 فبراير فضيحة جديدة طالت هذه المرة الوزير الأول فرانسوا فيون بعد أن كشفت أسبوعية «لوكانار أونشينيه» الساخرة عن رحلته الاستجمامية رفقة عائلته من أسوان إلى أبو سمبل على متن طائرة وضعتها رهن إشارته البحرية المصرية. كما أشارت الأسبوعية إلى لقاء جمع الوزير الأول وحسني مبارك. ستكون بالكاد انعكاسات هاتين الفضيحتين وخيمة على شعبية نيكولا ساركوزي، إذ توفران البرهان على تآكل الساركوزية من الداخل والتي من المحتمل أن تقص أجنحتها خلال الرئاسيات القادمة بعد تحليقاتها الطليقة. ولا ندري، هل سينجح ساركوزي في تدارك الموقف لما أوصى حكومته بالعمل بحكمة المثل المغربي: «اللي تلف يشد الأرض»!