على الرغم من تحقيق زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب نجاحات على المستوى الاقتصادي والمدني، تكللت بتوقيع عقود بقيمة ثلاثة ملايين أورو، إلا أن الملفات التي أحضرها معه نيكولا ساركوزي للتفاوض حولها مع العاهل المغربي الملك محمد السادس "لم تكتمل أوراقها"، بعد أن فشلت باريس في إقناع الرباط باقتناء طائرات رافال بدل "إف 16 الأميركية". ولم يكن هذا التفوق له علاقة بالهيمنة التي يسعى كل من ساركوزي وجورج بوش تكريسها في المغرب العربي وشمال إفريقيا، بل ارتبط أساسًا بالجوانب المادية، إذ إن قيمة العقد الأميركي كان منخفضًا، وهي المعادلة التي حاولت باريس حلها بتخفيض صفقتها إلى أقل من ملياري دولار، غير أن هذه الورقة لم تكن كافية لإزاحة "إف -16" الأميركية عن طريقها. "" ولا يخفي هذا الإخفاق العسكري النجاحات المدنية والاقتصادية التي حققتها الزيارة، على مدى ثلاثة أيام، إذ تمكن ساركوزي من تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة النووية السلمية، في حين أبرم اتفاقيات القطار المكوكي (تي جي في) بين طنجة (شمال المغرب) والعاصمة الرباط، وشراء فرقاطة، وتحديث طائرات مروحية، وتجهيزات عسكرية أخرى. كما نجحت باريس في تسويق مشروع الأورومتوسطي، وهو المشروع الذي يتكون من الدول المطلة على البحر المتوسط، لتحويل بيئة المتوسط إلى أنظف بيئة في العالم، كما يقول الرئيس ساركوزي، وهو مشروع، بغض النظر عن التسميات، يضمن لفرنسا نفوذًا قويًا على مستعمراتها السابقة. وقال حسان بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق جامعة محمد الخامس الرباط، إن "زيارة ساركوزي كانت ناجحة بكل المقاييس على الرغم من فشله في بيع الطائرات الحربية"، مضيفًا أنها "حققت ما كان منتظرًا سياسيًا واقتصاديًا". وأوضح حسان بوقنطار، في تصريح ل "إيلاف"، أن "هذه الزيارة الأولى من نوعها لنيكولا بعد توليه المنصب الجديد محت تلك الزيارة السابقة التي كانت ستدوم لساعات فقط"، مبرزًا أن "موقف المغربي كان دبلوماسيًا"، وعلق قائلاً: "طبيعة العلاقة بين البلدين لا تقتصر على ساعات، بل تحتاج إلى أن تأخذ وقتها". واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن "لفرنسا حضور متجذر وقوي في المنطقة، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي"، مشيرًا إلى أن "الولاياتالمتحدة هي من تسعى إلى تكريس هيمنتها في المغرب العربي وشمال إفريقيا وليس فرنسا التي لها تاريخ هنا". وذكر أن "إلقاء الرئيس الفرنسي لخطاب أمام مجلس النواب حمل العديد من الرسائل، مفادها أن المغرب حقق الكثير في مساره الديمقراطي". وتأتي فرنسا في المقدمة من حيث الاستثمار بالمغرب وفي المرتبة الثانية ضمن الممولين للمملكة بعد البنك العالمي. وقررت باريس رفع قروضها ذات الامتياز إلى المغرب إلى 460 مليون أورو برسم الفترة 2007 - 2009، في حين رفعت الوكالة الفرنسية للتنمية من الغلاف المالي المخصص للمغرب إلى 460 مليون أورو، بدل 300 مليون خلال الفترة 2004 -2006. وهكذا تبرهن باريس عن رغبتها في الإسهام في جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب الذي انخرط بعزم وإصرار في سياسة إصلاحية شملت عمليا جميع القطاعات. وعلى الصعيد السياحي، فإن فرنسا تعد البلد الأول من حيث عدد سياحه الذين يزورون المغرب، والذي بلغ حوالى 2.6 مليون سائح (زائد 8 في المئة( مما يدر مداخيل تصل إلى حوالى 21.7 مليار درهم أي ما يمثل 41.3 في المئة من مجموع مداخيل الأسفار في المملكة. كما تشكل تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج (20.6 مليار درهم سنة 2006), موردًا مهمًا للعملة الصعبة بالنسبة للاقتصاد الوطني، تساهم في توازن ميزان الأداءات، في الوقت الذي يسجل فيه الميزان التجاري للمغرب عجزًا حادًا. ويعكس هذا التطور المتزايد الذي يشهده التعاون الاقتصادي بين المغرب وفرنسا انشغال البلدين بتعزيزه أكثر للرقي به إلى مستوى العلاقات التاريخية والمتميزة القائمة بين الرباط وباريس.